عندما تبحث عن مدخل للجزائر البيضاء فإنك تجد عشرات المداخل وبأسماء مختلفة مرتبطة بكلمة "باب"، كما تسمع بتعدد الأبواب، التي باتت اليوم عبارة عن كلمات توارثها الجزائريون، دون أن تبقى الأبواب بشكلها الأصلي. بعضهم يطرح الأسئلة المتكررة حول الأبواب التي ارتبطت بـ"الجزائر البيضاء"، وأغلبهم يذكر الأسماء لكن لا يعرف حتى تاريخها.
تشتهر العاصمة الجزائرية بأبوابها الخمسة التي لها تاريخ حافل
أول شيء يثير الانتباه عند ولوج العاصمة الجزائرية هو تلك الشوارع والأحياء القديمة، التي لا تزال تحتفظ بالبناءات القديمة المتراصة على طول شوارع كبيرة، تحمل أسماء شهداء الثورة الجزائرية، فمن شارع الشهيدة حسيبة بن بوعلي إلى شارع الشهيد ديدوش مراد إلى شارع الشهيد العربي بن مهيدي وهي أحد مفاصل العاصمة الجزائرية وأبوابها الخمسة كعنوان للجزائر.
"إيكوسيوم" هو الاسم القديم للعاصمة الجزائرية والذي يعني "جزيرة النورس"، أطلقه الرومان في فترة احتلالهم للجزائر، لتتوالى عليها التسميات، خاصة بعدما أصبحت مقرًا لقبيلة بربرية تدعى "بني مزغنة" وفي القرن العاشر ميلادي، أسس "بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي مدينة لقبها "بجزائر بني مزغنة"، ولكنها ليومنا هذا لا تزال تحتفظ بالتسمية الأخيرة كما تحتفظ بأبوابها الخمسة التي تربعت على مساحة في أحياء تاريخية وهي: "القصبة العتيقة" و"ساحة الشهداء" ومنطقة "عين البنيان"، والتي تعود لقرون وتحتفظ بأسماء الأبواب وحملت تسميات متباينة من بينها "باب الوادي"، وهو أحد أحياء العاصمة الجزائرية القديمة والعتيقة، و"الراسخة في قلب كل جزائري"، بحسب تعبير أحد سكان المنطقة بوعلام آكلي (78 سنة) خلال حديثه لـ"ألترا صوت"، مضيفًا أن "الواجهة الشمالية لباب الوادي بالعاصمة الجزائرية كانت عبارة عن مرسى يشهد إقبالًا كبيرًا من طرف الصيادين والسفن التي تقل البضائع أيضًا، بل ويعد وجهة الكثير من التجار من كل حدب وصوب".
اقرأ/ي أيضًا: كيف تتجنب أمراض السفر؟
وبخصوص التسمية، يرى المتحدث أنه سمي كذلك "نسبة إلى الوادي الذي كان يمر بجانب المدينة، حيث يفتح هذا الباب على مستوى الطريق المحاذي لجبل "بوزريعة"، وقد كان الباب يفتح ويغلق في حالة الخطر وموصول بجسر ينتهي عند مصب الوادي في البحر". "اليوم تغير كل شيء فلا أثر للباب"، يقول آكلي، مواصلًا: "لقد تم بناء طريق وساحة كبرى ولا أثر للوادي إلا أن التسمية لا تزال موجودة، وأصبحت "باب الوادي" تعني للجزائريين منطقة تاريخية تحمل العديد من القصص الجميلة".
بالنسبة للأحياء الواقعة شمال العاصمة الجزائرية، تم بناء باب حديدي ضخم أطلق عليه قديمًا "باب الجزيرة" وهو باب يسهل دخول البحارة من عرض البحر وكان مخصصًا لهم في القرن الثامن عشر، كما كانت تقع بجانبه عدة ثكنات عسكرية للجيوش الانكشارية آنذاك، وهي اليوم عبارة عن أطلال ومنها ما تم إعادة تهيئته لتخصيصه كمؤسسات عمومية. واللافت للانتباه أنه لصيادي العاصمة الجزائرية وبحكم أنها تطل على البحر بابهم الخاص وأطلق عليه قديمًا اسم "باب البحر" ويسمى أيضًا "باب الديوانة"، حيث خصص للتجارة البحرية ولقد علقت بهذا الباب خمسة أجراس كان الصيادون يدقون فيها عشر مرات تعبيرًا عن فرحهم لوفرة الصيد وما يجود به البحر من منتوج.
تحتفظ الجزائر بأبوابها الخمسة التي تربعت على مساحة في أحياء تاريخية وهي: القصبة العتيقة وساحة الشهداء ومنطقة عين البنيان
أما بالنسبة للباب الرابع فهو "باب عزون"، الذي لا يزال لليوم يحتفظ بذكريات يتلقفها الزوار من مختلف ولايات الجزائر، حيث سمي كذلك نسبة إلى أحد الثوار من أهالي منطقة "القصبة" والذي ثار ضد الحاكم العثماني في السنة 1820، مضيفًا أن "عزون" حاصر المدينة بجيشه ولكنه في الأخير قتل من طرف الأتراك أمام مكان أصبح يطلق عليه اليوم "باب عزون"، إلا أنه اليوم بقي مفتوحًا على مختلف محلات القماش والملابس التقليدية.
في الجهة الجنوبية لمدينة الجزائر القديمة باب خامس يسمى "باب الجديد"، هو الباب الذي أنجز تسهيلًا لسكان المناطق الغربية للعاصمة ليدخلوها دون عناء وسمي بالباب الجديد آنذاك وبقي يحمل التسمية نفسها ليومنا هذا. وتاريخيًا، يقول الباحث في تاريخ الجزائر الدكتور عبد الله سعدي إن "أبواب الجزائر القديمة كانت مصنوعة من الخشب وكبيرة الحجم، تفتح وتغلق بتوقيت محدد بداية من طلوع الشمس وتغلق مع غروب الشمس"، مضيفًا لـ"ألترا صوت" أنها "كانت مربوطة بمختلف أحياء العاصمة الجزائرية العتيقة التي كانت عبارة عن أحياء قديمة وأزقة ضيقة، محروسة من حراس يسمون حراس "مزغنة" أي حراس الجزائر كما لا يدخلها الغرباء". وتبقى العاصمة الجزائرية تحتفظ بتسميات الأبواب، رغم أنها اندثرت مع مرور السنوات وتحتفظ بها في ذاكرة السكان.
اقرأ/ي أيضًا: