اليوم تتضح الصورة، ويصبح المشهد فجًا في تاريخ الصراع السوري، الذي يستمر منذ سبع سنوات مخضبة بدماء أبناء البلد، ومن كانوا يدافعون عن أطرافه هم اليوم الغزاة، وأما طرفا الصراع، معارضة ونظامًا، فعاجزون عن الفعل وحتى رد الفعل، وأصبحا مجرد أبواق تردد ما يريده الكبار الذين يستثمرون اليوم بهزيمة حقيقية لكل المتصارعين.
اكتشف السوريون متأخرين أنهم يعيشون في دولة تضخ يومياً أكثر من ربع مليون برميل وهم اليوم يتفرجون على انتزاعه لصالح المنتصر الأكبر
ليست وحدها داعش من خسرت الحرب، وتهرب من حواري الرقة ودير الزور، وأولئك الذين يعلنون الانتصار أيضًا انهزموا فالرايات ليست وطنية البتة، وثمة رايات جديدة ترفرف في سماء الوطن مدعومة بالسلاح والمال والسياسة.
المعارضة التي حملت آمال السوريين بالتغيير ليست بخير، وتحولت اليوم إما مسجونة في أماكن ضيقة جائعة أو تابعة لتنفيذ أجندات القسمة في الشمال، وفي محيط العاصمة ثمة خاصرتان تصرخان، الغوطة الشرقية وجنوب دمشق، الذي يدخل صراعًا جديدًا قد يؤدي إلى هجرة جديدة.
النظام باحتفالاته بالنصر، ومظاهر السيطرة التلفزيونية على الأرض، ومحاولات استحضار صورة قديمة لاقتصاد غير قادر على توفير أدنى مستويات الحياة، والخطابات التي لا يصدقها مؤيدوه.. هو أيضًا صريع السنوات الدامية، ومرتهن لمن دعموه سواء الإيرانيين أم الروس وحتى حثالة المرتزقة.
اقرأ/ي أيضًا: الاحتيال السعودي والأسد الذي لم ينتصر
في ظل هذا الواقع المأساوي لأطراف الصراع، بدأت القوى الكبرى في إعلان أهدافها ومناطق نفوذها في كل الجهات السورية، فالقسمة ليست على أربع بالضبط، فلا بد من ترك بعض الفتات لمن ساهموا بالوصول إلى هذه النهاية، فإيران ومرتزقتها سيحكمون مزاراتهم وتخوم مقامات المظلومية التاريخية وبعض النصر السياسي والإعلامي، وللأردن مكافأة الصبر والحماية في الجنوب.
في ظل الواقع المأساوي لأطراف الصراع في سوريا، بدأت القوى الكبرى في إعلان أهدافها ومناطق نفوذها في كل الجهات السورية
أما القوتان الكبيرتان اللتان لم تنهيا صراعهما فهما الولايات المتحدة وروسيا، وهذه الأخيرة حصلت على مكافأتها من زيارة العاهل السعودي، ولكنها تطمع بأهم من سوق لبيع السلاح المكدس في مستودعات الماموث السوفياتي، فهي تمرر سياسة جديدة في إدارة الصراعات، ولا بأس ببعض النفط في شرق سوريا.
لكن القوة الأعظم التي أدارت الصراع عن بعد.. فلها حصة الأسد التي فرضتها بعصا السوريين الجدد، ودفعت مقابل ذلك أن تحمل إثم كل من وعدتهم بالدعم العسكري، ومن ماتوا من الإهمال والحصار والتهجير من خلال الصمت على كل الموبقات الإنسانية التي ارتكبت بحقهم، وهي اليوم تستثمر في دعم قوات سوريا الديمقراطية أولئك الحالمون بدولتهم المجهولة.
اقرأ/ي أيضًا: سوريا واستنساخ سيناريو تبعية العراق
اليوم تبدو الصورة أوضح، والصراع الذي يدور للسيطرة على أكبر حقول النفط في دير الزور يجعل المشهد جليًا، وحقل "العمر"، الذي يسعى الطرفان باتجاهه هو أعظم أهداف الصراع الكبير، فالنظام مدعوماً بالروس يرى أن سوريا ستعلن نصرها النهائي إن أعادت هذا الحقل، والأكراد سبقوهم إليه بدعم أمريكي مشفوعًا بتحذيرات شديدة.
السوريون وحدهم خسروا كل شيء.. النفط الذي كان يصب في خانة وزارة الدفاع بحجة تحقيق التوازن العسكري مع إسرائيل، واكتشفوا متأخرين أنهم يعيشون في دولة نفطية تضخ يوميًا أكثر من ربع مليون برميل، وهم اليوم يتفرجون على انتزاعه من وطنهم لصالح المنتصر الأكبر في المعركة الآثمة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل يؤسس سقوط "عاصمة الخلافة" لمرحلة جديدة أكثر تطرفًا في فكر داعش؟
خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد