ما هي قصة التقويم المصري؟ وما هي إسهاماته الإنسانية؟ وكيف أصبح تقويمًا عالميًا؟ وما هي أسماء الأشهر القبطية وإلا ما نسبتها؟ وكيف يحفظها الفلاحون في مصر؟ ولماذا يرددونها ويحافظون عليها للآن؟ سنحاول من خلال هذا التقرير أن نجيب عن كل هذه التساؤلات
لا يزال الفلاح المصري حتى يومنا هذا يتبع التقويم المصري القبطي نظرًا لارتباطه بمواسم الزراعة
التقويم المصري.. قصة بدء التاريخ
كانت البداية مع التقويم المصري القبطي في العام 4241 ق.م، ما يعني في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد وذلك عندما رصد المصريون القدماء نجم الشعرى اليمانية وهو "أسطع النجوم في السماء ليلًا ورابع ألمع جرم في السماء بعد الشمس والقمر وكوكب الزهرة".
في البداية تشكلت البذرة الأولى في هذا التقويم من خلال رصد ثلاث ظواهر طبيعية معًا وهي شروق نجم الشعرى، وشروق الشمس وقدوم فيضان النيل. حسبوا المدة بين كل ظهورين لكل من تلك الظواهر، حتى حسبوا عدد فصول السنة. كل شهر منها بثلاثين يومًا. وقسموا السنة إلى ثلاثة فصول كبيرة: الفيضان يليه البذر يليه الحصاد، و قسموا الشهور إلى اثني عشر شهرًا وصارت السنة القبطية 365 يومًا والسنة الكبيسة 366 يومًا. ولا يزال الفلاح المصري حتى يومنا هذا يتبع هذا التقويم، نظرًا لارتباطه بمواسم الزراعة.
أول شهور السنة القبطية هو شهر "توت" وهو نسبة لاسم واضع التقويم المصري في العصر القديم، وهو علّامة فلكي ولد في قرية منتوت، والتي لا تزال موجودة حتى الآن، قرية صغيرة تابعة لمركز قرقاص في محافظة المنيا في صعيد مصر ولا تزال تحمل اسمها القديم حتى اليوم.
اقرأ/ي أيضًا: حقائق ممتعة عن شم النسيم في مصر
وقد كتب عالم المصريات الشهير جيمس هنري بريستد أن "هذا التقويم العظيم حمله يوليوس قيصر إلى روما واستخدمه هناك على أنه أعظم وأدق التقويمات". وقد كتب الدكتور اسحق عبيد تاوضروس في كتاب حكمة المصريين، وهو كتاب توثيقي عن الحضارة المصرية، أسهم في كتابته مجموعة من المؤرخين، كتب يقول: "هذا التقويم هو أول تقويم علمي "شمسي" وتتبعه كافة شعوب العالم المتحضر، والتقويم الميلادي العالمي مأخوذ من التقويم الجريجوري المأخوذ من التقويم الروماني المأخوذ أساسًا من التقويم المصري".
حدد المصريون الأقباط نهاية تقويمهم بيوم 29 آب/ أغسطس من عام 284 ميلادية، نسبة إلى استشهاد الكثير منهم في هذا التاريخ، وهو يتبع التقويم الجولياني، ويسمى التقويم القبطي ويطلق عليه أيضًا تقويم الشهداء. وبناء عليه فإن التقويم القبطي يكون كما ورد في كتاب إسهامات الأقباط في الحضارة الإنسانية "هدفه إحصاء الأيام والفصول، والأعوام الشمسية الكاملة وتحديدها جميعًا بالنسبة لدورة الكرة الأرضية حول الشمس" .
ونحن الآن في آخر أيام مسرا، أو تكتب مسرى أيضًا، ومسرا هو أحد آلهة الشمس وتشتد فيه الحرارة ويقول الفلاح فيه "مسرى تجري في كل ترعة عسرة"، أي تزيد فيضان النيل وتزداد مياهه فتغمر الأرض.
جاء في كتاب حكمة المصريين، وهو كتاب توثيقي عن الحضارة المصرية أن التقويم الميلادي العالمي الحالي مأخوذ في الأصل من التقويم المصري
اقرأ/ي أيضًا: احتفالات رأس السنة الأمازيغية.. طقوس تاريخ معتّق
الأشهر القبطية وحكاياتها
توت: هو أول الشهور القبطية ومعناه "تحوت" إله الحكمة والمعرفة ويُرمز له بالطائر المقدس "أبو منجل"، الذي يأتي في بداية السنة الزراعية ليبشر الفلاح ببدء موسم الزراعة. وشهر توت يأتي في الفترة بين 11 أيلول/ سبتمبر إلى 10 تشرين الأول/ أكتوبر ويرتبط عند فلاحي مصر بموسم الري ويحفظونه بالمثل المصري: "توت إروي ولا تفوت"، أي أن الفلاح الذي لا يروي أرضه في هذا الشهر لا يستفيد من زراعتها، وهو أيضًا مرتبط بانتهاء موسم الصيف وبدء الخريف فيقولون "توت يقول للحر.. موت!".
بابه: وهو عيد الإله آمون في طيبة (الأقصر الآن) ويكون في الفترة ما بين 11 تشرين الأول/ أكتوبر وإلى 9 تشرين الثاني/نوفمبر، ويرتبط بالمثل القائل: "بابه خُش واقفل الدرابة" أي الطاقة أي (النافذة الصغيرة في البيوت الريفية) اتقاء لبرد هذا الشهر.
هاتور: أي شهر "حتحور" إلهة الجمال والخصب عند المصريين القدماء ويكون بين 10 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 9 كانون الأول/ ديسمبر، ويرتبط بالمثل الشعبي: "هاتور أبو الذهب المنثور". أي كناية عن زراعة القمح.
كيهك: وينطقه المصريون "كياك" ويعني بالمصرية القديمة "تلاقي الأرواح" وهو أحد الأعياد في مصر القديمة ويكون بين العاشر من كانون الأول/ ديسمبر إلى الثامن من كانون الثاني/ يناير، ويكون فيه النهار أقصر ما يكون والليل أطول ما يكون حتى قال عنه المصريون المثل الشعبي "كياك صباحك.. مساك".
طوبة: ويعني بالمصرية القديمة الأعلى أو الأسمى وهو عيد حصاد القمح القديم والمعاصر ويمتد بين التاسع من كانون الثاني/ يناير حتى السابع من شباط/ فبراير، و يقع فيه أيضًا عيد الفصح، ويشتد فيه البرد، وتنشط الزراعات الشتوية، ويقول عنه المصريون "طوبة يخلي الصبية كركوبة".
أمشير: نسبة إلى "مشير" وهو إله الريح والعواصف الترابية، ويصف المصريون الإنسان المتقلب بأمشير وصاحب المزاج العكر: بزعابير أمشير أي العواصف الترابية. ويقولون في المثل "أمشير أبو الزعابير ياخد العجوزة و يطير".
برمهات: نسبة إلى الفرعون "امنحمات"، الذي تنضج فيه المحاصيل ويقول عنه المصريون "برمهات روح الغيط وهات"، أي إذهب إلى أرضك واجلب الزرع.
برمودة: نسبة إلى الإله رئونة، وهو إله الحصاد، ويُرمز له بالأفعى المقدسة، و يقول عنه المصري "برمودة ..دق العامودة"، أي دق سنابل القمح بعد نضجها.
بشنس: وهو منسوب إلى الإله "خنسو" وهو اسم إله القمر، فيه تخلو الأرض من المحاصيل بعد الحصاد ويقول عنه الفلاحون: بشنس يكنس الغيط كنس".
بؤونة: أصله "باأواني" أي وادي الحجارة في طيبة القديمة، وفيه يدرس القمح وينقل ويتم تخزينه ويقول المثل المصري: "بؤؤنة ننقل ونخزن المؤونة" .
أبيب: وهو شهر عيد الإله أبيبي ومعناه بالمصرية القديمة فرح السماء، وربما سمي بذلك الاسم لاشتداد فيضان النيل فيه، ويقول الفلاح فيه: أبيب مية النيل تريب"، تريب أي تزيد وتفيض.
مِسرى: أو مسرا وهو اسم أحد آلهة الشمس، وتشتد فيه الحرارة، ويقول الفلاح فيه: "مسرى تجري في كل ترعة عسرة"، أي تزيد فيضان النيل وتزداد مياه النيل فتغمر الأرض. وهو الشهر الذي نحن بصدده.
اقرأ/ي أيضًا: