على مدى سنوات طويلة، كان القارئ العربيّ يظنّ أن لدى الكاتبة الهندية سوزانا أرنداتي روي رواياتٍ كثيرة، لكن الحظ لم يسعفهم إلا بترجمة عمل وحيد هو "إله الأشياء الصغيرة" (صدرت ترجمتها العربية عام 1999)، ليتبيّن أن الكاتبة لم تنتج في الحقيقة سواها على صعيد العمل الروائي، فيما كان جلّ اهتمامها منصبًّا على كتابة الدراسات والأفلام الوثائقية.
أرنداتي روي، التي ولدت في ولاية "ميغلايا" الهندية عام 1961، ليست كاتبة مهمة وحسب، بل هي حالة مثيرة للاهتمام، بمعنى أن أهميتها لا تقتصر على أن روايتها "إله الأشياء الصغيرة" حصدت جائزة البوكر البريطانية عام 1997، بل لكونها ناشطة حقوقية وبيئية، ومناضلة لأجل العدالة، تحتل مكانة مرموقة على مستوى عالمي.
رغم أن روي لم تكتب سوى سوى رواية "إله الأشياء الصغيرة"، إلا أنها باعت أكثر من ثمانية ملايين نسخة
أما الأن فإن أهم إنجازات أرنداتي روي هي روايتها "إله الأشياء الصغيرة"، التي تعتبر شبه سيرة ذاتية لها، تروي فيها فصولًا من طفولتها، وقد نالت شهرة عالمية، وكتبت عنها "نيويورك تايمز" عام 1997 إنها أحد أهم كتب العام.
اقرأ/ي أيضًا: كيم إكلين: الناس يؤكدون أنفسهم عبر رواية القصص
الجديد الآن هو الإعلان عن رواية أرنداتي روي الجديدة "وزارة السعادة الكبرى"، إذ نشرت صحيفة "الغارديان" تحت عنوان "الخيال يأخذ وقته، وبعد عشرين عامًا تكتب أرنداتي روي كتابها الثاني". كان النقاد خلال السنوات الماضية يتساءلون على الدوام: هل كان النجاح الذي حصدته في كتابها الأول نوعًا من الصدفة أو الحظ؟
باعت الرواية أكثر من ثمانية ملايين نسخة، وترجمت إلى 42 لغة حول العالم. لكن أرنداتي روي منذ ذلك الوقت تفرّغت لكل ما هو ليس أدبًا، فقد نشرت عشرات الكتب والوثائق غير الخيالية وكتبت أفلامًا وثائقية، واحتجت ضد الفساد الحكومي، والقومية الهندوسية، والتدهور البيئي، وعدم المساواة، وظهرت على قائمة 100 شخصية مؤثرة عالميًا. وهي لدى معجبيها من السياسيين صوتُ اليسار الراديكالي في بلادها دون منازع. وقد واجهت تهمًا جنائية، وسُجنت في العام الماضي، كما اضطرت في إحدى الفترات إلى الفرار من الهند خوفًا على حياتها.
حين تم توجيه انتقادات لتهاون أرنداتي روي في طرح روايتها الثانية، التي تم الإعلان عنها أول مرة عام 2011، قالت ببساطة: "إن الأمر ليس بهذه السهولة، الفارق بين كتابة الخيال وغيره هو الفارق بين الحاجة الملحّة العادية وبين الخلود".
تبدو رواية "وزارة السعادة الكبرى" كأنها كرنفال من الشغب، وتعبير أدبي عال عن التضامن
"وزارة السعادة الكبرى" هي قصة مترامية الأطراف – كما وصفتها أرنداتي روي - مليئة بالألوان والصور لامرأة اسمها أنجيوم، متحولة جنسيًا، الأمر الذي يُعرف في الهند باسم "هاجيرة". تترك أنجيوم بيتها وهي طفلة لتعيش في مجتمع خاص من الـهاجيرات في إحدى الخرائب القديمة لمدينة دلهي، هربًا من مجتمع ينبذ المتحولات. لاحقًا تقوم أنجيوم بمغادرة مجتمع الهاجيرات بعد حدوث مذبحة، وتبدأ بمواجهة العالم. تتخذ من فناء إحدى القبور بيتًا لها، وشيئًا فشيئًا تبني غرفة للضيوف، حتى يصبح البيت الذي بنته بيتًا لكل المنبوذين والمستبعدين: للهاجيرات، والمدمنين، والأطفال المنبوذين، ولزينب اللقيطة التي سوف تقوم أنجيوم فيما بعد بتبنيها.
اقرأ/ي أيضًا: 5 روائيين يجيبون عن سؤال: كيف تكتب رواية؟
تبدو "وزارة السعادة الكبرى" وكأنها كرنفال من الشغب، وهي تعبير أدبي خيالي عن التضامن والاحتواء. تقول أرنداتي روي: "إن القصة تدور حول تصنيف الناس الذي يمنعهم من التضامن فيما بينهم، لأنه حتى في أدنى طبقات المجتمع هناك تقسيمات وتصنيفات فرعية، وهو أمر شارك الجميع في ابتداعه، هي سياسة صنعت الطبقة والطائفة والعرق لكي تحكم العالم"، وتضيف: "إن البطلة حين تم القبض عليها أطلق صراحها لأنها متحولة، فهي خارج التصنيف بالنسبة للمجتمع و القانون، وهي بذلك تتفرج عليه، وتفتح دار ضيافتها للجميع".
اقرأ/ي أيضًا: