ألترا صوت – فريق التحرير
هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
"أنا أحيا"، هو عنوان رواية الكاتبة اللبنانية ليلى بعلبكي (1934)، التي صدرت أواخر عام 1958 عن "دار مجلة شعر"، التي أشارت في إعلانها عنها إلى أنها: "قصة طويلة سيكون لصدورها أثر بعيد في مستقبل القصة العربية. لون جديد فيه صراحة وجرأة وحرارة. لم يسبق أن برزت شخصيات القصة العربية وعولجت قضاياها النفسية والاجتماعية بمثل هذا الأسلوب الحي، الذي سيميز مؤلفته".
اعتبر البعض أن الرواية فضائحية وغير أخلاقية ولا ترقى إلى مستوى العمل الأدبي، وأن مضمونها لا يتجاوز الشتائم والألفاظ النابية
قدّمت ليلى بعلبكي في "أنا أحيا" نصًا روائيًا تجاوز، في مضمونه وأسلوبه، النماذج الروائية اللبنانية التقليدية، والقوالب السردية الكلاسيكية التي كانت سائدة خلال تلك المرحلة. كما تناولت من خلاله أيضًا مواضيع تعتبر إشكالية بمقاييس ذلك الزمن، واستبدلت فيه الشخصيات الإيجابية الواعظة، بأخرى سلبية تدين المجتمع اللبناني، وتسخر من عاداته وتقاليده.
اقرأ/ي أيضًا: رشيفنا الثقافي: ترجمات غائب طعمة فرمان
أثارت الرواية عند صدورها جدلًا واسعًا وسجالات حادة في الأوساط الثقافية اللبنانية والعربية، التي انقسمت بين فئتين. ترى الفئة الأولى في الرواية عملًا أدبيًا متكاملًا يتناول مواضيع إشكالية مختلفة بطريقة جريئة وغير مسبوقة، بل وتنطر أيضًا إلى مؤلفتها على أنها صاحبة صوت أدبي مميز، ومشروع روائي يتوخى التجديد على صعيد الأسلوب واللغة والبنية السردية، بالإضافة إلى القضايا والمسائل التي تتناولها.
أما الفئة الثانية، فقد اعتبرت أن الرواية فضائحية وغير أخلاقية ولا ترقى إلى مستوى العمل الأدبي، وأن مضمونها لا يتجاوز الشتائم والعبارات البذيئة والألفاظ النابية، التي تقذفها بطلتها في وجه وطنها ومجتمعها وعائلتها أيضًا. فيما ذهبت فئة أخرى إلى القول بأن الرواية مجرد خواطر فتاة صغيرة، وأن حكاية بطلتها، لينا، هي حكاية ليلى بعلبكي نفسها.
تصف الناقدة اللبنانية يمنى العيد الرواية بأنها أولى الروايات النسائية الحديثة في العالم العربي، وترى أنها شكلت علامة بارزة في تطور الكتابة الروائية العربية في لبنان. بينما اعتبر الناقد المغربي محمد برادة أن الرواية عبرّت بأسلوب حداثي مجدد عن: "الوعي المغلوط للرجل والمرأة العربيين في الخمسينيات نتيجة فصلهما بين حرية الفرد والجسد.. وبين الالتزام السياسي المسقط من حسابه حرية المرأة".
الناقد والروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، اعتبر بدوره أن رواية ليلى بعلبكي تتضمن غنائية لفظية مميزة تقربها من الشعر. بينما رأى الشاعر والروائي اللبناني ميخائيل نعيمة، أنها كتابة روائية متجددة.
في المقابل، قال الأديب والفيلسوف المصري أنيس منصور إن الكاتبة اللبنانية كانت تبصق في روايتها، من دون حياء، في: "وجه والدها، أي في وجه المجتمع وكل ما هو كبير، فهذه ثورة النساء على الرجال". وأضاف الكاتب الراحل: "ليلى بعلبكي بصقت على القرن العشرين، وهي لم تسمع التصفيق الحار لها في كل مكان، ولم تكن لليلى بعلبكي رسالة أبعد من ذلك، فقد جاءت روايتها الأولى خلاصة ما لديها، فقالت كلمتها واختفت".
قدّمت ليلى بعلبكي في "أنا أحيا" نصًا أدبيًا تجارز، في مضمونه وأسلوبه، النماذج الروائية اللبنانية التقليدية، والقوالب السردية الكلاسيكية السائدة
الكاتب والمفكر الفلسطيني أنيس صايغ كان له أيضًا موقفه من رواية بعلبكي التي رأى أنها ثورة، وأن: "أبرز ما في هذه الثورة جرأتها. إنها صراحة من نوع جديد لم نعهده في كاتباتنا العربيات". ولكنه رأى أن الكاتبة اللبنانية: "تعود من انطلاقتها الرائعة التي بدأت بها (الانطلاق من المجتمع ونظرياته المهترئة والبالية) لتقع في الحلقة المفرغة ذاتها، التي يرسمها المجتمع، ولتدور فيها، في تيه وضلال، مثلما تدور فيها باقي نساء المجتمع".
اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: "تحرير المرأة".. كتاب أثار أطول معركة فكرية في القرن العشرين
وأضاف صايغ: "هنا خطأ ليلى بعلبكي، الخطأ الاجتماعي لا الفني. لقد جعلت العطاء – عطاء الأطفال – هو حياة المرأة، هو مبرر وجودها، هو كيانها. "وأن أحيا"، بالنسبة إليها تعني "أنا أعطي"، "وأنا أعطي" تعني "أنا أحمل في أحشائي طفلًا: أنا أحبل". وبذلك يتحول جهاد الفتاة الشرقية إلى سعي لأن ينتفخ بطنها".
اقرأ/ي أيضًا:
أرشيفنا الثقافي: اغتيال الكاتب والمؤرخ الفلسطيني عبد الوهاب الكيالي
أرشيفنا الثقافي: "قوارب جبلية".. رواية يمنية تدخّل غونتر غراس لإنقاذ مؤلفها