إن سألت المغاربة، المنتمين إلى طبقة اجتماعية بسيطة، عن أحلامهم، ستجد واحدة منها امتلاك سكن لائق، للبدء في تأسيس حياتهم وحماية أبنائهم من التشرد. وكي نعرف أهمية امتلاك شقة في ذهنية المغاربة، يكفي فقط أن نعلم أن المغاربة يشبهونها بـ "قبر الحياة". وشروط امتلاك مسكن خاص للمغاربة تواجهها الكثير من العراقيل، خاصة لدى الأسر المتوسطة الدخل أو الفقيرة، هذه المشاكل التي قد تتحول مع بداية كل شهر إلى حلم مزعج ينغص حياة أسرة بكاملها، بعد أن تقول الأقساط والفوائد البنكية كلماتها الصارمة والتي لا ترحم أبدًا.
شراء شقة في المغرب أشبه بمجازفة العمر ومحاولة شاقة للاستقرار
فقد صار امتلاك شقة، مهما كانت بسيطة هاجس المغاربة اليومي، سرعان ما يتحول إلى كابوس شاق. تقول نعيمة، وهي سيدة في الخمسين من عمرها، لـ"الترا صوت" إنها "لا تحلم سوى بامتلاك "قبر الحياة" لحمايتها من التشرد". السيدة، التي قضت عشرين سنة في دفع ثمن الإيجار، وما يترتب عنه من عدم استقرار وانتقال من بيت إلى آخر، حسب مزاج المستأجر، الذي يطلب استلام شقته فور انتهاء العقد، الذي يربط بينه وبين نعيمة وأبنائها الثلاث.
نعيمة التي أنهكها العمل داخل المنازل، من تنظيف وجلي الصحون، ندمت كثيرًا في عدم اتخاذها سابقًا قرار امتلاك شقة من شقق السكن "الاقتصادي" أو "الاجتماعي". فالأمر بالنسبة لها سيان، ثمن الإيجار التي تدفعه عند حلول الشهر هو نفسه قد تدفعه أقساطًا للبنك وفي الأخير قد تحصل على شقة عوض حياة التشرد التي تعيشها، لكن خوفها من القرض وما يترتب عنه من مشاكل لا تعد ولا تحصى صعب عليها اتخاذ القرار حتى فات الآوان، على حد تعبيرها.
إقرأ/ي أيضًا: في المغرب.. طلبة مشرّدون
لكن ربيع، الشاب في الخامسة والعشرين من عمره، لديه كل الفرص للحصول على شقة، فمع انتشار إقامات السكن الاقتصادي، يعتقد أن معضلة السكن تم تفكيك طلاسمها. الشاب رب أسرة تتكون من زوجة وابنة، يعمل موظفًا في إحدى شركات الخاصة. اشترى شقة في إطار مشاريع السكن الاقتصادي بمساعدة قروض السكن. كان يكفي أن يدفع بعض الأقساط البسيطة للشركة المكلفة بهذا النوع من السكن، ليقترض باقي المبلغ من البنك، وهو ما يجعله يدفع مبلغًا يفوق بكثير ما تعادله شقة، أحيانًا لا تتعدى مساحتها 45 مترًا، ليدخل في متاهات أخرى بدءًا من مدة سداد القرض إلى احتمالية حجز البنك على الشقة في حال تأخره عن سداده.
يقول ربيع في مقابلة مع "ألترا صوت" إنه من المفروض أن الدولة تشجع على هذا النوع من القروض لمساعدة المواطنين على إيجاد شقة، وتشجيعهم ومساعدتهم على تحمل تكاليف توفير مسكنهم الخاص، لكن القلق النفسي الذي يسببه قرض السكن، بالإضافة على الفوائد المترتبة عنه، والتي ينبغي علينا دفعها كل شهر، تنغص علينا حلاوة العيش"، وفق ما يقول.
تعاني معظم الشقق المقسطة في المغرب من عيوب وتستوجب إصلاحًا يكلف الكثير
كثيرًا ما نسمع عن أسر تشردت بسبب عدم تسديها الأقساط اللازمة، خصوصًا وأن مدة الأقساط قد تتراوح بين عشرين أو خمسة وعشرين سنة، في حين لا يزال البعض يحاول تدبير المبلغ كل شهر، والذي يكون غالبًا حسب متطلباته الشخصية من احتياجاته واحتياجات أسرته.
لكن بالرغم من كل هذا، أزمة السكن في المغرب لا تقف فقط عند حدود مشاكل القرض، يقول ربيع: "عندما تستلم شقة، تجدها تحتوي على الكثير من العيوب، تستوجب قرضًا آخر لإصلاحها، أنت تشتري فقط جدرانًا، لكن يجب عليك بعد ذلك تبليطها أو تغيير "زليج" الأرضية، أو المطبخ وخشب الخزائن والغرف وأشياء أخرى". يحكي لنا ربيع أيضًا عن جاره، الذي استلم الشقة مخالفة عن تلك الموجودة في "الجذاذات الإعلانية"، التي يحرص العقاريون على تزيينها وتسويقها للزبون، الذي همه الشاغل هو الحصول على شقة لائقة.
اختلالات متعددة تشوب السكن الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، دفعت "الشبكة من أجل السكن اللائق"، إلى الدفاع عن حقوق المستهلك في هذا المجال وتوجيه انتقادات للدولة في تعاملها مع هذا النوع من السكن. فحسب الشبكة ومن خلال تصريحات إعلامية لها، أنه "يحق للزبون رفع دعاوى قضائية ضد الجهات المعنية لمتابعتها حتى تسلمهم شققًا وفق المعايير، التي تم الاتفاق عليها في بند البيع".
أما في حالة وجود عيوب في الأسلاك أو طلاء الشقة أو غيرها، فتدعو الشبكة إلى متابعة العقاري حتى تسليم شقة وفق ما تم الاتفاق عليه في عقد البناء، وتدعو إلى تقنين عقود البيع بين العقاري والزبون، مع ضرورة تحديد المدة الزمنية للتسليم واحترامها من كلا الجانبين.
إقرأ/ي أيضًا:
المغرب.. الحوار الاجتماعي لم يحسم بعد!
افتتاح أول عيادة مجانية في المغرب