17-سبتمبر-2019

مخطوطة قديمة لـ كتاب “كليلة ودمنة”

عبر التاريخ الطويل للشعوب العربية، تميّز كل منها بأدبه الشعبي الذي يروي قصة حياة وكفاح الشعوب عبر قصص ومواويل وأهازيج ألفها -في الغالب- رواة مجهولون، لكن كُتب لها الخلود.

يعكس الأدب الشعبي ثقافة الشعوب وتراثها، يروي قصصها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها

عادة ما يتخذ الأدب الشعبي شكلاً شفاهيًا تتناقله الألسنة بالحكاية والغناء، دون أن يتواجد بين ضفتي كتاب فاخر الطباعة، أو يجد مكانًا على رفوف الأكثر مبيعًا في المكتبات الشهيرة، ورغمًا عن ذلك هو محفور في ذاكرة الشعوب.

اقرأ/ي أيضًا: موالد القديسين في مصر.. بهجة البسطاء والمريدين

يعكس الأدب الشعبي ثقافة الشعوب وتراثها، يروي قصصها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها، ليس فقط باللغة العامية، ولكنه عندما يقترن بالغناء فإنه يغنى بالشكل المفضل لدى سامعيه، ليس فقط تبعًا لدولتهم، وإنما تبعًا لمنطقتهم كذلك.

مصر من الأمثلة الواضحة على ذلك، في صعيد مصر تُغنّى حكايات الأدب الشعبي بواسطة الربابة الآلة المفضلة لدى سكان جنوب مصر، بينما في الشمال، تحديدًا في المدن الساحلية مثل الإسماعيلية والسويس يغنى الأدب الشعبي على ألحان "السمسمية"، الآلة التي دائمًا ما ارتبطت بثقافة هذه المحافظات.

يعبّر الأدب الشعبي عن الشعوب بلسانها وضميرها، ويمجّد أبطالها ببعض من الرمزية والتضمين والمبالغة، ما يجعله محببًا لدى النفوس، خاصة عندما يتهم تهيئة الجو المناسب له من طقوس ومكان ملائم وبالطبع وجود أحد حُفاظه.

مع تطور الفنون وتنوعها فقد الأدب الشعبي جزءًا من جماهيريته، لم يعد المعبّر الأول عن لسان حال الشعوب وثقافتها، إلا أن محاولات إعادة إحيائه عبر فرق الموسيقى المستقلة، واستمرار غنائه في موالد الصالحين والأولياء في مصر وغيرها لم تتوقف، بل ازدادت في السنوات الأخيرة.

محاولات البحث هي الأخرى لم تتوقف، اهتم العديد من الباحثين المصريين اهتمامًا موسعًا بالبحث في تاريخ الأدب الشعبي العربي، كونه أحد أهم أوجه التراث الشعبي بل وأكثرها تداولًا وجماهيرية، وهذا ما أكسبه أهمية جعلته يتفوق على الأوجه الأخرى مثل الفن التشكيلي الشعبي.

بداية من إيجاد مفهوم مناسب له، إلى تتبع تاريخ هذا الأدب الذي لا تعرف بدايته، وتتبع سير أبطاله والبحث عن مؤلفيه ورواته، بل وجمع حكاياته لحمايتها من الاندثار والتحريف، وإعادة روايتها في أشكال أدبية أخرى.

نستعرض فيما يلي أهم هؤلاء الباحثين وأهم مؤلفاتهم.


1. فاروق خورشيد.. شغف السيرة الشعبية

ولد في 1928 في القاهرة، وتوفي فيها في 2005، تخرّج من قسم اللغة العربية. اهتم بالأدب الشعبي اهتمامًا بالغًا، خصوصًا بسيرة سيف بن دي يزن، التي لشدة اهتمامه بها أن أعاد كتابتها في شكل روائي، وذلك في روايتيه "سيف بن دي يزن" و"مغامرات سيف بن دي يزن"، حيث قدم السيرة بشكل عصري، في حبكة روائية أكثر تشويقًا وواقعية.

من أعماله كذلك "أدب السيرة الشعبية"، من خلال صفحات هذا الكتاب نظّر خورشيد للسيرة الشعبية بوصفها نوعًا مستقلًا من الأدب، تحكمه قواعده الخاصة وتنعكس تجلياته على الأدب المعاصر.

 

2. عبد الحميد يونس.. معجم للفلكلور والحكايات

كاتب وروائي مصري، ولد في 1910 وتوفي في 1988، تخرّج من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1940، تدرج في الدراسة بها حتى نال درجة الدكتوراه ببحث عن السيرة الهلالية عام 1950، ومن قبلها الماجستير عن رسالة تتناول السيرة الشعبية للظاهر بيبرس.

عيّن أستاذًا للأدب الشعبي في عام 1957، بلغ عدد مؤلفاته عن الأدب الشعبي 40 مؤلفًا.

من أهم أعماله: "معجم الفلكلور" موسوعة أدبية اعتنى فيها بجمع كم هائل من الأمثال والأغاني والسير الشعبية والعادات والتقاليد. و"الحكاية الشعبية" وهو كتابه الأشهر على الإطلاق، اهتم فيه بذكر خصائص وأنواع الحكاية الشعبية، وكذلك تعداد أنواعها.

 

3. نبيلة إبراهيم.. الهمّة في ذات الهمة

ناقدة وكاتبة ولدت 1929وتوفيت في 2017، تخرّجت من كلية الآداب جامعة القاهرة، سافرت ضمن البعثات الرسمية إلى ألمانيا، حصلت من جامعة توينجن على درجة الدكتوراه في بحث تحت عنوان "سيرة الأميرة ذات الهمة – دراسة مقارنة"، بعد عودتها عينت أستاذة للأدب الشعبي بآداب القاهرة.

اهتمت بالأدب الشعبي العربي، خصوصًا "سيرة الأميرة ذات الهمة"، التي بدا واضحًا شغفها بها من لحظة اختيارها كموضوع للدكتوراه، كما ألّفت العديد من المؤلفات، وترجمت العديد من الدراسات عن الأدب الشعبي.

من أهم أعمالها: "سيرة الأميرة ذات الهمة" تناولت فيه سيرة الأميرة الشهيرة التي تعد من أهم قصص الأدب الشعبي. و"من نماذج البطولة الشعبية في الوعي العربي" ألف هذا الكتاب رانيلا، فيما قامت نبيلة إبراهيم بترجمته إلى العربية، تناول الكتاب تأثير الأدب الشعبي العربي في الأدب الشعبي الأوروبي.

 

4. محمد رجب النجار.. تعديلات جوهرية

ولد في 1941 وتوفي في عام 2005، تخرّج من كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1962، حصل منها على درجة الماجستير في 1972، وعلى درجة الدكتوراه في 1976.

اعتنى النجار بالأدب الشعبي عناية بالغة، تناول العديد من موضوعات الأدب الشعبي محاولًا الوصول إلى جذور وأصول حكاياته وأهازيجه التي عادة ما تكون مجهولة المؤلف أو تنسب إلى غير مؤلفها.

من أهم أعماله: "كليلة ودمنة تأليفًا لا ترجمة" وهو الكتاب الذي أبحر فيه بغاية الوصول إلى شواطئ الكتاب الشهير الذي يعد من أهم أصول الأدب، توصل من خلال بحثه إلى أن مؤلف كليلة ودمنة هو عبد الله بن المقفع وليس الفيلسوف الهندي بيديا. وكتابه "سيرة علي الزيبق المصري" الذي تناول فيه سيرة البطل المصري الشهير الحاضر دائمًا في الذاكرة المصرية، والذي تناولته مباشرة أو استلهامًا الدرامات المصرية والعربية على السواء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"فنون الوداع".. للفراق أغانٍ باقية في صعيد مصر

حديث الشيخوخة.. الجاحظ في لبنان