مثّل كأس العالم 2022 فرصة حقيقية لمنتخب هولندا من أجل كسر النحس المونديالي الذي لازمه، لكنّ ركلات الترجيح عصفت بأحلامه، سوء الطالع في كأس العالم وقف سدًّا أمام هولندا ومنتخبات كبيرة أخرى، والتي لم تذق طعم التتويج بالكأس الذهبيّة.
من أصل 80 منتخبًا سبق لهم المشاركة في كأس العالم، نجحت ثمانية منتخبات فقط بتذوق الذهب العالمي، هي البرازيل، الأرجنتين والأوروغواي من أميركا اللاتينية، وألمانيا، إيطاليا، فرنسا، إنجلترا وإسبانيا من أوروبا.
المنتخبات الـ 72 غير المتوجة، يمكن تصنيفها إلى أربعة مستويات. المستوى الأول يضم منتخبات هولندا، المجر وتشيكوسلوفاكيا، التي اقتربت كثيرًا من اللقب بدون أن تنجح بالتتويج، المستوى الثاني يضم السويد وكرواتيا، حيث خسرت كلتاهما مباراة نهائية، المستوى الثالث فيه المنتخبات القوية التي رُشحت للفوز في بعض النسخ، لكنها لم تنجح قط بتخطي نصف النهائي مثل البرتغال وبلجيكا، والمستوى الرابع الذي يتواجد فيه أكثر من نصف المنتخبات، وقد كانت معظم مشاركاتها تشريفية ولم تترك أي أثر كبير.
الطواحين الهولندية: أفضل منتخب غير متوج
لو تجسّد سوء الحظ في كأس العالم على شكل منتخب ما، فسيكون المنتخب الهولندي بلا أدنى شك. فالبلاد المنخفضة التي قدمت للعالم الكرة الشاملة ونجوم عالميين مثل يوهان كرويف، ماركو فان باستن ورود خوليت، وصلت إلى نهائي ثلاث نسخ كأس عالم، أكثر من أبطال العالم الأورغواي، فرنسا، إنجلترا، وإسبانيا، بدون أن تنجح في ملامسة الذهب وفك النحس الذي لازمها، بعدما واجهها طالع سيء غريب في جميع مبارياتها النهائية، لتطلق الصحافة الرياضية العالمية على منتخب هولندا لقب أفضل منتخب غير متوج.
وصلت هولندا بجيلها الذهبي في السبعينيات لنهائيين تواليًا، واجهت المنتخب المضيف في المرتين، وخسرت بطريقة غريبة مع أنها كانت تستحق التتويج على الأقل مرة واحدة. في نهائي 1974، تواجهت هولندا بقيادة مدربها التاريخي رين ميشيلز، وتواجد أسطورتها يوهان كرويف، مع ألمانيا الغربية المضيفة بمنتخبها الرهيب الذي ضم القيصر بكنباور والهداف جيرد مولر.
في طريقها إلى النهائي، هزمت هولندا منتخبات من العيار الثقيل، في مقدمها البرازيل، الأرجنتين، والأورغواي، ما دبّ الذعر في نفوس الألمان، المنتخب المضيف الذي لن يرضى بخروج الكأس من ألمانيا.
الصحافة الألمانية لجأت إلى لعبة خبيثة، مستفيدة من سمعتها الممتازة فيما يخص الموضوعية، واختلقت خبرًا عن قيام اللاعبين الهولنديين بالاستحمام مع فتيات ألمان عشية النهائي، ما خلق عاصفة هوجاء في المعسكر الهولندي، وتشتت تركيز اللاعبون الذين حاولوا إقناع زوجاتهم بأن الأمر مختلق. يوهان كرويف المعروف بحبه لزوجته، قضى الليل وهو يحاول إقناعها عبر الهاتف ببراءته وزملائه.
تقدمت هولندا بالمباراة بهدف بواسطة نيكسينز، لكن الألمان على جري عادتهم نجحوا بقلب النتيجة وتحقيق لقبهم الثاني. وصلت هولندا إلى المباراة النهائية للمرة الثانية على التوالي في مونديال 1978 في الأرجنتين، وتوجب عليها مواجهة البلد المضيف مرة أخرى. استضاف ملعب المومينتال الخاص بنادي ريفر بلايت النهائي، بحضور أكثر من 70 ألف متفرج.
كانت النتيجة تشير إلى التعادل الإيجابي بهدف لمثله، قبل ثوان من نهاية المباراة، عندما لاحت فرصة ذهبية للهولنديين، ربما هي الأشهر بتاريخ المونديال، عندما سدد الهولندي رينسينبرينك كرة صاروخية خدم الحظ بها أصحاب الأرض إذ ارتطمت بالقائم وشتت مدافع الأرجنتين الكرة بعيداً. صورة حارس الأرجنتين وهو يقبّل القائم صارت بمثابة أيقونة. المباراة وصلت إلى الأشواط الإضافية، فازت الأرجنتين وحققت لقبها الأول، وعاد الهولنديون مرة أخرى إلى بلادهم وفي فمهم طعم مرارة الخيبة والانكسار.
يُقال عادةً إن الثالثة الثابتة، حتى هذه القاعدة تكسّرت مع المنتخب الهولندي، إذ وصل المنتخب تحت قيادة فان مارفيك لنهائي مونديال 2010 في جنوب إفريقيا، حيث سيواجه المنتخب الإسباني بطل أوروبا يومها، والباحث بدوره عن تتويجه الأول.
خسرت هولندا مرة أخرى، وبسيناريو مؤلم من جديد، حيث تلقت هدفًا قاتلًا في الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي سجله إنييستا. خلال المباراة أهدر نجم هولندا آريين روبن إنفرادين محققين، في أحدهما سدد كرة زاحفة ارتطمت بطرف حذاء إيكر كاسياس، وانحرفت ملمترات قليلة عن القائم الأيسر. القائم الأيسر مرة أخرى.
في كأس العالم قطر 2022 حاولت هولندا كسر النحس المونديالي الذي لازمها، لكنّها خرجت من البطولة بركلات الترجيح، بعدما تعادلت مع الأرجنتين في ربع النهائي بنتيجة 2-2، هي حصيلة الوقتين الأصلي والإضافي، لتودّع هولندا المنافسة وهي الوحيدة التي لم تذق طعم الخسارة، من 32 فريقًا شاركوا بكأس العالم 2022.
منتخب المجر الرهيب كان الأقرب في سويسرا 1954
على مدار نسخ كأس العالم، لم يستحق ربما أي منتخب الوصول للمباراة النهائية، كما استحق منتخب المجر الرهيب بلوغ نهائي مونديال 1954 في سويسرا. اكتسحت المجر خصومها الواحد تلو الآخر، وبلغت المباراة النهائية لمواجهة ألمانيا التي كانت تتعافى من الحرب العالمية الثانية. الفريقان تواجها في الدور الأول وفازت المجر بنتيجة كاسحة 8-3، هي أقسى خسارة بتاريخ ألمانيا المونديالي.
في المباراة النهائية تقدّمت المجر مبكّرًا بهدفين نظيفين، فظنّ جميع من في الملعب أن المجر في طريقها لتحقيق فوز كاسح وبنتيجة قياسية، لكن الألمان نجحوا بقلب الطاولة والعودة من بعيد، وفازوا بنتيجة 3-2، ليؤسسوا منذ تلك الحظة ثقافة العودة من الخسائر التي تميّزوا بها على الدوام.
المجر قدّمت أيضًا مستويات كبيرة في مونديال 1938، وحققت انتصارات كبيرة في مبارياتها، من بينها الفوز الكبير على السويد 5-1 في نصف النهائي، لكنها خسرت المباراة النهائية أمام إيطاليا 2-4.
منتخب آخر وصل أكثر من مرة بدون أن ينجح التتويج، هو منتخب تشيكوسلوفاكيا، الذي لعب بهذا المسمى حتى انقسمت البلاد إلى دولتي تشيكيا وسلوفاكيا. وصل المنتخب إلى نهائي نسخة 1934 في إيطاليا، بعدما هزم ألمانيا، سويسرا ورومانيا في طريقه، لكنه اصطدم بأصحاب الأرض وانهزم بالنهائي أمامهم 1-2، وعاد المنتخب وبلغ نهائي مونديال 1962 في التشيلي، بعدما هزم يوغسلافيا في نصف النهائي، قبل أن ينقاد للخسارة أمام البرازيل في النهائي.
هناك منتخبان بلغا المباراة النهائية مرة واحدة فقط وخسراها، هما السويد التي استضافت مونديال 1958، وانهزمت أمام البرازيل بيليه في النهائي، وكرواتيا التي خسرت نهائي مونديال روسيا أمام فرنسا بنتيجة 2-4.