ألترا صوت – فريق التحرير
هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
قدّم الشاعران الفلسطينيان محمود درويش (1941 – 2008) وسميح القاسم (1939 – 2014)، في رسائلهما الشهيرة التي نُشرت في مجلة "اليوم السابع" أواخر ثمانينيات القرن الفائت، وجُمعت في كتاب "الرسائل" الذي صدر عن "دار العودة" في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1990؛ صورة معبّرة عن صداقتهما التي وصفها الناقد المصري الراحل رجاء النقاش بأنها: "نموذج رفيع للصداقات بين الأدباء".
ناقش درويش والقاسم في رسائلهما هذه الوضع الفلسطيني، وتبادلا عبرها الأفكار والآراء ووجهات النظر المختلفة حول واقعه وواقع العالم العربي عمومًا
تبادل درويش والقاسم رسائلهما هذه بين عامي 1986 – 1988. وبالإضافة إلى القضية الفلسطينية وهمومها، حملت رسائلهما قدرًا من هواجسهما ومخاوفهما وآرائهما حول قضايا ومسائل مختلفة، إلى جانب استعادتها لذكرياتهما المشتركة داخل الأراضي المحتلة، التي غادرها محمود درويش عام 1971 باتجاه المنفى الذي شغل حيزًا واسعًا من رسائله إلى صديقه، الذي اختار البقاء في حيفا.
اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: قصيدة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة".. نقد الهزيمة العربية
يضم الكتاب قصيدتين و39 رسالة، موزعة على 3 حزم/ أبواب، ومقدمة للكاتب والروائي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي، يقول في مستهلها: "لا ألوم نفسي على أنني لم أنتبه إلى روعة هذه الرسائل المتبادلة بين شطري (شقّي) البرتقالة الفلسطينية – محمود درويش وسميح القاسم – إلا بعد أن تكاملت بشرًا سويًا".
ويضيف حبيبي: "لقد وجدت هذين الشقيين في (الرسائل) بل منذ أن شبّا على الطوق – وكان طوقنا أحيانًا – رافضين أبدًا لكل ما يحول بينهما وبين حرية التفكير، ولا تكون حرية التفكير إلا بحرية النقد، ولا يقبلان – في هذا المجال الذي بدونه تضمحل وتتلاشى ثم تزول إنسانية الإنسان – أية ذريعة، لا ذريعة (دستور) ولا ذريعة (مسؤولية سياسية)".
في أول رسائل الكتاب التي تحمل تاريخ 19 أيار/ مايو 1986، يكتب محمود درويش إلى سميح القاسم: "ما قيمة أن يتبادل شاعران الرسائل؟"، ثم يضيف: "الآن، أشمر عن عواطفي، وأبدأ. لا أعرف من أين أبدأ عملية النظر إلى مرآتنا المشتركة. ولكني سأبدأ لأنضبط وأورطك في انضباط صارم. سيكون التردد أو التراجع قاسيًا بعدما أشهدنا القراء علينا".
ويتابع الشاعر الفلسطيني في رسالته: "لن نخدع أحدًا، وسنقلب التقاليد، فمن عادة الناشرين، أو الكتّاب، أو الورثة أن يجمعوا الرسائل المكتوبة في كتاب. ولكننا هنا نصمم الكتاب ونضع له الرسائل. لعبتنا مكشوفة. سنعلق سيرتنا على السطوح، أو نواري الخجل من كتابة المذكرات بكتابتها في رسائل (...) انتبه جيدًا، فنحن مطالبان بألا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة".
يقول صاحب "شخص غير مرغوب فيه" في رده على رسالة درويش: "ها أنت منذ رسالتك الجديدة (لماذا تسميها رسالة أولى؟) تقترح بذكائك الذي أعرفه قاعدة للعبة وكأنك لا تعرف أخاك في عناده (برج الثور) وشهوته الفادحة للعب بلا قواعد".
يضيف: "(نحن مطالبان بألا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة) هكذا تقول في رسالتك (...) لا بأس عليك يا أخي الحبيب فهناك من هم أقدر منا على تشويه (صورتنا النمطية هذه). أما نحن فما علينا إلا نرمم (المخيلة العامة)، المخيلة الطيبة المدقعة الهالكة شوقًا إلى موت أليف في زمن الضجيج والوحشة والنعيب".
بالإضافة إلى القضية الفلسطينية وهمومها، حملت رسائل درويش والقاسم قدرًا من هواجسهما ومخاوفهما وآرائهما حول قضايا ومسائل مختلفة
يتساءل القاسم: "وماذا بشأن مخيلتنا نحن (...) لقد جرّوا إلى قلوبنا أنابيب نفطهم ومائهم هم، وتركونا نتخبط بحثًا عن رأس النبع، حيث ماؤنا نحن.. فما الذي كان وما هو الكائن وما الذي سيكون بعد أن صعقوا مخيلة طفولتنا عام 1948 وصعقوا مخيلة فتوتنا عام 1956 وصعقوا مخيلة شبابنا عام 1967 وقايضونا عين جالوت بكامب ديفيد، والحبل على الأعناق".
اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: "ذاكرة الشعوب".. سلسلة كتب منسية
على هذا المنوال تابع الشاعران الفلسطينيان تبادل الرسائل، التي ناقشا فيها، بشكلٍ أو بآخر، الوضع الفلسطيني، وتبادلا عبرها الأفكار والآراء ووجهات النظر المختلفة حول واقعه وواقع العالم العربي عمومًا، بالإضافة إلى المسائل الشخصية، وذكرياتهما المشتركة، والهموم الكبيرة والصغيرة، العادية والبسيطة.
اقرأ/ي أيضًا: