ألترا صوت – فريق التحرير
هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
"تحرير المرأة" هو عنوان كتاب المفكر المصري الراحل قاسم أمين (1863 – 1908)، الذي أثار عند صدوره عام 1899 الكثير من الجدل في الأوساط الثقافية والسياسية والدينية المصرية. يُعتبر الكتاب من أشهر مؤلفات أمين، ورغم مرور أكثر من 120 عامًا على صدوره، إلا أنه لا يزال محل أخذ ورد حتى اللحظة.
أشعل كتاب "تحرير المرأة" عند صدوره واحدة من أهم المعارك الفكرية في مصر، وبعض الدول العربية الأخرى، مطلع القرن العشرين
يضم الكتاب، الذي يستعاد بين وقتٍ وآخر، خلاصة أفكار مؤلفه حول عدة قضايا مرتبطة بتحرير المرأة وواقعها في العالم الإسلامي عمومًا، والمجتمع المصري خصوصًا، حيث يسلط الضوء على أوضاعها الاجتماعية والسياسية والثقافية، ويبين القهر الاجتماعي الذي تعيشه بفعل العادات والتقاليد التي يرى أنها تأسست على الفهم الخاطئ للإسلام وتعاليمه، وحالت بينها وبين ممارسة دورها النهضوي.
اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: اغتيال الكاتب والمؤرخ الفلسطيني عبد الوهاب الكيالي
يعتبر قاسم أمين في كتابه أن تحرير المرأة، هو أحد الشروط الأساسية لإصلاح المجتمعات العربية وتطويرها، ويرى أن انحطاط الأمة وتوحشها مصدره في الأصل انحطاط المرأة، ما يعني أن ارتقائها مرهون بارتقاء المرأة، التي يرى أن الشرع الإسلامي سبق كل شريعة سواه في مساواتها بالرجل.
ويشير المفكر المصري إلى أن المساواة بين المرأة والرجل، باستثناء تعدد الزوجات، هو أمر ظاهر في الشريعة الإسلامية، وأن ما أوصل المرأة إلى الحالة التي هي عليها ليس الدين، وإنما العادات السيئة التي ورثها المسلمون من الأمم التي انتشر فيها الإسلام، وهي عادات تفسد الدين وتمسخه على حد تعبيره، ومن بين هذه العادات ارتداء الحجاب، الذي يقول إنه لا يوجد في الشريعة ما يؤكد ضرورته.
أشعل كتاب "تحرير المرأة" عند صدوره واحدة من أهم المعارك الفكرية في مصر، وبعض الدول العربية الأخرى، مطلع القرن العشرين، حيث انقسم قراؤه بين فئة مؤيدة لأطروحات أمين ومعجبة بها، وأخرى معارضة بل وناقمة عليها.
تعاملت الفئة الأولى مع الكتاب بوصفه عملًا تنويريًا، وجزءً من دعوات الإصلاح التي انتشرت خلال تلك الحقبة على يد مفكرين وعلماء كثر، أبرزهم محمد عبده، الذي يقال إنه دقق فصول الكتاب المتعلقة بالحجاب والزواج وتعدد الزوجات والطلاق، وجمال الدين الأفغاني. بل إن البعض اعتبر أن الأفكار التي تضمنها الكتاب إنما تعود إلى محمد عبده والأفغاني.
تعرض قاسم أمين، في المقابل، إلى هجوم واسع من قبل سياسيين ومثقفين ورجال دين، اعتبروا أن ما جاء في كتابه لا يتعدى الدعوة إلى تقليد الغرب وتبني تصوراتهم حول المرأة، خاصةً في ما يتعلق بالحجاب، حيث اعتبر محمد طلعت حرب في كتابه "تربية المرأة والحجاب"، الذي يُعتبر أول كتاب يؤلف في الرد على "تحرير المرأة"، أن نزع الحجاب والاختلاط اللذين دعا إليهما أمين، هم في الأصل أمنية أوروبية، وجزء من محاولات الغرب للتدخل في شؤون المسلمين وهدم مجتمعاتهم باسم الإنسانية.
وبينما اعتبر أمين أن تحرير المرأة هو شرط من شروط النهوض بالمجتمعين العربي والإسلامي، رأى حرب أن في هذا التحرر ما يهدم هذين المجتمعين ويفسدهما. وهو ما ذهب إليه أيضًا السياسي المصري مصطفى كامل، زعيم "الحزب الوطني" ومؤسس جريدة "اللواء"، الذي ساوى بين دعوة قاسم أمين والاستعمار البريطاني على اعتبار أن مضمون كتاب الأول يساهم في تحقيق ما يسعى إليه الإنجليز، وهو تدمير مقومات المجتمعين المصري والإسلامي، الأمر الذي دفعه إلى فتح صفحات جريدة "اللواء" لجميع معارضي دعوة قاسم أمين.
يعتبر قاسم أمين في كتابه أن تحرير المرأة هو أحد الشروط الأساسية لإصلاح المجتمعات العربية وتطويرها
تجاوز الهجوم على مؤلف كتاب "المرأة الجديدة"، صفحات الجرائد إلى المجالس العامة والمساجد. وبلغت حدة الهجوم عليه مستويات خطيرة ذهب البعض عندها إلى اتهامه بالجناية على الدين، والمساهمة في تقويض القيم والأخلاق، وتحريض النساء على الفساد.
اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: "قوارب جبلية".. رواية يمنية تدخّل غونتر غراس لإنقاذ مؤلفها
ولم تقتصر ردود أفعال معارضي قاسم أمين ونقّاد كتابه على المقالات العابرة في الصحف، بل ذهب البعض منهم إلى تقديم مؤلفات كاملة للرد عليه أهمها: "الجليس الأنيس في التحذير عما في تحرير المرأة من التلبيس" لمؤلفه محمد أحمد حسنين البولاقي، و"خلاصة الأدب" لصاحبه حسين الرفاعي، و"في الدفع المتين في الرد على قاسم بك أمين عن تحرير المرأة" لمؤلفه عبد الحميد خيري، و"نظرات في كتاب السفور والحجاب" لصاحبه مصطفى الغلاييني.
اقرأ/ي أيضًا:
أرشيفنا الثقافي: استقالة محمود درويش من "منظمة التحرير" احتجاجًا على "أوسلو"
أرشيفنا الثقافي: رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان.. حكاية نص غرامي مثير للجدل