شكلت وسائل التواصل الاجتماعي عالمًا موازيًا ومنافسًا للتلفزيون، لا بل تفوقت عليه من حيث كونها مصدرًا للأخبار والترفيه، وعندما نقول "تفوقت" نقصد هنا قنوات تلفزيونية كبيرة حفرت اسمها في عالم التلفزيون على مدار عقود، احترمت عقل المشاهد بإعلام حر نوعًا ما. فكيف هو الحال مع القنوات الحكومية المحلية للأنظمة القمعية، التي سيطرت على المشهد الإخباري والترفيهي لعقود قبل أن تطلق عليها وسائل التواصل الاجتماعي وعلى برامجها رصاصة الرحمة، ولتصبح تلك القنوات وبرامجها محط سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال كشف زيف العلاقة وهشاشتها بين المواطن وإعلامه المحلي خصوصًا في سنوات الحرب.
كانت الكوميديا خيار الكثير من السوريين للتعبير عن سخطهم وانتقادهم لكل ما يدور حولهم
هذا ما أطلق العنان لدى الكثير من الشباب لإنشاء منصاتهم الإعلامية الخاصة أو تكوين عالمهم الخاص إن صح التعبير على الشبكة العنكبوتية مستغلين المساحة التي توفرها فكانت الكوميديا هي خيارهم للتعبير عن سخطهم وانتقادهم لكل ما يدور حولهم.
اقرأ/ي أيضًا: كوميديا الثورة السورية
1. فريق "ردة فعل" من مخيم اليرموك
بدأت ملامح ظهور الستاند أب كوميدي في سوريا في بداية عام 2011 مع فريق "رد فعل" في مخيم اليرموك لللاجئين الفلسطينيين، هذا التجمع الذي أنتج عدة فيديوهات تناولت في مواضيعها الأوضاع الاجتماعية في جنوب العاصمة ومخيم اليرموك، واستمرت أثناء حصار المخيم قبل أن تتوقف مع اعتقال الفنان الفلسطيني حسان حسان، أحد أبرز وجوه الفريق واستشهاده لاحقًا في أقبية المعتقل.
2. نور حدّاد
برزت نور حداد، والتي قدمت برنامج القصة شراكة، وقد بدأت ذلك من خلال فيديو بسيط، حقق متابعة كبيرة وإعجابًا لم يكن في حسبان حداد، فعملت مع ثلاثة من زملائها على تطوير الفكرة وتحويلها لسلسلة تبث على الهواء، قبل أن تنتقل من كونها مراسلة لقناة أورينت الى تقديم برنامجها الخاص على "تيلي أورينت". نور حداد لا تتوانى عن رصد أهم الأحداث المحلية والعالمية سياسيًا أو اجتماعيًا، والتعليق عليها بتهكم وانتقاد، ولذلك تلاقي فيديوهاتها رواجًا واسعًا.
3. محمد بيطار..رحلة لجوء
لكن قبل نور حداد بعام أو أكثر، بزغ نجم الشاب محمد بيطار، الذي وثق رحلته إلى أوروبا عبر اليونان من خلال فيديوهات قصيرة فكاهية لاقت إعجابًا ومتابعة لدى الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وصنعت منه لاحقًا "نجم سوشيال ميديا" كما يقول البعض، وصار يشكل صورة عن اللاجئ السوري وأحلامه بالوصول إلى بلد آمن. بعد ذلك تنوعت وتفرعت المواضيع التي يسجلها محمد بيطار حتى شملت المسلسلات والفيديوهات والأخبار ووصلت لتغطية تفاصيل من حياته اليومية. وجد البعض في هذه العلنية محاولة اصطياد الجمهور من الشباب وتحصيل للشهرة فقط.
4. تيم الحناوي.."تاني باشتان"
قبل أن ينطفئ نجمه نوعًا ما مع انتهاء قصته بالوصول إلى السويد، ظهرت أسماء أخرى مثل تيم الحناوي في هولندا من خلال سلسلة حلقات وبرامج متنوعة تناولت أوضاع اللجوء وأحوال السوريين، وغيرها من المواضيع حول عادات وتقاليد العائلات السورية، واستذكار بعض تفاصيل الحياة في سوريا. الفيديوهات كانت عبارة عن سلسلة حلقات باسم "تاني باشتان" تتطرق لانتقاد بعض تلك الذكريات والتهكم عليها، يقدمها تيم بطريقته الساخرة، ما جعل من جمهوره متابعًا ومنتظرًا له.
اقرأ/ي أيضًا: "جميل وهناء".. و"اليوتيوب" ثالثهما
بعض نجوم الستاند أب كوميدي السوريين حققوا انتشارًا واسعًا وصاروا يطرحون أنفسهم كبديل عن نجوم ومشاهير السينما والتلفزيون
5. محمود الحمش.."باقي ويتدحكل"
من دمشق، برز وجه الشاب الصغير "محمود الحمش" في سلسلة حلقات تحت عنوان "محمود الحمش باقي ويتدحكل"، محمود الأصغر سنًا بين "اليوتيوبيين" وهواة ومقدمي مقاطع الفيديو الترفيهية على شبكات التواصل الاجتماعية، يبدو أكثر فكاهة وأقل تكلفًا وتكليفًا من سابقيه في عالم الستاند أب كوميدي. ينتقد محمود شخصيات من الواقع، ويقف عند الكثير من شؤون المجتمع التي يراها غريبة ومضحكة فيسلط عليها الضوء ويخبر متابعيه عنها محاولًا تقديم جرعة من الضحك، لكنه لا يقترب من جوانب سياسية تمس النظام عادة.
6. عبدالرحمن دندشي..حمصوود
لكن يبقى البرنامج اليومي الأشهر والأكثر متابعة هو "حمصوود"، الذي يقدمه الشاب عبد الرحمن دندشي. طرح حمصوود نفسه منذ عامين تقريبًا من خلال برنامج كل يوم أربعاء، يقدم كل أسبوع ملاحظته الفنية على بعض المسلسلات السورية، ينتقد الممثلين، إلى جانب تعقيبه على الإخراج والسيناريو.
استطاع عبدالرحمن دندشي من خلال خبرة قد اكتسبها من دراسته للسينما بملاحظة الأخطاء في الدراما السورية والوقوف على أهم مشاكلها، حتى صار له في رمضان العام الماضي وهذا العام نسبة متابعة عالية جدًا، جعلت منه نجمًا من نجوم شبكات التواصل الاجتماعي.
يدور الشباب اليوم في فلك السوشيال ميديا، جاعلين منها منابر إعلامية توثيقية وترفيهية على حد سواء، حتى لو تأثر برنامجهم بحياتهم اليومية أو بالعكس، حيث يقدم كثر تفاصيل من حياتهم أيضًا أو يطرحون رأيًا في شأن ما. لا يمكن اعتبار ذلك إلاّ جزءًا من عالم السوشيال ميديا المفتوح إلى جانب حاجة الكثير من الشباب للتعبير عن أنفسهم وتقديم شخصياتهم أو معارفهم أو حتى رغبتهم إطلاع الآخرين على حياتهم الخاصة، وهكذا ينمو الشخصي وتكبر الفردانية على حساب العام حتى في أكثر الفضاءات عمومية. وهو ما يفسر أن بعضهم صاروا يطرحون أنفسهم كبديل عن نجوم ومشاهير السينما والتلفزيون.
اقرأ/ي أيضًا: