عندما اعتلى الرئيس السيسي كرسي الرئاسة جاء كرجل عسكري بلا مشروع واضح وبلا برنامج انتخابي، واعتمدت الدعاية الانتخابية بشكل كامل على فكرة محاربة الإرهاب وعودة الأمن الداخلي والسيطرة العسكرية على منابع الإرهاب في سيناء، وعندما فشلت الأجهزة الأمنية في التصدي للإرهابيين بشكل واضح في أكثر من مناسبة، كان لابد للنظام أن يخترع مشاريعًا قومية يرضي بها غروره ويتجاوز بها الإحباطات المتتالية للشعب المصري، وجاء مشروع قناة السويس الجديدة على رأس تلك المشاريع، فما الذي قدمه المشروع منذ افتتاحه في السادس من آب/ أغسطس 2015، أي مثل هذا اليوم منذ سنتين؟
يُرجع البعض تضرر الاقتصاد المصري خلال السنين الماضية إلى مشروع قناة السويس الجديدة ومشاريع أخرى لكونها كلفت المليارات دون فائدة
بروباجندا إعلامية والفتك بالاقتصاد المصري
لم يمر على تولي عبدالفتاح السيسي منصب الرئاسة سوى شهرين حتى أعلن عن بداية مشروع قناة السويس الجديدة، وفي لهجة عنجهية منه لا تخلو من النمط العسكري طالب الفريق مهاب مميش، المسؤول عن المشروع المخصص لتنفيذه ثلاث سنوات، أن تصبح مدة تنفيذ المشروع سنة واحدة فقط، لتصب كل مؤسسات الدولة مجهوداتها من أجل هذا المشروع القومي الجديد.
وقتها كان السيسي مدعومًا من رجال الأعمال المصريين الذين اختاروا موالاتهم للنظام الجديد الذي يؤمن استثماراتهم، وكذلك دعمت وسائل الإعلام الرئيس الجديد بكامل أذرعها، وعلى ما يبدو أن الرئيس الجديد تأثر بنموذج الزعامة الشعبية الذي صنعه عبدالناصر من قبل وأراد أن يكون زعيمًا جديدًا، وأن يكتسب شعبية وشرعية من خلال المشروع القومي.
أعلن إبراهيم محلب رئيس الوزراء حينها عن طرح شهادات استثمار في البنوك القومية بفائدة سنوية 12% تُصرف كل ثلاثة أشهر على أن يُسترد المبلغ بعد خمس سنوات، ونجحت الشهادات في جمع 64 مليار جنيه مصري في أيام معدودة من خلال شراء المواطنين ورجال الأعمال للشهادات، وبحسبة بسيطة نجد أن في السنة الأخيرة فقط وصل معدل تضخم الأسعار إلى ما يقرب من 33% حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أي أن المواطن الذي استثمر أمواله من أجل فائدة 12% قد خسر بالفعل 21% من القيمة الشرائية لأمواله المحبوسة لمدة خمس سنوات.
كما يُرجع البعض تضرر الاقتصاد المصري خلال السنين الماضية إلى مثل هذا المشروع الذي تكلف مليارات الدولارات بلا فائدة فعلية، وربما إن صُبّت هذه الأموال في مشاريع حقيقية أو مصانع جديدة لتوفير فرص العمل والنهوض بالصناعة المصرية وزيادة الصادرات، لكان الأمر أفضل كثيرًا من مشروع لم يأت فائدته كما سيتبين لنا، وسيواجه الاقتصاد المصري كارثة جديدة بعد مرور سنتين من الآن عندما تنتهي مدة الخمس سنوات ويُطالب أصحاب الشهادات بأصول أموالهم، لتجد الدولة نفسها مجبرة على دفع 64 مليار جنيه دفعة واحدة إلى المواطنين، فهل تتحمل خزانة الدولة مثل هذا الرقم، وهل يتحمل الاقتصاد المصري مثل هذه الخبطة؟
اقرأ/ي أيضًا: كيف تدير دولتك بدون أي خطة
افتتاح ضخم لمشروع فاشل
ظهر السيسي منذ سنتين ببدلته العسكرية مرة أخرى في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة وبرفقته طفل صغير بالزي العسكري، وقيادات القوات المسلحة، وعدد لا بأس به من الإعلاميين والفنانيين والسياسيين وممثلي الدول المختلفة، ليعلن للشعب المصري افتتاح القناة الجديدة ونجاح المشروع القومي، ويتقدم بعدد جديد من الوعود والتعهدات للمصريين، حفل افتتاح ضخم يساوي ضخامة المشروع الجديد، وصلت ميزانيته حسب بعض التصريحات الإعلامية إلى 30 مليون دولار، تكفل بها بعض رجال الأعمال والمستثمرين.
ومنذ تلك اللحظة، انتظر المصريون العائد الكبير الذي سيجنونه إثر عمل القناة الجديدة ومليارات الدولارات التي ستنهال على البلاد لتخرجها من الأزمات كافة وترفع عنها البلاء، ولكن أتت النتائج معاكسة تمامًا ومنافية لكل الوعود والتعهدات حتى أن إيرادات قناة السويس أخذت طريقها نحو التقلص والنقصان.
اقرأ/ي أيضًا: بكم اشترى النظام المصري شرعيته؟
تصريحات السيسي ومهاب مميش في مواجهة الحقائق
في الذكرى الأولى لافتتاح قناة السويس الجديدة في آب/ أغسطس الماضي، تحدث الرئيس السيسي إلى المصريين منتقدًا ما اعتبرها "محاولات التشكيك في نجاح هذا الإنجاز"، مؤكدًا "عدم تأثر إيرادات قناة السويس على الرغم من ركود حركة التجارة العالمية".
لكن بالنظر إلى إيرادات القناة في الثلاث سنوات الأخيرة نجد أنها في تناقص مستمر، ففي عام 2014 وصلت إيرادات قناة السويس إلى حوالي 5.5 مليار دولار، وفي العام التالي انخفضت الإيرادات إلى قرابة 5.2 مليار دولار، وفي 2016 استمر الانخفاض ليسجل 5 مليار دولار فقط، وسط تساؤلات مشروعة حول أهمية الجهد المبذول في قناة السويس الجديدة وحول أهمية المليارات التي صُرفت من أجل حفر تفريعة جديدة لا تؤتي ثمارها بل جاءت على اقتصاد الدولة بالخسارة.
يتواصل انخفاض إيرادات قناة السويس وسط تساؤلات عن المغزى من التفريعة الجديدة التي جاءت على اقتصاد البلد بالخسارة
صرّح الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس في آذار/ مارس الماضي، أن إيرادات القناة ارتفعت إلى 80 مليار جنيه مقارنة بالعام الماضي الذي بلغت فيه الإيرادات 49 مليار جنيه فقط، وهو أمر صحيح بالطبع لكنه مجتزء من سياقه وبمثابة معلومات مغلوطة، فالعام الماضي كانت قيمة الجنيه المصري أكثر من ضعف قيمته الحالية، التي انخفضت بعد تحرير البنك المركزي لسعر الصرف في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبإرجاع تلك القيمة لأصلها بسعر الدولار نجد انخفاضًا ملحوظًا في إيرادات قناة السويس.
وكان هناك تصريح سابق لمهاب مميش في 2015، جاء فيه أن الإيرادات المنتظرة من قناة السويس ستتجاوز 100 مليار دولار، وهو رقم يبدو تعجيزيًا، ولا ندري كيف خرج مثل هذا التصريح على لسان رئيس هيئة قناة السويس، ليس هذا فحسب، فجاء التصريح الأخير في الشهر الماضي بأن مليار سفينة عبرت قناة السويس منذ إنشائها حتى الآن، وهو رقم تعجيزي آخر أثار السخرية في الأوساط السياسية، حيث أن مرور هذا الرقم على مدار 61 عامًا هي عمر القناة، يتطلب مرور قرابة سفينة واحدة في كل ثانيتين!
اقرأ/ي أيضًا: