في هذا العالم المشحون والحياة اليومية التي تتسم بالرتابة والضغط النفسي والعصبي، فإنه من الصعب أن يجد الإنسان وقتًا للترفيه عن نفسه، وعمل شيء جيد لتحسين حالته. لكن البعض استطاع القيام بذلك! الكثيرون يلجؤون لطرق قد تضر بصحتهم، والقليل فقط من يفعلها بطريقة حريصة ومتزنة وأكثر وعيًا، ليحققوا بذلك المثل القائل: "يضرب عصفورين بحجر واحد"، إنهم يُدخنون الحشيش باستمتاع، دون إفراط، كي يتجنبوا الضرر! هل هذا ممكن؟
في الحرب العالمية الثانية، كان الحشيش يُستخدم كوسيلة لنزع الحقيقة من أسرى الحرب
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. زراعة الحشيش في دائرة الجدل
ما هو الحشيش؟
الحشيش هو الاسم العربي لمخدر شرقي يستخلص من نبات القنب الهندي اسمه العلمي cannabis sativa، واشتهر لدى البعض باسم الماريجوانا، وهو من أشهر المخدرات استخدامًا على مستوى العالم. الماريجوانا أو الحشيش، أو نبتة القنب، يُمكن تدخينها كالتبغ، كما يُمكن استهلاكها بطرق أُخرى مثل خلطها مع الطعام أو المشروبات.
وعرف نبات القنب منذ فجر التاريخ، وقد زُرع في البداية لاستخدام أليافه في صناعة الأحبال ونسج الأقمشة، ولم يستخدم كمخدر بأي شكل إلا في زمن متأخر، وفي حدود ضيقة، مع بداية ظهور المسيحية. ويعود موطنه الأصلي إلى أواسط آسيا تحديدًا جنوب بحر القزوين، وجنوب جبال الهيمالايا، وفي كشمير. ويبلغ طول شجرة القنب من متر إلى خمسة أمتار، وساقها عمودية، تتكون من ألياف، وهي تتفرع وفقًا لنوع التربة المزروعة فيها وجو المنطقة، فكلما زادت حرارة الجو كان النبات أكثر كثافة. وتشبه أوراقه راحة اليد وجميعها متصلة من الأسفل. وملمسها غير ناعم كونها مغطاة بشعيرات غير مرئية، لكنها تظهر تحت المايكروسكوب، ولها رائحة مميزة.
تأثير الحشيش
يؤدي إلى خليط من الاستثارة و"التهبيط" للجهاز العصبي المركزي، هذا ويعتمد تأثيره على النشاط العقلي، ونوع الحشيش والجرعة التي يتناولها الفرد. ويعتبر الحشيش مادة مسببة للهلوسة، تسبب إدمانًا نفسيًا فقط، وليس إدمانًا جسديًا حقيقيًا، نظراً لعدم وجود أعراض انسحاب له.
يزيد الحشيش من قدرة جميع الحواس الخمسة إيجابيًا، مع زيادة في الاستمتاع بالطعام والموسيقى، مع بعض الهلوسة التي تعطي إحساسًا كبيرًا بالنشوة، مع الضحك لأتفه الأسباب. يُؤدي الحشيش في الغالب إلى فقد الإدراك للوقت والمكان، فالدقائق تمر كأنها ساعات، والأماكن القريبة تبدو بعيدة، وهذا أحد أبرز أسباب وقوع الحوادث على الطرق مع زيادة جرعة التعاطي. ومما يذكر أنه في الحرب العالمية الثانية كان الحشيش يُستخدم كوسيلة لنزع الحقيقة من أسرى الحرب.
استعمال العقاقير الاستجمامي
يقصد بمصطلح "تعاطي المؤثرات العقلية"، تناول أي مادة لها تأثير على الجهاز العصبي وعلى العمليات العقلية، سواء عن طريق الشم أو بالتدخين أو البلع أو الحقن، وتتسبب في حالة من النشوة أو الفتور أو التخدير أو التنويم أو التنشيط، ويكون من شأن هذه المادة أنها تسبب حالة من إدمان متعاطيها، سواءً نفسيًا أو جسديًا. ومصطلح المؤثرات العقلية هو مصطلح قد يستخدم في العربية مرادفًا لمصطلحي "المخدرات" و"المسكرات".
استخدام الماريجوانا طبيًا!
قدمت الماريجوانا طبيًا لمرضى الصرع الحاد أو لتجربة علاج بعض أنواع السرطان في عدة دول من العالم
قبل نحو عامين، أعلنت حكومة ولاية نيو ساوث ويلز الأسترالية، إعطاء المرضى، بما فيهم الأطفال، الذين يعانون الصرع الحاد، الماريجوانا، في سياق أول تجربة علاج سريرية للمخدر في البلاد. وذكرت حينها تقارير إخبارية أنه سيتم إدراج المرضى البالغين الميؤوس من شفائهم، والذين يخضعون للعلاج الكيميائي، لتجربة الماريجوانا، والتي سيجري تمويلها وتشغيلها من قبل حكومة ولاية نيو ساوث ويلز.
وفي عام 2013، استعمل الماريجوانا أكثر من 20 مليون أمريكي، رغم أن القانون الفيدرالي يحظر حيازتها وبيعها حينها، بينما جرى استعمالها طبيًا في 23 ولاية ومقاطعة، لتقلص الولايات المتحدة العقوبات المترتبة عن استعمال الماريجوانا في سياق الترويح عن النفس، قبل أن يقنن الأمر تمامًا، في ولاية فيرجينيا.
وقبل عامين أيضًا أثار بحث لعالم العقاقير الألماني بوركهارد هينتس ضجة كبيرة، حيث قال مدير معهد علم العقاقير والسموم في جامعة الطب بروستوك، إنه تمكن من "تفجير" خلايا سرطانية في التجارب المعملية، بمساعدة مواد مستخلصة من نبات القنب، لكنه أوضح في الوقت نفسه أن "الكثير من الاستراتيجيات الجديدة لمقاومة السرطان، التي بدت واعدة في التجارب قبل السريرية، لم تحقق في الماضي نفس التقدم في التجارب السريرية، لأنها لم تظهر لدى البشر نفس الفعالية المفترضة".
وأضاف أنّ زيت القنب تسبب في شفائه شخصيًا من سرطان الجلد. لتلاقي قصته رواجًا في جميع أنحاء العالم، خاصة بين المرضى في المراحل المتأخرة من هذا المرض الخبيث، وهو ما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى العلاج بزيت القنب.
وفقاً لما نشره موقع صحيفة فوكس أونلاين الألمانية، افتتحت وزارة الصحة الاتحادية والمعهد الاتحادي للعقاقير والأجهزة الطبية، بدء العمل بتطبيق قانون في ألمانيا يسمح بالحصول على القنب، بوصفة طبية، للحالات المرضية الخاصة والآلام المزمنة التي تستدعي استخدامه، وتُدفع التكاليف من التأمين الصحي.
اقرأ/ي أيضًا: "الحشيش" بين المُشرّع والمجتمع في تونس ما بعد ثورة
وفي برلين، هناك مؤسسة رسمية تسمى بـ"وكالة مراقبة القنب"، تهتم بمتابعة زراعة القنب وتجارته والحرص على تداوله لأغراض طبية فقط. وتعتمد خلفية القانون الألماني على تسهيل إمكانية الحصول على القنب للمرضى الذين يعانون من آلام مبرحة ومزمنة عبر وصفة طبية دون عناء تقديم طلبات خاصة وانتظار الموافقة لوقت طويل. وفي حال عدم قدرة المرضى على تحمل نفقات الوصفة، فعلى شركة التأمين المساعدة في التكاليف.
كان على المرضى الذين يعانون من حالات سيئة جدًا، الحصول على إذن خاص، وانتظار الموافقة للحصول على الحشيش، وحينها بلغ عدد المرضى الذين حصلوا على الموافقة، حوالي ألف شخص. غير أن الوضع قد اختلف الآن، وأصبح بإمكان المرضى الذين يعانون من آلام مزمنة وأمراض خطيرة أو فقدان الشهية ناتج عن أحد الأمراض الخطرة كالإيدز، تعاطي الحشيش بوصفة طبية.
وكما ذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية، فإن القنب قد يكون خير بديل لبعض الحالات التي تستدعي المواد الأفيونية، بسبب الآثار الجانبية الخطيرة لها وإمكانية الإدمان عليها. غير أن أضرار القنب وفوائده لم تحدد بشكل كامل ونهائي بعد، ولا تزال الأبحاث بهذا الخصوص مستمرة.
أصبح بإمكان المرضى في ألمانيا، الذين يعانون من آلام مزمنة وأمراض خطيرة أو فقدان الشهية ناتج عن أحد الأمراض الخطرة كالإيدز، تعاطي الحشيش بوصفة طبية
فوائد الماريجوانا الطبية
يستخدم الحشيش للتخفيف من مرض التهاب المفاصل، حيث اكتشف بعض العلماء أن نبات القنب الذي يستخرج منه الحشيش يحتوي على مادة تؤدي إلى التخفيف من مرض التهاب المفاصل، كما أفاد العلماء أنه من الممكن استخراج علاج أرخص ثمنًا من الموجود حاليًا.
الحشيش أيضًا مضاد للغثيان والقيء، خاصة عند المرضى الذين يتناولون أدوية مضادة للسرطان، كما وُجد أن للحشيش فائدة في تصنيع أدوية معالجة للاضطرابات الحركية.
واشتق من الحشيش مركب يُسمى "دكسابينول" يُستخدم في معالجة ارتجاج المخ وحالة نقص الأكسجين، بالإضافة إلى أنه لا يحتوى على آثار جانبية.
كذلك يستخدم كفاتح للشهية، وخاصة عند الذين يعانون من نقص في أوزانهم بسبب أمراض السرطان والإيدز، وقد تمت تجربة ذلك عن طريق مادة "درونابينول: وهي إحدى مشتقات نبات القنب. كما توجد مادة في نبات القنب تسمي "تي إتش سي"، تعمل على توسيع القصبة الهوائية في الجسم، وبالتالي فهي تساعد الذين يعانون من ضيق في التنفس.
وقد أشار بعض العلماء إلى أن الحشيش المستخرج من نبات القنب يمكن أن يستخدم للعلاج من تشنجات العضلات، كما أنه يحسن من حركة المريض، ويُعد أفضل من العلاجات المتوفرة الآن، كون لها آثارًا جانبية.
ويستخدم زيت الحشيش المستخرج من نبات القنب الهندي تحديدًا في تكثيف الشعر بإشادة كثير من العلماء، وفي مجتمعات هندية وباكستانية، يعد استخدام زيت الحشيش لهذا الغرض أمرًا شائعًا، إذ أنه يعالج تساقط الشعر والقشرة والصلع، ويكفي استخدامه من ثلاثة إلى أربعة أشهر للحصول على نتيجة فعالة.
وحديثًا اقترح زراعة الحشيش في المناطق المجاورة للمفاعلات النووية، لأن لديه قدرة عالية على امتصاص الأشعة النووية بنسبة تصل إلى 80% قبل احتراقه. وفي عدد حزيران/ يونيو 2015، أعدت مجلة ناشيونال جيوغرافيك تقريرًا بعنوان "علم النشوة"، تحدثت فيه عن فوائد القنب الهندي، مشيرة إلى فوائده كمضاد للالتهابات ومانع لنمو الخلايا السرطانية ومكافح للفيروسات، ويخفف تشنجات العضلات الناجمة عن مرض التصلب المتعدد.
هناك توجه نحو زراعة الحشيش في المناطق المجاورة للمفاعلات النووية، لقدرته على امتصاص الأشعة النووية بحوالي 80%
علكة الماريجوانا
مع العام الجاري (2017) أصبح بإمكان المصابين بالتصلب المتعدد، استخدام علكة الماريجوانا لعلاج آلام مرضهم المزمن. وقد تم اختبار علكة الماريجوانا لعلاج الشلل التشنجي والألم الناجم عن مرض التصلب المتعدد، لتعطي نتائج إيجابية. وتحتوي العلكة على 5 ميليغرامات من "الكانابيديول "CBD- و5 ميليمغرامات من "تتراهيدروكانابينول "THC- وسوف تكون متاحة من خلال وصفة طبية.
والكانابيديول مادة مستخرجة من الحشيش، لا تسبب التخدير، فضلًا عن أنه ثبتت فوائدها الصحية المتعددة، بما في ذلك علاج نوبات الصرع والحالات العصبية الأخرى، كذلك الحال مع مادة "تي إتش سي" التي لها خصائص مميزة ذات تأثير نفساني بالدرجة الأولى.
كيفية عمل علكة الماريجوانا
وفقًا للدكتور "جورج أناستاسوي" فإن عمل علكة الماريجوانا يكون من خلال الآلية الدقيقة التي يتم من خلالها إطلاق المادة عبر المخاطية الشعرية في الفم،" مما يعني أنها لا تمر بالكبد. كما أن الحصول على مكونات الماريجوانا عبر مضغ العلكة هو أكثر أمانًا من غيرها من الوسائل، وآثارها الجانبية تكون أقل، فضلًا عن أنها وسيلة أكثر قبولًا اجتماعيًا.
وتوفّر العلكة أيضًا فوائد لحماية وتحفيز الأعصاب، مستمدة من عملية المضغ، التي هي بحد ذاتها لها تأثير علاجي إيجابي. وقد أثبتت الأبحاث أن المضغ يُحفّز توليد الخلايا العصبية، ويحفز نظام القلب والأوعية الدموية، ويعزز صحة الفم والأسنان، ويساعد كذلك على الحد من التوتر وفقدان الإدراك المرتبط بالشيخوخة.
والآن ماذا عن العالم العربي؟
السؤال الأبرز في هذا الموضوع في العالم العربي هو على الأغلب في رأي علماء الدين في استخدام الحشيش طبيًا، والاستفادة منه لعلاج الكثير من الأمراض، مع تكرر إثبات فوائده، وقلة آثاره الجانبية. وربما تكون دراسة هذا التساؤل من الآن أفضل لحسم الجدل مبكرًا.
مصادر:
قانون ألماني يسمح بتعاطي الحشيش للعلاج
تجارب استخدام الحشيش للعلاج في أستراليا
اقرأ/ي أيضًا: