16-مايو-2024
انفجر الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية، بعد تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، عن ضرورة وجود خطط لـ"اليوم التالي" للعدوان على غزة، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريحات وصفت بأنها "المواجهة الأكبر لنتنياهو خلال الحرب".

(Getty) يتهرب نتنياهو من نقاش "اليوم التالي"، بينما تتحول المواجهة بينه وبين الجيش وغالانت إلى العلن

انفجر الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية، بعد تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، عن ضرورة وجود خطط لـ"اليوم التالي" للعدوان على غزة، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريحات وصفت بأنها "المواجهة الأكبر لنتنياهو خلال الحرب".

وقال غالانت إنه لن يسمح بأي حل في ظل وجود حكم عسكري أو مدني إسرائيلي في في غزة. وأدت تصريحات غالانت، التي أيدها الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس، إلى موجة من التصريحات المتبادلة.

وطالب غالانت علنًا من نتنياهو وضع خطط لـ"اليوم التالي" في حرب غزة، وأثارت تصريحات غالانت خلافًا سياسيًا فوريًا، حيث رد نتنياهو بسرعة ببيان مسجل بالفيديو ودعوة من وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، لاستبدال غالانت.

الانقسامات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلي، في ظل عدم التوافق على تصورات "اليوم التالي" للعدوان على غزة

وفي مؤتمر صحفي مساء الأربعاء في تل أبيب، قال غالانت إنه طلب تشكيل هيئة حكم بديلة لحماس، ولم يتلق ردًا. وانتقد جالانت في تصريحاته عدم وجود أي تخطيط سياسي "لليوم التالي".

وتأتي تعليقات غالانت بعد أشهر من التوتر بين الرجلين والتقارير الأخيرة في وسائل الإعلام العبرية التي تفيد بأن كبار ضباط الجيش الإسرائيلي أصبحوا يشعرون بالقلق من أن عدم وجود بديل لحماس يجبر الجيش الإسرائيلي على العودة والقتال في المناطق التي اقتحمت في بداية الحرب، مثلما يحصل الآن في شمال القطاع.

وقال غالانت: "في وقت مبكر من تشرين الأول/أكتوبر، قالت المؤسسة العسكرية إنه من الضروري العمل على إيجاد بديل لحماس"، مضيفًا أن "إنهاء الحملة العسكرية هو قرار سياسي. واليوم التالي لحماس لن يتحقق إلا على يد جهات تحل محل حماس. هذه أولًا وقبل كل شيء مصلحة إسرائيلية".

وأضاف غالانت أن التخطيط العسكري "لم يُطرح للنقاش، والأسوأ من ذلك أنه لم يتم طرح أي بديل مكانه. إن النظام العسكري المدني في غزة هو بديل سيئ وخطير لدولة إسرائيل".

وقال: "لن أوافق على تشكيل حكومة عسكرية في غزة"، مضيفًا أن "النظام المدني العسكري في غزة سيكون الجهد الرئيسي هناك ويأتي على حساب الساحات الأخرى. وسوف ندفع ثمن ذلك من الدماء والضحايا، وسوف يأتي ذلك بتكلفة اقتصادية باهظة".

وردًا على غالانت، استبعد نتنياهو مرة أخرى وجود إدارة فلسطينية في غزة بينما لا تزال حماس موجودة، مضيفًا أن تدمير حماس يجب أن يستمر "بدون أعذار".

وقال نتنياهو: بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر "أمرت بتدمير حماس. ويقاتل من أجل ذلك مقاتلو الجيش الإسرائيلي. وطالما بقيت حماس، فلن يتمكن أي طرف آخر من إدارة غزة، وبالتأكيد ليس السلطة الفلسطينية".

ودعا بن غفير ووزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارعي إلى إقالة غالانت من منصبه. وقال بن غفير: "يجب استبدال وزير الأمن هذا من أجل تحقيق أهداف الحرب"، مضيفًا: "من وجهة نظر [غالانت]، لا يوجد فرق بين ما إذا كانت غزة سيسيطر عليها من الجنود الإسرائيليين أو ما إذا كانت حماس ستسيطر عليها. هذا هو جوهر تصور وزير الدفاع الذي فشل في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما زال يفشل حتى الآن".

وطالب وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريش نتنياهو بالإعلان بشكل لا لبس فيه أن السلطة الفلسطينية لن تدخل أبدًا إلى قطاع غزة كهيئة حكم مدنية، وهاجم ستة وزراء آخرين على الأقل، بما في ذلك من حزب الليكود، غالانت على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي تصريح هو الأوضح من الإدارة الأميركية، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يوم الأربعاء، إن إسرائيل بحاجة إلى خطة واضحة وملموسة لمستقبل غزة حيث "تواجه احتمال حدوث فراغ في السلطة يمكن أن تملأه الفوضى"، وفق قوله.

وأثارت هذه التصريحات ردًا من نتنياهو، قبل رده على غالانت، إذ قال إن "التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب مستحيل دون استكمال تدمير حماس أولًا".

وأوضح وزير الخارجية الأميركي: "نحن لا نؤيد ولن ندعم الاحتلال الإسرائيلي. كما أننا بالطبع لا ندعم حكم حماس في غزة... لقد رأينا ما أدى إليه ذلك في كثير من الأحيان بالنسبة لشعب غزة ولإسرائيل. ولا يمكن أن تكون هناك فوضى وفراغ من المرجح أن تملأه الفوضى". وقال بلينكن: "من الضروري أن تقوم إسرائيل أيضًا بهذا العمل وتركز على ما يمكن ويجب أن يكون عليه المستقبل. يجب أن تكون هناك خطة واضحة وملموسة، ونحن نتطلع إلى أن تتقدم إسرائيل بأفكارها".

بدوره، قال نتنياهو إن إسرائيل سعت إلى الاستعانة بفلسطينيين غير متحالفين مع حماس لتولي مسؤولية الإدارة المدنية المحلية في غزة، لكن تهديدات حماس ردعتهم. وقال نتنياهو: "كل الحديث عن اليوم التالي، مع بقاء حماس على حالها، سيبقى مجرد كلام خالي من المضمون". وأضاف "خلافًا لما يزعم، انخرطنا منذ أشهر في جهود مختلفة لحل هذه المشكلة المعقدة. بعض الجهود سرية ومن الجيد أن يكون الأمر كذلك".

وفي مقطع فيديو نشره باللغة العبرية، اعترض نتنياهو بشكل خاص على السلطة الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه لا يريد "استبدال حماستان بفتحستان". وفي وقت سابق من اليوم، أصدر تعليماته لوزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين لجمع اقتراحات من الوزراء حول سبل إضعاف السلطة الفلسطينية.

وفي جزئية هامة، كشف مصدر أميركي كبير لـ"القناة 13 الإسرائيلية"، عن أن إدارة بايدن تشارك وزير الأمن الإسرائيلي "قلقه" من انعدام "خطة إسرائيلية لليوم التالي في غزة".

من جانبه، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، مساء الأربعاء، إن الحركة "وُجدت لتبقى"، وذلك في معرض حديثه عما يروج بشأن ما يسمى "اليوم التالي للحرب" على غزة. مشددًا على أن "إدارة القطاع بعد الحرب سوف تقرر فيه الحركة مع الكل الوطني، مستندة في ذلك إلى المصالح العليا لأهلنا في غزة، والتسهيل عليهم في كل ما يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب، وإلى الرؤية الوطنية الناظمة لوحدة الضفة والقطاع".

انشقاق متصاعد

بدوره، قال المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل: "لأول مرة، تحدث وزير الأمن يوآف غالانت، علنًا ضد السياسة التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وحذر من أن رفض نتنياهو مناقشة إنشاء بديل لحكم حماس في غزة يمكن أن يؤدي إلى عكس الإنجازات العسكرية للجيش الإسرائيلي في الحرب ويؤدي إلى جر إسرائيل إلى إقامة طويلة ومطولة في القطاع. ورسم وزير الأمن سيناريو يمكن من خلاله إجبار إسرائيل على الحكم العسكري في غزة وحرب طويلة وخطيرة ومكلفة. وتوضح تصريحات غالانت الصدع المتزايد بين القيادة السياسية والدفاعية خلال الأشهر القليلة الماضية".

وأضاف هارئيل: "مع ذلك، فإن هذا إلى حد ما جدل حول جلد الدب الذي لم يُقتل بعد. ومن الصعب أن تجلس السلطة الفلسطينية منتظرة الطلب الإسرائيلي بأن تتولى دورًا قياديًا في إدارة غزة. وفي أية حال، يمكن للمرء أن يفترض أيضاً أن حماس لا تزال قوية بما يكفي لوضع العقبات الكافية لمنع حدوث مثل هذا السيناريو. ومع ذلك، فإن الإشارة التحذيرية التي أطلقها غالانت لها أهمية كبيرة".

وأشار إلى أن "بيان غالانت يتناقض مع التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي في رسالة مسجلة قبل ساعات فقط. ووعد نتنياهو بأن إسرائيل ستقاتل حماس حتى النهاية، وقال إنه لا جدوى من مناقشة ’اليوم التالي’ إلا بعد هزيمة حماس وإزاحتها من السلطة في غزة. مباشرة بعد أن أدلى غالانت بتصريحه، أصدر نتنياهو رسالة فيديو جديدة قال فيها إنه لن يوافق على استبدال "حماستان بفتحستان". وانضم نواب من حزب الليكود وكتلة اليمين المتطرف في الائتلاف إلى الهجمات. يمكن الافتراض أن حماس تراقب الانقسام المفتوح بين القيادة الإسرائيلية بشيء من الاهتمام، وقدر من الارتياح. وسوف يخلق الوضع الحالي المزيد من الصعوبات في التحرك نحو صفقة التبادل، حيث من المرجح أن تكون حماس مقتنعة بأن وضعها الاستراتيجي آخذ في التحسن"، وفق تعبيره.

وتابع هارئيل: "آخر مرة انقلب فيها غالانت علنًا ​​ضد نتنياهو كانت في آذار/مارس من العام الماضي. والسبب في ذلك الوقت هو قلق وزير الأمن من أن الإصلاح القضائي سيكون له تأثير سلبي على الجيش الإسرائيلي وأمن إسرائيل. ورد نتنياهو بإقالة غالانت، لكن القرار لم ينفذ قط، حيث خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع للاحتجاج. هذه المرة نحن في خضم حرب، ومن المشكوك فيه أن يكون تصريح غالانت بمثابة شرارة لإعادة إشعال الاحتجاجات ضد نتنياهو ونقلها إلى مستوى جديد. وحتى الآن، وعلى الرغم من العديد من التوقعات التي تشير إلى عكس ذلك، فإن هذا السيناريو لم يحدث. تصريح غالانت يوم الأربعاء كان واضحًا وصريحًا، وسلط الضوء على صمت بيني غانتس وغادي آيزنكوت. كان ينبغي عليهم أن يخرجوا منذ وقت طويل ليقولوا علنًا ما قاله غالانت".

وأوضح هارئيل: "أصدر مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) مؤخرًا تحذيرات مماثلة لنتنياهو. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري، أثناء حديثه لوسائل الإعلام عند معبر كرم أبو سالم في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن: وجود بديل لحماس سيخلق ضغطًا عليها. وسارع إلى القول إن ’هذا سؤال للمستوى السياسي’، لكن رسالته كان لها صدى عال وواضح".

ولفت هارئيل النظر إلى أن هذه التصريحات "تعبر عن قلق متزايد بين الوزراء الثلاثة (غالانت، غانتس، آيزنكوت) ورؤساء الأجهزة الأمنية بشأن الاتجاه الذي تسلكه الحرب مع حماس. والمسألة ليست فقط ’اليوم التالي’ والتوصية بأن تحدد الحكومة هدفًا سياسيًا إضافة إلى أهدافها العسكرية. وهناك أيضًا تساؤلات حول تعثر مفاوضات التبادل، واستمرار القتال في رفح، وتزايد الخلافات مع مصر والولايات المتحدة".

وانتقد هارئيل نتنياهو، قائلًا: "يبدو في ظل هذه الظروف الصعبة أصيب نتنياهو بالشلل. ويستثمر معظم جهوده في بقائه الشخصي، وفي الحفاظ على قبضته على السلطة والحفاظ على تحالفه مع اليمين المتطرف والحريديم. والنتيجة هي سياسة سلبية إلى حد صادم. عقيدة نتنياهو الحالية هي إدارة دولة في حالة حرب دون اتخاذ أي قرارات مهمة. يواصل نتنياهو تسويق الهراء والافتراءات للجمهور. وعوده بالنصر الكامل وادعاءاته بأننا على بعد خطوة واحدة منه انضمت الآن إلى الأهمية المتضخمة لدخول رفح".

واعتبر هارئيل أن نتنياهو "يعتزم التمسك بالسلطة بكل الوسائل اللازمة. وهذا واضح من تصريحاته، ومن ردود أفعال مؤيديه، الذين يلتفون حوله تدريجيًا مرة أخرى، والحملة التي تشن من أجله على مدار 24 ساعة تقريبًا في اليوم من قبل القناة 14 والعديد من أبواقه الأخرى. وبينما يلتزم نتنياهو بسياسة عدم اتخاذ أي إجراء سياسي، فإنه أكثر استباقية عندما يتعلق الأمر ببقائه السياسي".

وفي هذا السياق، أشار هارئيل إلى أن نتنياهو طرح مشروع قانون تجنيد الحريدم، الذي يُعدّ من القضايا المتفجرة في إسرائيل، وهو طريقة على محاولة نتنياهو التهرب من قانون جدي، في قضية تحدث الانقسامات.

بدوره، قال المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي: "الجدل بين وزير الأمن يوآف غالانت والمؤسسة الأمنية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي برز إلى السطح أمس الأربعاء، ينبع من اختلافات في وجهات النظر الأيديولوجية والعسكرية".

وأضاف بن يشاي: "نتنياهو لا يريد، لأسباب أيديولوجية وأيضًا وفقًا لسياساته الاستراتيجية إشراك السلطة الفلسطينية في السيطرة على غزة كبديل لحكم حماس. ويزعم نتنياهو أن السلطة الفلسطينية تشكل تهديدًا لإسرائيل بقدر تهديد حماس تقريباً لأنها تتخذ مواقف مناهضة لإسرائيل، وبالتالي، كما يقول نتنياهو: ’لست مستعداً لاستبدال حماس بفتحستان’. ومن ناحية أخرى، تدعي المؤسسة الأمنية أن تورط السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن وحركة فتح التي يرأسها هو في الواقع الخيار الوحيد المعقول، وأن البديل الوحيد هو حكم حماس".

وأشار بن يشاي، إلى أن "نتنياهو، على عكس غالانت والمؤسسة الأمنية، لا يستبعد احتمال أن تكون هناك حكومة عسكرية إسرائيلية في القطاع لفترة قصيرة، تتولى أيضًا إدارة الحياة المدنية، حتى انهيار حماس".

وتابع بن يشاي: "ما لا يقوله نتنياهو، بل يقوله وزير المالية بتسلئيل سموتريتش صراحة، هو أن وجود حكومة عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، حتى لو كان لفترة قصيرة، يفتح الطريق أمام تجديد الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة. وقال نتنياهو ذات مرة في مقابلة مع شبكة تلفزيون أجنبية إن إسرائيل لا تريد السيطرة على القطاع، لكنه لم يكرر ذلك كثيرًا. وقد فعل ذلك بالأمس بطريقة متحفظة على قناة سي إن بي سي، عندما قال: ’بعد انتهاء الجزء المكثف من الحرب، نحتاج إلى إعادة الإعمار. ويمكن القيام بذلك بمساعدة لاعبين مهمين في المجتمع الدولي’. وأضاف أن ’الإدارة المدنية في غزة تتحمل مسؤولية عسكرية إسرائيلية، وهذا يعني أن المسؤولية العسكرية الشاملة ستبقى على عاتق إسرائيل لضمان الأمن ومنع الجماعات الإرهابية مثل حماس من إعادة تنظيم نفسها’. والسبب الذي يجعل نتنياهو لا يقول ذلك بوضوح ومرات عديدة، هو الضغوط التي يمارسها عليه وزراء عوتسما يهوديت والصهيونية الدينية الذين يطالبون بالعودة والاستيطان في قطاع غزة. إنهم يريدون أن يفعلوا ذلك على حراب الحكومة العسكرية للجيش الإسرائيلي".

وأوضح المعلق العسكري: "نتنياهو لا يؤيدهم، لا علنًا ولا خلف الكواليس، لكنه لا يريد مواجهة الكتلة الدينية القومية في الحكومة والمجلس الوزاري التي تطالب بحكومة عسكرية إسرائيلية ليس لأسباب عسكرية، بل لتمهيد الطريق أمام استيطان متجدد في قطاع غزة".