استحدث المغرب مؤخرًا وزارة جديدة معنية بالشؤون الأفريقية، بموجب قرار ملكي، مهمتها تتبع الشراكات التي أبرمتها المملكة مع عدد من البلدان الإفريقية، علاوة على تنسيق الجهود والمعلومات، وتعزيز التواصل مع دول القارة. وجاءت هذه الخطوة تتويجًا لمسلسل طويل من الاهتمام المغربي بالقارة السمراء، برز واضحًا في السنوات الأخيرة، مما يؤكد المكانة الاستراتيجية التي بدأ يوليها المغرب لأفريقيا.
أنشأ المغرب مؤخرًا وزارة مخصصة للشؤون الأفريقية، تتويجًا للجهود المغربية خلال السنوات الأخيرة للتقرب من القارة السمراء
أفريقيا مفتاح حل مشكلة الصحراء
في عام 1984 تخلى المغرب عن كرسيه داخل الاتحاد، مباشرة بعد اعتراف المنظمة الأفريقية بـ"الصحراء كدولة مستقلة"، الأمر الذي وجده المغرب انتهاكًا لسيادته الوطنية، وخروجًا عن الدور المرسوم للاتحاد الإفريقي. ومنذ ذلك الحين لم تحظ دول جنوب الصحراء سوى بقليل من الاهتمام في الرؤية السياسية للمغرب، على الأقل قبل الخمس سنوات الأخيرة.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا وراء زيارة ملك المغرب لدول شرق أفريقيا؟
لكن بعد قرابة 33 عامًا من الغياب، أعلن المغرب على نحو مفاجئ عودته إلى مظلة الاتحاد الإفريقي في بداية العام الوشيك على الانقضاء، وذلك بعد أن أدرك أن سياسة الكرسي الشاغر لم تعد تجدي نفعًا داخل البيت الإفريقي، إن لم تكن قد ساهمت في إفساح المجال أمام جبهة البوليساريو لتعزيز طرحها الانفصالي داخل المنظمة الأفريقية، خاصة وأن الأخيرة باتت كلمتها مسموعة في أروقة مجلس الأمن حول النزاعات المرتبطة بالقارة السمراء.
فضّل المغرب إذن الانخراض في العمل الدبلوماسي من داخل الملعب الإفريقي لسحب البساط من تحت جبهة البوليساريو، بدل أن ينزوي عن قارته، انزواءً بدا بعشرات السنين أنه غير مجدٍ.
وعلى ما يبدو كان للتوجه المغربي القوي نحو أفريقيا منافعه خصوصًا في القضية المحورية بالنسبة للمغرب، قضية الصحراء، إذ أقدمت مجموعة من الدول الأفريقية على سحب موقفها السابق من الصحراء، ودعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلًا للمشكلة، آخر هذه البلاد على سبيل المثال: رواندا وتنزانيا وإثيوبيا وجنوب السودان.
قارة الثروات الطبيعية والسوق الاستهلاكية
تمثل أفريقيا الخصبة بالثروات الطبيعية والمعادن النفيسة سوقًا واعدة للربح، تجعل مختلف البلدان خارج القارة وداخلها تتسابق في الاستثمار بها، من أجل ضمان حصتها من الأسواق الاستهلاكية الأفريقية، التي تزداد تمددًا يومًا بعد يوم.
والمغرب هو الآخر يريد ضمان موطئ قدم له داخل هذا السوق الخصب، ولذلك يسعى إلى توسيع اسثتماراته وشراكاته التجارية مع دول جنوب الصحراء، حيث انخرط المغرب خلال السنوات الأخيرة فقط، كما يوضح تقرير المجلة المالية الرسمية، في أكثر من 30 اتفاقية، منها ست اتفاقيات تجارية وجمركية، و18 اتفاقية لتشجيع الاستثمار، وتسع اتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي، فضلًا عن ارتفاع المبادلات التجارية بين الطرفين من عشرة مليارات درهم إلى 37 مليار درهم، أي أكثر من ثلاثة أضعاف.
وقد انضم المغرب حديثًا، خلال العام الجاري، إلى منظمة الاتحاد الاقتصادي لغرب أفريقيا (إيكواس)، التي تأسست عام 1975. ويتيح هذا التجمع الاقتصادي للمغرب بعد أن أصبح عضوًا فيه، الاندماج في تكتل اقتصادي تنتقل فيه رؤوس الأموال والأشخاص بحرية، ويعرف تجارة بينية نشطة، في سوق يصل عدد سكانها إلى 400 مليون إلى نسمة، أي ما يقارب تعداد سوق الاتحاد الأوروبي.
المغرب هو أكبر المستثمرين الأفارقة في القارة السمراء، بمليارات الدولارات التي تدير عشرات المشروعات الكبرى في مختلف المجالات
ويعتبر المغرب أول مستثمر أفريقي في القارة السمراء، حيث تصل استثمارات المملكة إلى خمسة مليارات دولار ضخّت في 22 مشروعًا، بحسب تقريرٍ لمجموعة الأسواق الاستثمارية الأجنبية (FDI) لعام 2017.
اقرأ/ي أيضًا: الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي
هذا وتستثمر مجموعة من الشركات المغربية، على رأسها شركة "اتصالات المغرب" و"أونا" و"تجاري وفا بنك" و"المكتب الشريف للفوسفاط"، في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات المصرفية وقطاع البناء والمناجم بأفريقيا. وتمثل الاستثمارات المغربية في غرب أفريقيا وحدها ما يناهز 51% من إجمالي الاستثمارات الخارجية للمغرب.
فرصة لتعزيز المكانة الدولية
تموقع المغرب في أقصى شمال القارة السمراء يجعله بوابة رئيسية تربط بين قارتي أفريقيا وأوروبا، وقد بدأ أخيرًا يعي أهمية استثمار موقعه الجغرافي من أجل تعزيز مكانته الجيوسياسية داخل المجتمع الدولي.
لكن هذا الطموح لن يتأتى للرباط إلا بامتلاكها نفوذًا في القارة الأفريقية، وهو ما بدأت تسعى إليه أخيرًا من خلال الاقتصاد والسياسة والدين كذلك، إذ من شأن استحواذ المغرب على الملعب الأفريقي أن يجعله عنصرًا ضروريًا لاستقرار أفريقيا وأوروبا، خاصة فيما يتعلق بمسألة الهجرة والإرهاب التي تؤرق الغرب.
كما أن نجاح المغرب في ربط صلته بدول جنوب الصحراء، يمكن أن يعزز دوره كوسيط اقتصادي مهم بين أوروبا وجنوب القارة الأفريقية. ويحضر في هذا الصدد الاتفاق المغربي النيجيري حول تمديد أنبوب لنقل الغاز من نيجيريا عابرًا في تراب المغرب نحو أوروبا، عبر حوالي أربعة آلاف كيلومتر قبل أن يصل المستهلكين الأوروبيين. ومن جهة أخرى، يمكن أن يكون المغرب بوابة لدول الخليج، التي باتت مهتمة بتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي والديني في أرجاء القارة الأفريقية كذلك.
نجاح المغرب في ربط صلته بدول جنوب الصحراء، يمكن أن يعزز دوره كوسيط اقتصادي مهم بين أوروبا وجنوب القارة الأفريقية
كل ذلك وأكثر، يفسر سر اندفاع الرباط نحو تقوية حضورها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا في جنوب القارة السمراء خلال الآونة الأخيرة، لدرجة إنشاء وزارة خاصة بالشؤون الأفريقية، أملًا في تعزيز مكانتها الجيوسياسية، كصمام أمان لاستقرار أوروبا وأفريقيا ومعبرًا اقتصاديا يربط القارتين، وهو ما قد يكسب المغرب أوراقًا ثمينة يلعب بها لصالح مصالحه السياسية والاقتصادية الحيوية.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف أشعلت البوليساريو أزمة جديدة بين المغرب وجنوب إفريقيا؟
بعد الاتحاد الإفريقي.. توجّه مغربي حذِر نحو أمريكا اللاتينية