لعلّ أهم ما يميز بعض أعمال أدب الرعب العربي اليوم هو اتصالهِا المُباشر بالواقع المُعاش، بوصفهِ -الآن- مولِّدًا أساسيًا لهذهِ الأعمال، دون اللجوء إلى الخيّال لخلق وتكوين مشاهد مُرعبة، وهذا لا يعني بالضرورة عدم الاستعانة بالخيال وإشراكهِ في تركيبة النص، مع الحفاظ بالدرجة الأولى على واقعيته.
لعلّ أهم ما يميز بعض أعمال أدب الرعب العربي اليوم هو اتصالهِا المُباشر بالواقع المُعاش
كتاب "طفل الشيعة المسموم" (منشورات المتوسط، 2016) للكاتب العراقي حسن بلاسم من بين هذه الأعمال التي تستند إلى الرعب المُعاش، حاضرًا وماضيًا، في تركيبة نصوصهِ وقصصهِ، حيث يكمل فيه الكاتب ما بدأه في مجموعته القصصية "معرض الجثث".
اقرأ/ي أيضًا: طفل الشيعة المسموم من إناء "دار الجديد"
يتّخذ حسن بلاسم في كتابه الجديد، غير محدّد الهوية أو الجنس لاحتوائهِ على قصص قصيرة ونصوص متنوّعة، من الإنسان/الجسد مولِّدًا لبعض نصوصه، إن لم تكن جميعها، بطريقة مُباشرة أو غير مباشرة، على اعتبار أنه الأكثر انتهاكًا في الواقع الذي يُحيلنا إليه. وهنا لا يتعيَّن علينا البحث عن هذا الواقع، أو الشّك في مواطنهِ، إنّما التساؤل حول ماهيتهِ، والتفكير عميقًا في مستقبل هذا الانتهاك، ومصير الانسان العربي في ظلّهِ. هذا الانتهاك الذي تتعّد أشكالهِ في كتاب "طفل الشيعة المسموم"، ولا يُقدّم بصورة مُباشرة. ففي النصّ الأول "الإعلان" يقدّم حسن بلاسم الجسد على أنّه سلعة متعدّدة الاستخدام، ورغم أن الفكرة ظاهرة في النص، إلا أنّه يقودنا إلى دلالات عدّة، يقول حسن بلاسم: "ضعوا مؤخّرتي في صالات الاستقبال بدل رؤوس الثيران/ استخدموا أذني لإضحاك الأطفال/ اربطوا عظامي كحبل لنشر الغسيل/ اشتروا أسناني المنخورة لصنع قلائد الشعوذة/ اشتروا دمي لتعميد الوحدة".
السخرية حاضرة في كلّ نصّ أو قصّة، بوصفها رُبّما طريقة للخلاص من الواقع السوداوي الذي نعيشهُ، ولكنّها -بشكلٍ أو بآخر- متّصلة أيضًا بالألم، وتبدو في نصوص حسن بلاسم غير قابلة للانفصال عنه، مشكّلة، بالإضافة إلى الحرب والشتات والفقد والجنس، مع الخيال، ركائز نصّهِ: "أنا عراقي. وُلدت عام 1972 في بغداد، لكني أذكر -أيضًا- أنني وُلدت في سفينة نوح، من قرد نام مع سحلية". السخرية هنا، كما قُلنا، بدايةً لظهور الألم، حيث يقول حسن بلاسم في النص ذاتهِ: "أنا ثلاجة موتى ملوّثة بدم أصدقائي المتجمّد في قلبي. وفي رواية أخرى، أنا عراقي. متّ في المنفى، لكني أشعر أنني قُتلت بالخطأ في بيت عاهرات".
حاضر العراق المُرعب تكملة لماضيه، هذا ما يُحاول حسن بلاسم تأكيده للمتلقّي من خلال المزج في نصوصه ما بين الماضي والحاضر، دون غياب العناصر الحاضرة في الزمنين: الحرب والفقد والموت والشتات بمختلف أشكالهِ، والبشاعة التي يقدّمها حسن بلاسم كما هي، دون محاولات تجميلية، إن كان ذلك في الفكرة أو اللغة أو البنية السردية، ولعلّ أكثر ما يركز حسن بلاسم عليه في ماضي العراق هو الحرب الإيرانية العراقية التي حصدت الكثير من الأرواح العراقيين آنذاك: "كنّا ننتظر وصول التوابيت على حافة الطريق العام. كنّا أنا وباسم في سنّ الثامنة، وكانت الحرب مع إيران في عامها الرابع. التوابيت ملفوفة بالعلم، ومربوطة جيدًا فوق السيارات القدامة من جبهات القتال".
حاضر العراق المُرعب تكملة لماضيه، هذا ما يُحاول حسن بلاسم تأكيده
اقرأ/ي أيضًا: صورة للعراق بعد قرن من الاحتلال الأمريكي
في القسم الأخير من كتاب "طفل الشيعة المسموم"، والذي يحمل عنوان الكتاب، يقدّم حسن بلاسم قصصًا قصيرة يقوم متنها على كوابيس قائمة هي الأخرى أحيانًا على السخرية، مطروحة بلغةٍ غير مُهادِنة، كاشفة ومواربة في آن معًا، مقدِّمًا أدبًا كابوسيًّا يتجنّب التكرار، وينتهِكُ أساليب السرد النمطية، مُتّبعًا أسلوب سردٍ حداثي هدفه إدهاش المتلقّي لا إخافته، معتمدًا بذلك على السخرية العلنية والمشاهد التي تُجبر المتلقي، لشدّة بشاعتها وغرابتها، على الدهشة، حيث ألغى حسن بلاسم بذلك محاولات تجميل الواقع وإنعاشه، في سعي منه إلى تعريتهِ قدر الإمكان للمتلقي، سواء كان الواقع العراقي أو غيره من واقع البلدان التي تعش بؤسًا ناتجًا عن الحروب.
اقرأ/ي أيضًا: