كان ما جرى متوقعًا، لكن ليس بهذه السرعة. فوجئ أهالي الإسكندرية، العاصمة الساحلية لمصر، بهدم كبائن شاطئ ستانلي، التي تعتبر جزءًا من تراث المدينة التاريخية. والكبائن هي غرف تطلّ على البحر، كان ينزل بها المصيفون في منطقة ستانلي الشهيرة، عُرِفت قديمًا بأنها مخصصة للوزراء والمشاهير.
فوجئ أهالي الإسكندرية، العاصمة الساحلية لمصر، بهدم كبائن شاطئ ستانلي، التي تعتبر جزءًا من تراث المدينة التاريخية
ويقول الدكتور محمد عوض، رئيس اللجنة الفنية للحفاظ على تراث مدينة الإسكندرية، عن القيمة التاريخية لـ"كبائن ستانلي" إنها "جزء من ذاكرة الإسكندرية، ومن المهم معرفة ما هو السبب للهدم أو الإخلال الذي حدث.. خاصة إن الكبائن أصبحت جزءًا رئيسيًا من معالم الإسكندرية، فلا يوجد مصري عندما تسأله عن كوبري ستانلي، لا يتذكر تلك الكبائن، فهي أصبحت جزءًا من التراث العالق بذاكرة المصريين والهوية المصرية".
اقرأ/ي أيضًا: كارثة.. مخطط جهنمي لاغتيال "كورنيش الإسكندرية"
قوانين حماية التراث في الثلاجة
حين دخل هتلر باريس بقوات جيشه، كان همه الأول أن يمحو الهوية الثقافية والتاريخية لفرنسا، فهدم الطراز المعماري، ولم يبقِ منه شيئًا. ما يجري الآن، وفق عوض، غزو آخر غرضه محو الهوية الثقافية والتاريخية للإسكندرية لتحقيق أرباح طائلة من البحر، الذي يعدّ ملكًا للعامة، وليس ملكًا لأحد، وهتلر العصر الحديث هو المقاولون والتجار ورجال الأعمال، الذين يخططون لتجريف الإسكندرية وإعادة بنائها على شكل أبراج و"بلوكات" خانقة تمنع رؤية البحر.
هل يتدخَّل القانون لحماية هوية الإسكندرية؟
يقول عوض: "القوانين الملزمة بحماية التراث والأماكن التاريخية موجودة، ولا تقل شدّة وقسوة وحسمًا عن قوانين اليونسكو، المتبعة عالميًا، لكن الأزمة أن القوانين توضع في الثلاجة.. ولا تنفيذ لها".
أما بالنسبة إلى وزارات الإسكان والآثار والسياحة فيقول عوض إنها "تشجب وتدين وتستنكر، لكن سطوة رجال الأعمال، الذين يريدون تشويه الإسكندرية لأجل حساباتهم في البنوك، تطغى عليهم، وتقضي على التراث وتمحو الهُوية، بالإضافة إلى أنهم لا يملكون أي رؤية أو خطة لحماية التراث أو استثماره".
اقرأ/ي أيضًا: الإسكندرية "مدينة الرب".. في سوق نخاسة رأس المال
شواطئ "الفقراء" في خدمة البزنس
يتخوف المصريون آن يكون هدم كبائن سيدي جابر امتداد لسلسلة المشروعات المشبوهة، التي تجري لحساب جهات غامضة وتدمّر بحر الإسكندرية
هناك رأي يقول إن الشواطئ والكبائن تابعة للدولة، وجزء من المنفعة العامة، التي تقدَّم خدمات للمواطنين دون أجر.
وهدم كبائن الإسكندرية وسدّ الطريق إلى البحر، ومنع الهواء من المرور إلى الفقراء، غير القادرين على دفع تذكرة دخول الأندية الشاطئية وخلافه، يبدو خطة ممنهجة لسحق الناس لحساب طبقة عليا في المجتمع، خاصة أن الشواطئ والكبائن ستخصَّص فيما بعد لمن يمتلكون رؤوس الأموال، والإسكندرية تعاني من التعدي على شواطئها، وتخصيصها لفئة معيّنة منذ فترة، كما يجري في منطقة سيدي جابر الشهيرة.
حالة من التعتيم تفرضها الحكومة المصرية على المشروع المنتظر بمنطقة ستانلي، لا أحد يعرف الغرض من المشروعات المريبة التي تضرب المدينة الساحلية، خاصة أن السياحة في تراجع.
قلق من مصير مشروع سيدي جابر الغامض
يواجه هدم كبائن الإسكندرية، رغم محاولات حكومية لتطمين وتهدئة المواطنين، حالة من القلق، من أن يتحوَّل إلى مشروع ضخم مثل الذي يتم الانتهاء منه في سيدي جابر الآن، فبدايات المشروعين متشابهة.
في سيدي جابر، تم غلق الكافيهات التراثية والتاريخية، وهدم مسرح السلام، وتحويل مسار السيارات إلى طرق جانبية ضيقة ما أدّى إلى شلل في حالة المرور بطريق الكورنيش، المُطلّ على البحر، وسدّ الطريق بالكامل، دون إبداء أسباب، وبدأت الحقيقة تنكشف مع الوقت، وكان تجهيز مشروع ضخم يشمل إنشاء مرسى يخوت، وكوبري مشاة "خاص" ومرأب للسيارات مكوّن من ثلاثة طوابق لحساب جهات غامضة، تبيّن فيما بعد أنها القوات المسلحة، التي تعمل على توسعة فندق ونادي "توليب" التابع لاقتصاد الجيش في الحياة المدنية.
المخاوف الآن تتمحور حول أن يكون "اغتصاب" كبائن سيدي جابر امتدادًا لسلسلة المشروعات المشبوهة، التي تجري لحساب جهات غامضة، وتدمّر بحر الإسكندرية.. ولا تزال التطمينات الحكومية مستمرة.. لكن الثقة منعدمة.. والاحتجاجات على انتهاك منشآت "المنفعة العامة" قادمة.
اقرأ/ي أيضًا: