تم الإفراج عن حوالي 1500 معتقل من سجن صيدنايا بموجب أوّل مراسيم العفو الرئاسيّة بتاريخ 31/ 5/ 2011، بعد اندلاع الثورة السوريّة بحوالي شهرين، أغلبهم كانوا من توجهات إسلامية متشددة. من بين المفرج عنهم كان ثلاثة سجناء عرفوا باسم رفاق سجن صيدنايا، وهم حسان عبود، الملقّب بأبي عبد الله الحموي، الذي شكل لاحقًا "حركة أحرار الشام الإسلامية" ونُصب عليها أميرًا، وزهران علوش قائد "لواء الإسلام" الذي بويع فيما بعد كقائد لـ"جيش الإسلام"، أما الثالث فهو أحمد الشيخ المكنى بأبي عيسى، الذي شكل بعد خروجه "لواء صقور الإسلام" ونصب قائدًا عليه.
القادة الذين أفرج عنهم من سجن صيدنايا، شاركوا من حيث يدرون أو لا يدرون، بتشكيل نواة أسلمة الثورة السورية
أبو محمد الفاتح الجولاني، أمير جبهة النصرة، أيضًا كان معتقلًا مع كثيرين على شاكلتهم، ومصطفى الست مريم، الشهير بأبي مصعب السوري، أحد منظري الحركة الجهادية السلفية وصاحب كتاب "الجهاد العالمي"، الذي يعد من أهم مراجع تاريخ التطرف الإسلامي.
أغلب الجهاديين السابقين رفعوا لواء الجهاد في سوريا، وأغلبهم انخرط في البداية في أول جيش شكله الضباط المنشقون عن الجيش السوري، الذي عرف باسم "الجيش الحر"، ثم ابتلعوه ليؤسس كل منهم فصيله المقاتل، الذي تحول بطريقة مريبة إلى مغناطيس لجذب آلاف الجهاديين من دول العالم، وكما ابتلعت تلك الفصائل "الجيش الحر"، أتت جبهة النصرة لتبتعلهم، وهذه الأخيرة ابتلعتها داعش، سلسلة من التطورات الدراماتيكية عاشتها سوريا على مدى السنوات الخمس تحولت برعاية الولايات المتحدة من دولة ثار شعبها على طاغية ناشدًا الحرية والكرامة، إلى دولة منتجة ومصدرة للإرهاب العالمي بقيادة تنظيم داعش.
هؤلاء القادة خرجوا في أيار/مايو 2011 من سجن صيدنايا ليشاركوا من حيث يدرون، أو لا يدرون، بتشكيل نواة أسلمة الثورة واستقطاب متطرفين ما أنزل الله بهم من سلطان، وهم بدورهم كانوا أدوات تشكيل جبهة النصرة التي احتضنت داعش، ثم انحرفت ثورة الحرية والكرامة إلى مآلات أرادها نظام الدكتاتور ليغطي على كل الجرائم المرتكبة، مع التأكيد على أن ذلك كله لم يكن ليحدث لولا التراخي الدولي المريب وتلكؤه المقصود عن إيجاد حل حقيقي لما يجري في سوريا.
في السنة الرابعة من عمر الثورة السورية الموؤودة، تحديدًا يوم الثلاثاء التاسع من أيلول/سبتمر 2014، اغتيل حسان عبود أبو عبد الله الحموي أمير "حركة أحرار الشام الإسلامية"، ومعه عدد من قيادات الصف الأول، خلال اجتماع لهم في بلدة حارم في إدلب داخل مكان مؤمن قيل إنه كان كهفًا في أحد جبال المنطقة، قيل إن العملية كانت بتدبير النظام السوري عبر عملائه في التنظيم، وقبله بأشهر تبنت داعش اغتيال أبي خالد السوري القيادي في حركة حسان عبود، لتنهي حياة رجل كان صديقًا لكبار السلفيين الجهاديين من عبد الله العزام إلى بن لادن إلى الزرقاوي وغيرهم، وأمضى أكثر من أربعين عامًا في ساحات العمل الجهادي.
لم يتبق اليوم سوى أبو عيسى الشيخ، فهل سينجو من مصيره القادم، أم أنه سيلاقي مصير رفاقه؟
بعد عام تقريبًا، تحديدًا يوم الجمعة الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، اغتيل قائد "جيش الإسلام" زهران علوش مع عدد من قادة هذا الجيش بعملية نفذها الطيران الروسي الذي استهدف اجتماعًا لهم في غوطة دمشق. لم يبق اليوم من رفاق "سجن صيدنايا" الذين تجمعهم الصورة المرافقة للمقال، والتي قيل إنها التقطت عقب خروجهم من السجن 2011، سوى أحمد الشيخ أبو عيسى قائد "لواء صقور الإسلام".
هؤلاء الأصدقاء الذين يبدو أن أدوارهم قد انتهت، وللأسف كما رسمها النظام الداهية منذ لحظة إصداره العفو عنهم وعن غيرهم، مدبرًا بكل خبث ومكر، كما تشي تطورات الأحداث في سوريا، حربه التي أطلق عليها "الأسد أو نحرق البلد"، ربما لم يكن هؤلاء القادة يعلمون بما يخطط لهم النظام من وراء إطلاق سراحهم إما عن غباء أو قصر نظر أو طيبة مفرطة أو أعماهم طلب الثأر عن قراءة المستقبل، ولكن الأكيد أن النظام بدأ منذ حوالي العام بتصفيتهم في عمليات اغتيال نوعية واضح أنها لم تكن لتتم لولا عملاؤه الذين زرعهم بينهم.
حسان عبود، وزهران علوش يُعدان من أبرز القياديين الذين ستُذكر أسماؤهم عند كتابة تاريخ سوريا كأبرز الفاعلين في تغير خارطتها، هما اليوم بين يدي الديّان العظيم وله وحده القول الفصل فهو العليم بما في الصدور، لم يتبق اليوم سوى أبو عيسى الشيخ، فهل سينجو من مصيره القادم، أم أنه سيلاقي مصير رفاقه وهو الأرجح؟
اقرأ/ي أيضًا: