قضت آية حجازي في الحبس الاحتياطي حتى الآن هي وزملاؤها 540 يومًا، وذلك بعد التعديل الأخير في القانون الخاص بتمديد الحبس الاحتياطي التي أصبحت 45 يومًا قابلة للتجديد، دون التزام بسقف زمني يحددها. في مصر لا يوجد ثقة في العدالة الإجرائية التي تمنح المقبوض عليه حق الدفاع عن نفسه وتوكيل محام يمكن له متابعة القضية. يتم الأمر بالطريقة التالية: الاعتقال أطول فترة ممكنة، ثم توجيه التهم، ثم الإعلان عن التهم حتى تبدأ الإجراءات القانونية في السريان.
من التهم التي وجهت إلى آية حجازي ورفاقها: تأسيس جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال جنسيًا
قررت آية حجازي بعد تخرجها من "جامعة جورج تاون" وحصولها على درجة الماجستير في القانون أن تعود إلى مصر. مشروعها كان تأهيل أطفال الشوراع، وتقدمت بالفعل بطلب رسمي إلى وزارة التضامن الاجتماعي وحصلت على موافقة أهلتها بالفعل لتأسيس كيان قانوني لتبدأ بعملها بالفعل في تقديم الدعم لأطفال الشوارع.
التهم مضحكة والمنطق غائب
تم إلقاء القبض لاحقًا على آية حجازي وزوجها وفريق العمل بالمؤسسة في الأول من أيار/مايو 2014، وتم توجيه التهم التالية لهم: تأسيس جماعة إجرامية منظمة لأغراض الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال جنسيًا وتصوير المقاطع الإباحية والمشاركة في التظاهرات وجمع التبرعات.
بدون تأمل عميق في التهم المضحكة أعلاه المثبتة في محاضر رسمية، تم توجيه تهمة التظاهر وتهمة جمع التبرعات والاتجار بالأعضاء وتصوير المقاطع الإباحية جنبًا إلى جنب. تأسيس جماعة إجرامية في العادة يتم فقط في مصر دون بلاد العالم بموافقة من وزارة التضامن الاجتماعية، وفقًا للقانون بحيث يسعى المتهم إلى إثبات التهم عليه من خلال أوراق رسمية تجعله يقع في دائرة الإدانة!!
أما عن أسباب تجدد مرات الحبس لآية ورفاقها التي وصلت إلى عام ونصف العام تقريبًا، فهي أسباب إن دلت على شيء فهي تدل على غياب المنطق الإجرائي والتراخي في سياقات العدالة الإجرائية في مصر، خاصة في هذه النوعية من القضايا التي يكون أصحابها من المدنيين الذين لا يملكون سوى الثقة في العدالة على كافة تمظهراتها، للحصول على برائتهم وهو ما يضمن إبقاءهم لمزيد من الوقت في السجون لتحطيمهم تمامًا معنويًا.
مثلًا في هذه القضية، قضت آية ما يقرب من عام ونصف قيد الحبس الاحتياطي، لتصبح أسباب تأجيل الجلسات محل انتقادات واسعة، ففي شباط/فبراير الماضي أجلت المحكمة القضية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر، لعدم حضور الضابط المسؤول عن القضية، لتقضي ستة أشهر أخرى من عمرها في الحبس، واليوم أجلت المحكمة القضية لجلسة الثالث عشر من شباط/فبراير القادم بسبب وصول عربة الترحيلات المسؤولة عن نقل آية وزملائها للمحكمة متأخرة.
أطفال الشوراع بين الدولة والقانون
ينص قانون الطفل المصري في الباب الأول من الأحكام العامة: "مادة 1: تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحي فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية".
قسمت منظمة "يونيسف" أطفال الشوارع، إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى "قاطنون في الشارع"، وهم الذين يعيشون في الشارع بصفة دائمة، والفئة الثانية "عاملون في الشارع"، وهم أطفال يقضون ساعات طويلة يوميًا في الشارع في أعمال مختلفة مثل "التسول"، أما الفئة الثالثة "أسر الشوارع"، وهم أطفال يعيشون مع أسرهم الأصلية في الشارع، وتبعًا لهذا التعريف قدرت الأمم المتحدة عدد أطفال الشوارع في العالم بـمائة وخمسين مليون طفل، فيما قدرت "اليونسيف" عدد أطفال الشوارع فى مصر بنحو مليوني طفل.
معظم التقارير التي ترصد ظاهرة أطفال الشوارع في مصر تربطها بعدم الاستقرار السياسي
أما معظم التقارير التي ترصد هذه الظاهرة في مصر وتربطها في تحليلها بالفقر والتفكك الأسري إلخ، فهي أيضًا تربط الظاهرة بعدم الاستقرار السياسي، لكن حقيقة الأمر أن الدولة التي تم تجريف كل مؤسساتها المدنية وتحييدها عن الاحتياجات الحقيقية للشارع هي دولة هشة حتى فيما تقدمه من خدمات مدنية قد تتعارض في الأصل مع مصالح المؤسسة الحاكمة، أو مع الوحدات الصغيرة المكونة للكيان الحكومي الكبير الذي يعاني الإفلاس والإرهاق والفساد وعدم السيطرة على أطرافه القريبة والبعيدة.
السؤال الذي يطرح نفسه وتغيب عنه أي تقارير أو إحصاءات جادة هو: هل الدولة تستفيد من ظاهرة أطفال الشوارع؟ الإجابة يمكن أن نستقيها من الأعمال الدرامية التي تصور أولاد الشوراع أدوات للتخريب يتم استخدامها عند الحاجة كما في مسلسل "بدون ذكر أسماء"، الذي يتعرض في جزء منه إلى مأوى لأطفال الشوارع في الثمانينيات، إبان عهد مبارك، حيث كانت عملية التسول في إشارات المرور تتم بمعرفة "أمين الشرطة"، وهي عملية يتم فيها استغلال الأطفال وهي تجارة رائجة في التسول، حيث اتسمت هذه الفترة بما جرى على ألسن العديد ممن يتحدثون عن عامل عدم الاستقرار كعامل رئيس في انتشار الظاهرة. وفي مشهد من مسلسل "إمبراطورية مين" حاولت البطلة بعد عودتها من الخارج تأسيس جمعية لأطفال الشوارع فكان رد الموظفة "ربي عيالك"، وهو تعبير شائع في مصر لمن يحاول أن يقوم بعمل قد يسوقه إلى مشكلات جسيمة.
الحقيقة هي أنه لا مجال للعمل المدني الذي لا ترضى عنه الدولة، وهي لا تعلن ذلك لفجاجته، ناهيك عن عدم قانونيته ولكنها تخلق تهمًا وقضايا مثل تلك التي بين أيدينا. رسالة من خلف القضبان أرسلتها آية إلى العالم، رسالة قصيرة بليغة، بالنيابة عنها وعن زملائها قالت: "لا تتركونا هنا فى السجون وتنسونا ولا تجعلونا نفقد الأمل فى العدل والإنسانية".
اقرأ/ي أيضًا: