في عام 2003، أصدر "المركز القومي للترجمة"، في القاهرة، كتاب "الخروج في النهار: كتاب الموتى"، الذي يضم نصوصًا من الأدب الجنائزي المصري نقلها إلى العربية، وعلّق عليها، الباحث والمترجم المصري شريف الصيفي الذي ترجمها عن اللغة المصرية القديمة مباشرةً دون اللجوء إلى لغات أجنبية وسيطة.
ترجم الصيفي الأدب الجنائزي المصري عن اللغة المصرية القديمة مباشرةً دون اللجوء إلى لغات وسيطة
يُعتبر الكتاب أول ترجمة عربية عن اللغة المصرية القديمة مباشرةً، وهو جزء من مشروع الصيفي الذي يسعى إلى نقل التراث المصري إلى لغة الضاد، وتحديدًا أدبيات النصوص الجنائزية المصرية القديمة التي يقول الصيفي في تقديمه للكتاب إنها: "ليست دعوة انسحابية من العالم، ولا تقديسًا للموت".
ويضيف: "هي دعوة للتوحيد بين الإنساني والإلهي والطبيعة في منظومة واحدة أبدية غير قابلة للتفتت، تقود حركتها وتدعم دورتها قوى الخير والحق الموجودة في العناصر الثلاثة – الإنساني والإلهي والعالم – فأصبح الموت عنصرًا استثنائيًا مثل ساعات الليل، فيها تناضل الشمس القوى التي تحاول إعاقة هذا النظام الكوني، وكأنه موسم مؤقت تُعَد فيها الحقول استعدادًا لمخاض جديد".
شريف الصيفي.. من فهم الهوية المصرية إلى ترجمة الأدب الجنائزي
أصدر الصيفي، إلى جانب "الخروج في النهار: كتاب الموتى"، ثلاثة كتب أخرى صدرت عن "مكتبة تنمية" في القاهرة بين عامي 2020 – 2022، وهي: "الصعود للسماء: متون الأهرام"، و"الطريقين"، و"متون التوابيت".
تضم هذه الكتب أهم نصوص التراث الجنائزي المصري وأكثرها خصوبة، مثل الترانيم والمدائح والصلوات التي كُتبت لمساعدة المتوفي على إكمال مسيرته في العالم الآخر، إضافةً إلى سير ذاتية، ورسائل للموتى، ووصايا للأحياء حول تجربة الموت وما يحدث في العالم الآخر.
يعود تاريخ تدوين هذه النصوص إلى حوالي 2300 عام قبل الميلاد، وفي مقدمتها نصوص كتاب "الصعود للسماء: متون الأهرام"، التي تعد أقدم نص ديني دوّنه الإنسان بحسب الصيفي. ولهذه المتون موضوعًا محددًا، وهو وفاة الملك وصعوده إلى السماء. أما غايتها، فهي ضمان أن يحظى الملك المتوفي بوضع إلهي وحياة أبدية من خلال التماهي مع الآلهة.
لم تكن الترجمة هي غاية شريف الصيفي من تعلّم اللغة المصرية القديمة، وإنما فهم الهوية المصرية وكل ما يتعلّق فيها وبتاريخها من خلال لغتها، التي تعلمها في الخامسة والثلاثين من عمره بهدف "تمصير مصر" بحسب تعبيره. لكنه تخلى عن هدفه هذا فيما بعد، وتفرغ لترجمة الأدب الجنائزي الذي يرى أنه يقدّم فلسفة كاملة عن العالم.