"إنهم لا يريدون حتى إعلامًا معر*، إنهم يريدون قتل الإعلام كليًا"، قالها الصحفي عرفة البنداري بعد تلقيه خبر فصله تعسفًا من موقع "دوت مصر" بعد شرائه من قبل رجل الأعمال الشهير أحمد أبو هشيمة، رغم أن البنداري من القامات الهامة في الموقع، فلم يتخيل يومًا أن يتم فصله بهذه الطريقة.
في منتصف نيسان/أبريل الماضي، حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد الجدل الذي أثير عقب اتفاق الحكومة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، من عدم وقوف الإعلام، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي في صفه، خلال التعامل مع العديد من المشكلات، محملهم إضعاف موقف مصر في التعامل مع العديد من القضايا وعلى رأسها سد النهضة.
كشفت وسائل إعلامية على دخول أبو هشيمة في مفاوضات لشراء صحيفة "الشروق"، وكذلك موقع "صوت الأمة"
واستمر الرئيس في تحذيره بالتأكيد أنه قادر على إرسال كتيبتين يمكنهما السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما بدأ هذا التحرك من الرئيس لكن أضاف إليها الصحف والمواقع الإخبارية، إذ يبدو أن الكتيبتين تم اختزالهما في قطبين إعلاميين باتا يتحركان لصالح الدولة من أجل السيطرة على الإعلام في مصر.
السيسي والاصطفاف الوطني
خلال مداخلة، الأحد الماضي على برنامج "بصراحة" على إذاعة "نجوم إف إم"، أوضح الروائي وعضو مجلس النواب، يوسف القعيد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي معجب بإعلام عبد الناصر، ويتمنى مثله.
منذ مجيء الرجل القوي في مصر، لا يمر خطاب له إلا ويطالب الإعلام بـ"الاصطفاف الوطني والوقوف خلفه وباقي قيادات البلد"، ففي حوار في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، مع وكالة "كونا" الكويتية، قال: "نحن في العالم العربي بحاجة إلى خطاب إعلامي واع ومسؤول يساهم في توفير حالة اصطفاف وطني وراء هدف واحد وهو الحفاظ على الدولة الوطنية والعمل على دعمها وتقويتها، والحيلولة دون سقوطها أو تفتيتها"، كما حمل في خطاب تلفزوني بداية حزيران/يونيو الماضي، على المواطنين ومؤسسات الدولة مسؤولية الاصطفاف الوطني.
اقرأ/ي أيضًا: عيد الجيش اللبناني.. إعلانات لتسويق "الهيبة"
هوس الرئيس بضرورة الاصطفاف خلف قيادته التي تعمل الصواب دائمًا حسب معتقده، دفعه ليشجب في إحدى المرات أنه لا يمتلك جهازًا إعلاميًا كالذي كان يمتلكه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قائلًا "يا بخت عبد الناصر بإعلامه"، ذلك الجهاز الذي حول ناصر إلى زعيم عربي، رغم الأكاذيب الكارثية التي قدمها هذا الإعلام آنذاك.
يأتي هذا في الوقت الذي يدرس مجلس الدولة في الوقت الحالي قانون الإعلام الموحد الجديد تمهيدًا لإقراره بشكل نهائي، هذا القانون الذي يحدد حقوق الصحافيين والإعلاميين وملكية المؤسسات الصحفية، كما يعطي الرئيس سلطات واسعة على قطاع الصحافة، لاسيما تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، واختيار رؤساء تحرير الصحف القومية، إلا أن رجلين أعمال يتحركان بالتوازي للهيمنة على القطاع، في خطوة تشبه تأميم الإعلام.
أحمد أبو هشيمة قطب الإعلام الجديد
رجل الحديد الذي تحول إلى شخصية عامة بزواجه من الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، تحول إلى قطب الإعلام الجديد مع محاولته الهيمنة سريعًا على هذا القطاع بشراء العديد من المواقع والقنوات التلفزيونية. يمتلك أبو هشيمة نسبة كبيرة من صحيفة "اليوم السابع" الأوسع انتشارًا، وكذلك في قنوات "النهار"، لكن مؤخرًا باتت أيادي رجل الأعمال الصاعد تطال القطاع الإعلامي بأكمله، بدءًا من شراء شبكة "ON TV" ووكالة أونا، ثم شرائه موقع "دوت مصر" الذي أسسه الصحفي عبد الله كمال، وكذلك موقع "حصل" الإخباري، عبر شركته "إعلام المصريين".
يعد أبو هشيمة رجل أعمال جميع الأنظمة المتعاقبة
لم تتوقف محاولات أبو هشيمة عند هذا الحد، إذ كشفت مصادر لموقع "البوابة نيوز" عن أن رجل الأعمال يتفاوض حاليًا على شراء شبكة قنوات "دريم"، كما كشفت وسائل إعلامية على دخول أبو هشيمة في مفاوضات لشراء صحيفة "الشروق"، وكذلك موقع "صوت الأمة". ويعد أبو هشيمة رجل أعمال جميع الأنظمة، بداية من إعلانه الوقوف إلى جانب الشباب بعد ثورة يناير، وكذلك دعم المجلس العسكري الذي كان يتولى إدارة البلاد. ومع مجيء الرئيس الأسبق، محمد مرسي، حدث تقارب كبير بين رجل الأعمال والنظام الجديد، حتى أنه رافق مرسي في العديد من الزيارات للخارج ضمن رجال الأعمال الذين كان يصطحبهم الرئيس، وحتى إقامة شراكة اقتصادية مع خيرت الشاطر وحسن مالك.
وبعد الإطاحة بمرسي، عمد أبو هشيمة إلى التقرب للنظام الوليد لإزالة الصورة المنتشرة حول تقربه من الإخوان، فقام بشراء صفحتين في جريدة التايمز للتأكيد على أن ما حدث ليس انقلابًا عسكريًا، كما أصبح من أكثر رجال الأعمال الداعمين لدى صندوق تحيا مصر، حتى أن صفحات كثيرة تابعة للنظام تتغنى بإنجازاته وخدماته لصالح البلد.
يعمل رجال الأعمال على تصفية المؤسسات الإعلامية التي يشترونها كما حدث من حالات فصل كبيرة في موقع دوت مصر وقناة أون تي في
اقرأ/ي أيضًا: بين صحافي وصحافي
ياسر سليم
رجل المخابرات السابق، الذي أصبح قطبًا إعلاميًا جديدًا هو الآخر، بداية من شرائه موقعي "دوت مصر" و"حصل" من خلال شركته "بلاك أند وايت"، قبل أن يبيعهما لصديقه أبو هشيمة. تجربة تصعيد المخابرات رجال أعمال يكونوا صورتها ويخدمون مصالحها ليست جديدة في مصر، فمن قبل كان هناك، حسين سالم، رجل الأعمال الذي جاء من رحم المخابرات، وكان نقطة الوصل بين الحكومة المصرية والإسرائيلية، لبيع الغاز إلى تل أبيب. عرف ياسر سليم أيضًا بأنه كان منتج برنامج "أنا مصر" على التلفزيون المصري، لتجميل صورة الرئيس وشن حملة ضد المعارضين من النشطاء والإسلاميين، فبخلاف المادة المقدمة يمكن استشفاف ذلك التوجه سريعًا من معرفة مقدمي البرنامج، وهم أماني الخياط ومعتز عبد الفتاح، وغيرهما.
ياسر سليم، كان أيضا منتج مسلسل "القيصر" في رمضان الماضي، هذا المسلسل، الذي أثار جدلًا واسعًا للمسه نقطة حساسة تتمثل في الحرب في سيناء، ومدى محاولته تشويه صورة الإسلاميين والناشطين وإعطاء الشرطة الحق في كل ما تقوم به هناك حتى ولو وصل الوضع للتحالف مع إرهابيين دوليين، وقد واجه المسلسل إدانات العديد من الجمعيات الحقوقية ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بسبب توجه الواضح.
وحول رأي البنداري في أن هناك محاولة لقتل الإعلام بشكل كبير كبديل عن خلق إعلام موال، أوضح أن الأخبار أو التقارير التي تحتوي على مادة تدافع عن النظام وتمجد في إنجازاته تلقى انتشارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس إلا للسخرية منها والتأكيد على أن قائليها أو كاتبيها يعيشون خارج الكوكب، لذلك فرجال الأعمال الذين يتحركون كأيادٍ للنظام يعملون على تصفية المؤسسات التي يشترونها كما حدث من حالات فصل كبيرة في موقع دوت مصر وقناة أون تي في، في خطوة يراها البنداري بأنها تقصد قتل شغف المصريين بالإعلام- ذلك الشغف الذي تولد عقب ثورة يناير- في محاولة لتفريغه من محتواه.
اقرأ/ي أيضًا: