مرت في الأسبوع الماضي الذكرى السبعون لإعلان استقلال الهند بموافقة ملكية، وقد حصل ذلك في وقت كانت قد تضاءلت فيه مملكة جورج السادس، فأفلت شمس الإمبراطورية، وما يزال يبرز للناظر حتى الآن ذلك الإرث المخزي لإمبراطورية قامت على بؤس الآخرين واستغلالهم. هذه المادة المترجمة عن موقع "Bloomberg" تسلط الضوء على قباحة الاستعمار ودحض الادعاءات التي ترى جانباً مشرقاً في تاريخ الإمبريالية الغربية في العالم الحديث.
ليس هناك سبب يجعلك على معرفة بهذا الأمر بالطبع نظرًا لقلة التعليم المتاح حول الإمبريالية الآن؛ لكن المؤرخ البريطاني نيل فيرجسون عرف ذلك بالتأكيد. أحيا المؤرخ المناسبة متبجحًا بأنه قد "انتصر"، وذلك في تغريدة نشر فيها إحصاءً أجري عام 2014 يظهر أن نسبة 59% من البريطانيين فخورون بالإمبراطورية البريطانية.
بنيت الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية واستمرت فقط من أجل الربح وتنمية وظائف البريطانيين وثرواتهم
تغريدة نيل فيرغسون المبتهجة تكشف عمق وخطورة الخرافات التي لفت بها بريطانيا ماضيها. على سبيل المثال، يعرض فيلم كريستوفر نولان الجديد "دانكيرك" المعروض في دور السينما الآن فكرة خاطئة مفادها أن البريطانيين وقفوا وحدهم في مواجهة ألمانيا النازية بعد سقوط فرنسا، بينما في الحقيقة كان قد أجبر الملايين من الأشخاص الخاضعين للإمبراطورية على الوقوف في صفهم (انضم خمسة ملايين مواطن من الإمبراطورية لقتال النازيين). الدول التي امتلأت بأوهام هائلة حول تاريخها ترتكب أخطاء هائلة؛ ربما تدير ظهرها لأوروبا، قائلة أو ساعية لاستعادة العلاقات مع المستعمرات السابقة التي لا تريد هذه العلاقات، أو تبحث دون جدوى عن يوتوبيا السلطة والثورة المتخيلة في الخمسينيات.
اقرأ/ي أيضًا: هوية أفريقيا.. من المسرح المفتوح إلى وهم الاستقلال
يجدر بنا أن نتذكر أن الإمبراطورية لم تبنَ على الإيثار والنبل، وإنما بنيت واستمرت فقط من أجل الموارد والمال وخلق وظائف للبريطانيين وزيادة ثرواتهم. فالمرافق مثل السكك الحديدية التي منحت للهند دفع ثمنها أضعافًا مضاعفة عبر الضرائب الهندية، وصممت لتلبي احتياجات الحكم العسكري البريطاني وليس الشعب الهندي.
لكن هل كانت بريطانيا على الأقل أفضل من الإمبراطوريات الأخرى في زمنها، مثلما يحب أن يجادل المدافعون عن الإمبراطورية؟ قد تكون الإجابة نعم، إذا كانت مخيلة الشخص محدودة إلى درجة الحكم على جميع الإمبراطوريات الاستعمارية بمعيار واحد.
في الحقيقة، طورت كل قوة إمبريالية معاييرها الخاصة وأعلنت نفسها الأفضل؛ أخبر البرتغاليون أنفسهم لمدة طويلة بأنهم كانوا المستعمرين المثاليين "بسبب طريقتهم في الحياة بهذا العالم". لقد كان الاستعمار البرتغالي أكثر تقبلًا للتنوع والاختلاط العرقي. واعتاد الفرنسيون على القول وما زالوا بأن القيم الجمهورية في المساواة كانت تعني أن إمبراطوريتهم كانت الوحيدة التي يمكن للأفراد فيها الارتقاء ليصبحوا مواطنين (هذا بافتراض أنهم أنهوا قائمة القراءة الخاصة بهم من كتابات دنيس ديدرو وبلزاك) كان لكل واحدة من هذه الخرافات تأثيرها الخبيث في المجتمع الذي نشأت فيه.
أما بالنسبة لهراء فيرغسون وأمثاله، ليس هناك رد أبلغ من هذا الاقتباس من إمبريالي أكثر واقعية هو أليكسيس دي توكفيل الذي قال "ما لا أستطيع تقبله هو محاولات البريطانيين المتكررة لإثبات أنهم يتصرفون وفقًا للمبادئ أو لأجل صالح السكان الأصليين أو لصالح الملوك الذين يخضعونهم، وسخطهم الصريح تجاه من يقاومونهم، هذه هي الإجراءات التي يغلفون بها ممارسات العنف دائمًا".
هل كانت بريطانيا على الأقل أفضل من الإمبراطوريات الأخرى في زمنها، مثلما يحب أن يجادل المدافعون عن الإمبراطورية؟
بالطبع، على الهنود أنفسهم التصالح مع فكرة أن العديد من أسلافهم تعاونوا مع الاستعمار بإيجابية أو سلبية لأسباب بدت معقولة في حينها (هذه الحقيقة كانت أعظم ما فطن لها مهاتما غاندي وكانت مصدر قوته). في الوقت نفسه، فإن الكثير من البريطانيين، سواء المحافظون من أمثال إدموند بورك أو الليبراليون مثل تشارلز فوكس وويليام غلادستون، حاولوا معالجة الهوة الشاسعة بين القيم البريطانية المثالية وقمعها واستبدادها بالخارج. مثلما قال فوكس دفاعًا عن قانون الإصلاح الهندي الذي كان مسؤولًا عنه "بم نصف حكومة مصدر ازدهارها هو بؤس الخاضعين لها؟"
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر- فرنسا.. عواطف مفخخة
بالطبع قد يجد المرء سببًا للفخر في ردود أفعال أفضل الرجال في ذلك الوقت على أفعال وممارسات الإمبراطورية؛ في الاهتمام بالواجب والفضول المعرفي والاتساق مع الذات الذي لازم بعض المسؤولين الإمبرياليين، وفي الطريقة التي سعى بها بعض من استعمروا وقمعوا لدمج ما ورثوه مع ما شاهدوه. لم يشهد التاريخ عصرًا مظلمًا لدرجة غياب هذه الشذرات من الأمل والإنسانية.
لكن هذه الأفعال لا تبرئ فكرة الإمبراطورية، ولا تغير من فكرة أن الإمبراطورية البريطانية نفسها كانت مشروعًا بُني على العنصرية مدفوعًا بمطامعه الخاصة. هذا ما يجب أن تقوله الكتب المدرسية لأمة متنورة، بدلًا من ذلك، فإن أسوأ ممارسات الإمبراطورية قد طمست على يد الجيل الأخير من مرتكبيها، فقاموا بالفعل بتدمير العديد من السجلات والوثائق في العملية التي تعرف باسم "Operation Legacy"، وهذا ما ساهم ربما في تناسي فظائع الإمبراطورية البريطانية.
المخاطر واضحة لمثل هذه الممارسات، فالأمة التي تتجاهل حقيقة ماضيها مثلما تفعل إنجلترا الصغيرة الخاصة بفيرغسون تخاطر بتقزيم مستقبلها؛ حتى تصبح ممارسات خداع الذات الهائلة مثل البريكسيت أمرًا واقعًا. ليس هناك إشارة أوضح على أفول مجد أمة وانتهائها إلى حالة من استهلاك الذات والرثاء القومي سوى القناعة المنتشرة بأن أسوأ مخازيها كانت في الحقيقة أعظم أمجادها.
اقرأ/ي أيضًا: