ينطلق مجموعة من الشباب العراقي المستقل ظهر كل يوم جمعة من منطقة الكرادة الشرقية، وسط العاصمة العراقية بغداد، باتجاه ساحة التحرير التي يعلوها "نصب الحرية" الذي صممه الفنان التشكيلي العراقي الراحل جواد سليم بعد أحداث 1958 التي أنهت وجود النظام الملكي في العراق.
سخرت لافتات الشباب العراقي من الكتل السياسية ومن مجلس النواب
لمسافة لا تقل عن 5 كم، يسير هؤلاء الشباب وسط حرارة الصيف التي تتجاوز 50 درجة مئوية للوصول إلى ساحة التحرير، التي ستكون شاهدة على ثورتهم الإصلاحية التي أعلنوا عنها. السير باتجاه التحرير مُجبرين عليه، فكل الطرق المؤدية لها أغلقتها القوات الأمنية قبل خمس ساعات من موعد التظاهرة.
يحمل علي السومري، وهو كاتب وصحفي، حقيبته الصغيرة على كتفه، ويرتدي قبعته "الماغوطية" وبقميصه مفتوح الأزرار الذي يُعلن من خلاله تمرده على الواقع المأساوي في البلاد، ويتجه نحو قبلة الإصلاحيين في ساحة التحرير. علي لم يسر لوحده، فهناك أخرون معه، زملاء وأصدقاء.
طبول وموسيقى وغناء وبالونات ولافتات كبيرة تُندد بأفعال ساسة عراق ما بعد 2003 تجاه الشعب والبلاد، تفاصيل تواجدت في ساحة التحرير طيلة أيام التظاهرات، بالإضافة إلى وجود شيء من التفاؤل في وجوه الشباب العراقيين، الذين يرون الآن فسحة أمل قد تأخذهم إلى عراق غير الذي يعيشوه الآن.
كان يسير مع علي مؤيد الطيب الصحفي والناشط المدني، وعلي عبد الخالق الصحفي والناشط المدني، والإعلامي المعروف نبيل جاسم، والكاتب والصحفي أحمد عبد الحسين وشخصيات أخرى بارزة في الوسطين الثقافي والإعلامي العراقي. حولهم أناس كثيرون يحثون الخطى سريعًا للوصول إلى مكان التظاهر.
كان بهاء كامل هو الآخر متحمسًا لبدء التظاهرات. يتحدث مع الآخرين عن كيفية انطلاقها، هل بنشيد وطني، أم بشعارات تُندد بالفاسدين، وكيف سيعلقون اللافتات، بينما الساعة تقترب من الخامسة عصرًا، ولم يبق وقت طويل لبدء التظاهرات. شعورهم جميعًا كان يُشير إلى وجود أخبار سارة بعد التظاهرة.
يلعب الشباب العراقي اليوم دورًا كبيرًا بعدما عملت الأحزاب السياسية خلال السنوات الماضية على دفنه وعدم إظهار ملامحه، وكانت تستخدم البعض من غير الواعين بالأوضاع في البلاد، لغايات انتخابية.
الساعة تقترب من الخامسة عصرًا، والمتظاهرون بحاجة إلى عشر دقائق للوصول إلى الساحة قبل ساعة من انطلاق التظاهرات. شباب العراق لم يعد يُعجبهم رؤية السياسي العراقي وسطهم، فكانت هناك ردة فعل كبيرة من قبل متظاهرين شباب على تواجد النائبة عن التحالف المدني الديمقراطي شروق العبايجي في التظاهرة، التي اضطرت إلى الانسحاب منها قبل أن يحدث لها ما لا يُحمد عُقباه من قبل المتظاهرين الغاضبين.
في تظاهرة يوم الجمعة 31 تموز/يوليو، احتشد في ساحة التحرير أربعة آلاف مواطن عراقي، أغلبهم من الشباب، طالبوا جميعهم بإقالة الوزراء الفاسدين، وتعيين شخصيات قادرة على إصلاح الوضع، لكن تظاهرة الجمعة التي تلتها 7 آب/أغسطس، فاقت التوقعات، وحضر فيها ثمانية آلاف شخص تقريبًا، وفاق العدد أضعاف ذلك في الجمعة الثالثة 14 آب/أغسطس، لأكثر من 200 ألف متظاهر.
رفع الشباب لافتات وشعارات تسخر من الكتل السياسية العراقية ومن مجلس النواب، بينما حمل البعض الأعلام العراقية التي تلونت بها ساحة التحرير، وكان مُحرك التظاهرة عبر مكبرات الصوت، يهتف ضد فساد الحكومات، وضد سرقاتهم لقوت الشعب، ولم ينس المتظاهرون قولهم ضد التدخل الخارجي في بلادهم، فكان الشباب فيها "دينامو" لم توقفه حرارة الصيف ولا صعوبة الوصول إلى مكان التظاهر.
يُمثل صوت الشباب اليوم، صوت المجتمع العراقي، الذي لم يسمعه أحد طيلة عقود سابقة، إلا بحالات بسيطة ولم تكن ذات نتائج، لكن الآن يبدو أن الحراك الذي يقوده شباب يبدو واعيًا ومثقفًا، سيثمر خلال الفترات المقبلة عن وجود خط مستقيم لتقويم عمل مؤسسات الدولة العراقية، وبناء مستقبل إيجابي لجيل جديد من الأطفال العراقيين، بعدما كانت الأجيال السابقة عبارة عن وقود لحروب لم تنته.
أثناء التظاهرات التي يقودها مجموعة من الشباب العراقيين، تقف امرأة كبيرة بالسن، تنظر إلى وجوه المارة، كأنها تبحث عن أحد ما، لا شيء يظهر على ملامحها. كانت ترتدي الزي الأسود الذي تُعرف به المرأة العراقية، والذي رافقها لأزمنة طويلة، حتى الآن.
كانت تُدمدم بأشياء غير مفهومة، اقتربت منها بفضول صحفي، أعطيتها قنينة مياه، فردت علي: "أنتم وقود حرب كنتم ولا تزالون، ولا أريدكم أن تبقوا كذلك، ابني الذي فقدته في قاعدة سبايكر، أشعر أنه يسير الآن معكم، كل شيء فيه أتخيله الآن، لا أريد أن أفقد شابًا آخر".
العراق الذي نعرف