في كثير من الأحيان تزداد حالة مرضى الاكتئاب سوءًا خلال العلاج منه. كما يمكن للاكتئاب أن يغلف المرء بالضباب فيشعر بالفزع، حتى أنه لا يملك الطاقة اللازمة للتعامل مع المشكلات الحقيقية.
بحسب الإحصائيات الأمريكية، يعاني أكثر من 8% من السكان من الاكتئاب، لكن 13% من السكان يتناولون مضادات الاكتئاب!
بحسب الإحصائيات الأمريكية، يعاني أكثر من 8% من السكان من الاكتئاب، لكن يتناول نحو 13% من السكان مضادات الاكتئاب، ويفسر هذا الارتفاع كون مضادات الاكتئاب لا تستخدم فقط لعلاج الاكتئاب فحسب، وإنما تعد مفيدة لعلاج اضطرابات المزاج المختلفة، والقلق، واضطرابات الهلع، وداء الأمعاء الالتهابي، والفيبروميالغيا، واضطراب ما بعد الصدمة، والتبول اللاإرادي، ومتلازمة ما قبل الحيض، والشره المرضي، والوسواس القهري، وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: هل تضر مضادات الاكتئاب بحياتك الجنسية؟
وتستخدم هذه الأدوية بشكل أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، حيث تصل نسبتها بين كبار السن لنحو 25%، وعديد من كبار السن يتعاطونها لأكثر من قرن من الزمان.
لكن هل من الآمن تناول مضادات الاكتئاب على المدى الطويل؟ خاصة أن معظم الحالات التي تستخدم مضادات الاكتئاب في علاجها تميل إلى أن تكون مزمنة، أو يمكن أن تعود إذا توقف المرء عن الدواء. ومع انتشار هذه الأدوية، لكن لا توجد أبحاث كافية عن الآثار طويلة الأجل لها.
كما يشكك عدد من الباحثين الطبيين في فاعلية مضادات الاكتئاب، وأنها لا تفيد إلا في حالات الاكتئاب الشديدة.
ما هي مضادات الاكتئاب وكيف تعمل؟
تأتي مضادات الاكتئاب في عدة أشكال أبرزها: المثبطات ثلاثية الحلقات لإنزيم مونو أمين أكسيديز (MAOIs)، ومثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين-نور إيبينيفرين (SNRIs).
تنتقل المعلومات في جسم الإنسان من خلية عصبية لأخرى عبر رسل كيميائية تعرف بالنواقل العصبية، لكن عند حدوث مرض مما ذُكر أعلاه، يحدث اضطراب في هذه النواقل العصبية، مثل السيروتونين، أو النور إيبينفرين، وربما الدوبامين وغيرها، إذ قد لا يوجد ما يكفي، أو قد لا يستخدمها الدماغ بكفاءة، أو قد توجد مشكلة في مستقبلات هذه النواقل، ما يؤدي إلى خلل في الإرسال العصبي.
لذا تعمل مضادات الاكتئاب على تغيير طريقة عمل الناقلات العصبية الخاصة بالمرء، بحيث تصبح متاحة بشكل أكبر لتوصيل الرسائل العصبية بشكل صحيح.
لكن بيئة الدماغ معقدة، ولكل ناقل عصبي وظائف كثيرة مختلفة، وقد تؤدي زيادة النواقل العصبية إلى التخفيف من أعراض الاكتئاب، أو قد تؤدي إلى عديد من الأعراض الجانبية الأخرى التي قد تصبح مهددة للحياة.
أعراض جانبية قد تهدد الحياة
تتراوح الأعراض الجانبية المحتملة ما بين جفاف الفم، واضطراب الرؤية، والدوخة، وقد تغير الشهية والقدرة أو الرغبة الجنسية؛ وهي أعراض شائعة، إلى جانب حدوث اضطرابات في المعدة وآلام في المفاصل والعضلات ومشكلات في التفاعلات مع الأدوية والتهيج وتغير المزاج واضطرابات الحركة، فضلًا عن خطر السقوط عند كبار السن. وتستمر هذه الأعراض الجانبية عند استخدام هذه الأدوية على المدى الطويل.
إلى جانب شيوع السلوك غير السوي بين من يتعاطون مضادات الاكتئاب، وتزداد مخاطر التعود على هذه الأدوية، وتصبح بعض مضادات الاكتئاب أقل فاعلية بمرور الوقت، علاوة على أعراض الانسحاب التي قد تكون سيئة في كثير من الحالات، بالإضافة إلى أن بعض مضادات الاكتئاب قد تؤدي إلى التنشيط الزائد، فيما يؤدي بعضها الآخر للنعاس.
وفي ورقة بحثية نشرت عام 2016، أجريت على الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب على المدى الطويل، وجد الباحثون أن نحو 30% ما زالوا يعانون من الاكتئاب المعتدل أو الشديد، حيث اشتكى غالبيتهم من مشكلات جنسية، وزيادة في الوزن، وشعور بالخدر العاطفي، وانخفاض المشاعر الإيجابية، وعدم شعورهم بأنهم أنفسهم، تلاها شعور كما لو كانوا مدمنين، وانخفاض الاهتمام بالآخرين، والشعور بالانتحار.
وفيما يلي بعض أشهر المخاطر التي قد تنتج من تناول مضادات الاكتئاب:
- مشكلات جنسية
يعد انخفاض الاهتمام بالجنس أو الوصول للنشوة الجنسية، أحد الأعراض الجانبية الأكثر شيوعًا التي قلما يتم الحديث عنها، حيث تصيب نحو نصف المرضى؛ لذا ينصح الأطباء عادة بخفض جرعة الدواء، لكن قد يؤدي هذا إلى فقدان فاعليته، لذا قد يقوم بتغيير مضاد الاكتئاب، أو إضافة دواء لعلاج الانتصاب، وعادة ما تختفي الأعراض.
- زيادة الوزن
تسبب بعض مضادات الاكتئاب زيادة الوزن، وفي بعض الأحيان تؤدي لفقدان الوزن. لكنها علاقة غير وثيقة، بحيث يصعب معرفة مقدار الزيادة أو الخسارة الذي يعزى إلى الدواء، وكم يعزى إلى العوامل الأخرى، مثل سلوكيات الشخص حول الطعام.
لكن تشير دراسات إلى أن الاستخدام طويل الأمد لمضادات الاكتئاب يمكن أن يزيد من خطر زيادة الوزن، والأمراض ذات الصلة مثل السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم.
ووفقًا لدراسة علمية نشرت عام 2015، يميل الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب إلى اكتساب نحو 3% من وزنهم كل عام، وبمرور الوقت يمكن أن تصبح هذه الزيادة كبيرة حقًا، ويمكن أن تتسبب بالتأثير في الثقة بالنفس والصحة، لذا ينصح بالتواصل مع الطبيب لمعرفة كيف يمكن تحسين النظام الغذائي، أو زيادة التمرينات للمساعدة في فقدان هذا الوزن الزائد.
- متلازمة السيروتونين
قد تحدث متلازمة السيروتونين، لكنها غير شائعة، إلا أنها يمكن أن تكون خطيرة. وتحدث عندما تصبح مستويات مادة السيروتونين الكيميائية في الدماغ، مرتفعة للغاية، عند تناول أحد أنواع مضادات الاكتئاب من النوع "SSRIs" أو "SNRIs" مع مادة أخرى ترفع مستويات السيروتونين.
وتتراوح أعراض هذه المتلازمة ما بين الارتباك، والتهيج، وارتعاش العضلات، والتعرق، والارتجاف، والإسهال، وحتى الإصابة بنوبات، واضطراب نبضات القلب، وفقدان الوعي.
- نقص صوديوم الدم
قد يعاني الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب، وخاصة من النوع "SSRIs"، من انخفاض حاد في مستويات الصوديوم في الدم، فمضادات الاكتئاب من هذا النوع قد تؤدي إلى تعطيل عمل هرمون يُنظم مستويات الصوديوم، والسوائل داخل الجسم، ما قد يؤدي إلى تراكم السوائل داخل الجسم.
ونقص صوديوم الدم قد يكون خطيرًا، خاصة لدى كبار السن، حيث تصبح عملية تنظيم السوائل داخل الجسم صعبة مع التقدم في العمر.
وتتراوح أعراضه ما بين الشعور بالصداع، وآلام بالعضلات، وانخفاض الشهية، وفي حالات خطيرة يمكن أن تتسبب في توقف التنفس، أو الدخول في غيبوبة.
- السكري
توجد علاقة غير وثيقة بين مضادات الاكتئاب والسكري من النوع الثاني، حيث تربط دراسات بين تناول مضادات الاكتئاب والإصابة بالسكري.
لكن قد تكون زيادة وزن الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب، تزيد من خطر الإصابة بالسكرى من النوع الثاني.
ووفقًا لدراسة علمية نشرتها دورية "Diabetes Care" عام 2013، تتسبب مضادات الاكتئاب في انخفاض القدرة على التحكم في مستويات السكر بالدم بسبب زيادة الوزن الكبيرة.
لذلك إذا كنت قلقًا إزاء خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، فناقش طبيبك حول العثور على مضاد اكتئاب أقل ارتباطًا بمشكلات السكر في الدم، وربما كان من المفيد إجراء اختبار سكر بشكل متكرر.
- الاكتئاب
قد يؤدي تناول مضادات الاكتئاب على المدى الطويل إلى الإصابة بالاكتئاب! فوفقًا لدراسة علمية نشرت عام 2011، يمكن لمضادات الاكتئاب أن تصبح أقل فاعلية بمرور الوقت، ما يعني رجوع الأعراض مرة أخرى، لكن ليس هذا السبب الوحيد بحسب الدراسة، حيث يفترض الباحثون أن هذه العقاقير قد تحدث تغييرات في الدماغ تؤدي إلى الاكتئاب.
لذلك إذا كنت تتناول مضادات الاكتئاب ومع ذلك تزداد حدة اكتئابك، فتحدث مع طبيبك حول الأسباب المحتملة قبل أن تقرر أن توقف الدواء.
- الانتحار
يعد ارتفاع معدل الانتحار أسوأ مخاطر مضادات الاكتئاب، ففاعلية مضادات الاكتئاب في الوقاية من الانتحار المرتبط بالاكتئاب لا تزال غير مؤكدة.
وقد يواجه المرء أفكارًا انتحارية ورغبة في إيذاء النفس عند تناول مضادات الاكتئاب لأول مرة، خاصة للشباب الأقل من 25 عامًا.
مضادات الاكتئاب والحمل والرضاعة
يؤدي الاكتئاب غير المعالج لمخاطر كبيرة على كل من الأم والطفل، لذلك قد تتناول المرأة الحامل مضادات الاكتئاب. لكن لا يخلو الأمر من مخاطر على كل من الأم والجنين، مثل ولادة مبكرة وانخفاض وزن الجنين عند الولادة.
كما أن بعض مضادات الاكتئاب قد تصل لحليب الأم، لذا يجب استشارة الطبيب حول نوع الدواء الأمثل في مرحلة الرضاعة.
وأخيرًا، قبل تناول مضادات الاكتئاب، تأكد من أنك على دراية بالآثار الجانبية المحتملة، فضلًا عن الطريقة المناسبة للتغلب عليها قد تكون بحاجة لتجربة عديد الأدوية قبل العثور على الدواء المناسب لك.
وازن بين الآثار الجانبية المحتملة وكيف تؤثر عليك، مقابل مدى نفع الدواء بالنسبة لك؛ لتقرر ما إن كانت الفوائد تفوق العيوب، وأشرك طبيبك في أي قرارات تتخذها بشأن استخدام مضادات الاكتئاب. ولا تتوقف أبدًا عن تناول مضادات الاكتئاب فجأة، قبل أن تتحدث إلى طبيبك حول الطريق المناسبة للتوقف عن تناولها.
يعد ارتفاع معدل الانتحار أسوأ مخاطر مضادات الاكتئاب، ففاعلية مضادات الاكتئاب في الوقاية من الانتحار المرتبط بالاكتئاب لا تزال غير مؤكدة
قد يكون من المفيد أن تخبر قريبًا أو صديقًا مقربًا أنك بدأت في تناول مضادات الاكتئاب، واطلب منه قراءة المنشور المرفق مع الأدوية، واطلب منهم إخبارك ما إذا كانوا يعتقدون أن الأعراض تتفاقم أو إذا كانوا قلقين بشأن التغيرات في سلوكك.
اقرأ/ي أيضًا: