يأتي تمام "لسان العرب" بين كل المعاجم العربية من حيث أنّ ابن منظور جمع فيه كبرى المعاجم التي استقى منها مادته. يقول أحمد فارس الشدياق: "يغني عن سائر كتب اللغة، إذ هي بجملتها لم تبلغ ما بلغه". نُشر المعجم أول مرة في "بولاق"، ثم تلتها طبعة "دار صادر" في بيروت منتصف خمسينات القرن الماضي، كما صدرت طبعات أخرى لاحقة، أعاد فيها ناشروها ترتيب المواد اللغوية بحسب أوائل الكلمات، إلا أن الطبعات جميعها تعود، رغم تعددها، إلى طبعة "بولاق"، فأخذ بها الناشرون بما فيها من أخطاء، وما حوته من تصحيف، وقد كتبت دراسات لغوية عديدة في نقد الطبعة السائدة منه.
توضح مقدمة الكتاب أهمية هذه الموسوعة اللغوية من حيث الجمع والاستقصاء، والاستشهاد بالقرآن والحديث والشعر والأمثال. يقول ابن منظور في المقدمة: "لم أقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية؛ ولأن العالِمَ بغوامضها يعلم ما توافق فيه النيةُ اللسانَ، ويخالف فيه اللسانُ النيةَ، وذلك لِما رأيتُه قد غلب، في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحنًا مردودًا، وصار النطقُ بالعربية من المعايب معدودًا. وتنافس الناسُ في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير اللغة العربية، فجمعت هذا الكتاب في زمنٍ أهلُهُ بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوحٌ الفلكَ وقومُه منه يسخرون، وسميته لسانَ العرب، وأرجو من كرم الله تعالى أن يرفع قدر هذا الكتاب وينفعَ بعلومه الزاخرة، ويصلَ النفع به بتناقل العلماء له في الدنيا وبنطق أهل الجنة به في الآخرة".
يأخذ "لسان العرب" بالحرف الأخير من الكلمة، فيجمع كل ما كان آخره همزة أصلية، ويجعله في باب الهمزة، ثم يرتب ذلك ناظرًا إلى الحرف الأول الأصلي من الكلمة ويسميه فصلًا، فأول الفصول فصل الهمزة، من باب الهمزة، ففصل الباء من باب الهمزة، ففصل التاء من باب الهمزة، وهكذا إلى أن ينتهي إلى فصل الياء من باب الهمزة، ثم يجمع ما كان آخره باء فيجلعه باب الباء، ثم ينظر إلى الحرف الأول الأصلي من الكلمة ويرتبه فصول: فصل الهمزة من باب الباء، ففصل الباء من باب الباء، ففصل التاء من باب الباء.. إلخ.
يعرّفنا ابن حجر العسقلاني في كتاب "الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة" بشخصية ابن منظور، فيكتب: "ابن منظور مُحَمَّد بن مُكرَّم بن علي بن أحمد بن حبقة الأنصاري الأفريقي كَانَ يُنسب إِلَى رُوَيْفِع بن ثابت الأنصاري، من صحابة رَسُول الله". ويشير إلى أنه كان مهتمًا باختصار الكتب: "وكان مغرمًا باختصار كتب الأدب المطوَّلة، اختصر الأغاني والعِقد والذخيرة ومفردات ابن البيطار والتواريخ الكبار، وكان لا يمل من ذلك"، وقَالَ الصفدي: "لا أعرف في الأدب وغيره كتابًا مطوّلًا إلَّا وقد اختصره كما أخبر ولده قطب الدين أنه ترك بخطه خمس مائة مجلدة، اختصر تاريخ دمشق في نحو ربعه، وكتاب الأغاني، وكتاب العقد الفريد، وكتاب نشوار المحاضرة، وكتاب الذخيرة، وكتاب مفردات ابن البيطار، وكثيرًا من التواريخ الكبار، وكان لا يملّ من هذا العمل".
اقرأ/ي أيضًا: