17-أبريل-2024
تتواصل الجرائم في حرب السودان، وبعد مرور عام عليها تتصاعد وتتركب هذه الجرائم، بحيث تدخل إليها أسلحة جديدة، أبرزها في الآونة الأخيرة تدمير وإحراق القرى. يترافق ذلك، مع تنظيم فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي مؤتمرًا إنسانيًا دوليًا للسودان وجيرانه اليوم في باريس في الذكرى السنوية الأولى للحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة".

(تويتر) حرائق القرى ليست سوى جانب واحد من حرب طاحنة أجبرت أكثر من 8 ملايين شخص على الفرار من منازلهم، وهي أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، وملايين آخرين على حافة المجاعة

نظمت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي مؤتمرًا إنسانيًا دوليًا للسودان وجيرانه، اليوم الأربعاء، في العاصمة الفرنسية باريس في الذكرى السنوية الأولى للحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة". وتزامن ذلك مع تقارير تتحدث عن تصاعد جرائم الحرب في السودان، وبروز سلاح إحراق وتدمير القرى.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، خلال المؤتمر، إن السودان يعاني من  "أسوأ أزمة نزوح للأطفال في العالم"، وأضافت أنالينا بيربوك "ما نشهده في السودان هو أسوأ أزمة نزوح للأطفال في العالم"، مشيرةً إلى أن السودان و"في العديد من بلداننا، مع دخول الحرب عامها الثاني، فهي غائبة عمليًا عن أخبارنا اليومية".

وأوضحت الوزيرة الألمانية: "كل حياة لها نفس القدر من الأهمية، سواء في أوكرانيا، أو في غزة، أو في السودان".

وقالت: "على المجتمع الدولي أن يقدم المزيد لشعب السودان ولأطفال السودان"، مشيرة إلى أن ألمانيا ستقدم مساعدات ثنائية بقيمة 244 مليون يورو للسودان بالإضافة إلى دعمها من الاتحاد الأوروبي.

قالت منظمة إنقاذ الطفولة: "في أول 105 أيام من عام 2024، كان حجم الأموال التي تم جمعها من أجل الأزمة الإنسانية في السودان أقل من خمس ما تم التعهد به في يومين فقط لإعادة بناء كاتدرائية نوتردام في باريس"

وأعرب وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، عن تضامنه مع الشعب السوداني ونقل إحساسه بالحاجة الملحة لتعبئة المجتمع الدولي وتوفير المزيد من التمويل للمساعدات الإنسانية. وقال المفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، يانيز لينارسيتش، إن "أول شيء يتعين علينا القيام به هو التأكد من عدم نسيان السودان".

وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن الحرب في السودان "أثارت أسوأ أزمة إنسانية في العالم" و"علينا أن نضع حدًا لهذه الكارثة التي من صنع الإنسان". كما قدم قائمة من خمس نقاط للأولويات، بما في ذلك التوصل إلى هدنة إنسانية. وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المانحين تعهدوا بتقديم أكثر من ملياري يورو للسودان.


اقرأ/ي: عقوبات أمريكية.. حصار ناعم لحرب السودان

تصاعد المعارك في الفاشر والجيش يتقدم


من جانبها، فرضت بريطانيا عقوبات جديدة على الشركات المرتبطة بتمويل الأطراف المتحاربة في السودان. كما أعلنت كندا فرض عقوبات على ستة أفراد وكيانات بتهمة تقويض السلام والأمن والاستقرار بشكل مباشر أو غير مباشر في السودان.

بدورها، قالت مديرة قسم القرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش، ليتيسيا بدر، إن "اجتماع المانحين في باريس بشأن السودان بحاجة إلى تمويل الاستجابة الإنسانية التي تعاني من نقص الدعم بشكل مخزٍ، بما في ذلك إيجاد طرق مبتكرة لدعم المستجيبين المحليين".

وقالت منظمة إنقاذ الطفولة: "في أول 105 أيام من عام 2024، كان حجم الأموال التي تم جمعها من أجل الأزمة الإنسانية في السودان أقل من خمس ما تم التعهد به في يومين فقط لإعادة بناء كاتدرائية نوتردام في باريس".

وقال المدير القُطري لمنظمة إنقاذ الطفولة في السودان عارف نور، إنه "من المذهل أنه بعد الحريق الذي لم يمت فيه أحد، تحرك المانحون من جميع أنحاء العالم للتعهد بتقديم الأموال لترميم كاتدرائية نوتردام. وفي الوقت نفسه، يُترك الأطفال في السودان ليتدبروا أمرهم مع احتدام الحرب من حولهم، وتزايد المجاعة والمرض، وظل جميع الأطفال في البلاد تقريبًا خارج المدرسة لمدة عام".

وأضاف: "لم يكن هناك أي جهد عالمي جماعي لحماية الأطفال في السودان، والآن نواجه حقيقة صارخة مفادها أن الناس يهتمون بالمبنى أكثر من اهتمام 14 مليون طفل. كفى الجلوس على السياج". وأوضح أن الأطفال والأسر في السودان بحاجة إلى قادة للالتزام بمزيد من التمويل اليوم.

وحذر محمد قزلباش، المدير القُطري لمنظمة بلان إنترناشونال سودان، من أن "عدد الأطفال النازحين قسرًا من السودان الآن أكبر من أي دولة أخرى، وهذا العدد يتزايد كل يوم".

وأضاف: "هؤلاء الأطفال يفقدون أسرهم، ولا يستطيعون الحصول على الغذاء والماء بشكل متزايد، ولم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة لمدة عام. ومع استمرار تدهور الوضع، فإننا ندعو بشكل عاجل إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية في جميع أنحاء السودان، وزيادة الدعم المالي لتلبية المستوى الهائل من الاحتياجات في المنطقة، والتزام المجتمع الدولي بتقديم دعم فوري وطويل الأجل للعمل الجماعي وبناء مستقبل أفضل للسودان. وبعد عام من الصراع والكوارث، لا يمكننا أن نسمح للسودان بأن يصبح حالة طوارئ أخرى منسية".

وقالت منظمة أطباء بلا حدود اليوم عن الوضع في السودان: "إن منع السلطات السودانية وصول المساعدات إلى بعض المناطق أدى إلى تقييد وصول المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بالنسبة للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى الرعاية الصحية".

وأوضحت المنظمة: "نحث الأطراف المتحاربة على السماح بوصول المساعدات الإنسانية، كما نحث الأمم المتحدة والمنظمات على تكثيف استجابتها على الفور".

وتقول هيومن رايتس ووتش: "توقفوا عن التمني"، ودعت إلى اتخاذ إجراءات بشأن السودان.

وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إنه "لا يزال هناك وقت لتجنب الأسوأ" ولكن المطلوب هو وصول المساعدات الإنسانية، وممرات إنسانية، ووضع حد للهجمات على الصحة، وتوفير التمويل لتلبية الاحتياجات الصحية الهائلة.

إحراق القرى

وفي سياق آخر، ارتفع عدد القرى في السودان التي دمرت أو لحقت بها أضرار جسيمة بسبب الحرائق بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، مما يشير إلى أن الصراع في البلاد يتصاعد مع دخوله عامه الثاني.

وكشفت بيانات الأقمار الصناعية أن عدد القرى السودانية التي أحرقت في آذار/مارس ارتفع إلى 30، وهو أعلى إجمالي شهري يتم تسجيله منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل الماضي.

ويؤكد التحليل الذي أجراه مركز مرونة المعلومات (CIR) ومقره لندن، القلق المتزايد من أن الحرب في السودان تتصاعد بشكل مطرد، حيث دمرت النيران أو تضررت 22 قرية في شباط/فبراير، ودُمرت 10 قرى في كل من كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر.

وقالت أنوك ثيونيسن، رئيسة فريق المحققين في السودان بمركز العلاقات الدولية، إن البيانات ترسم "تطورًا مقلقًا" في سياق الحرب.

وتقع معظم القرى التي دمرتها الحرائق مؤخرًا في دارفور في غرب السودان حيث تم استهداف 17 قرية الشهر الماضي.

وكان من بينها مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور ومسرح القتال المتصاعد مع محاولة قوات الدعم السريع الاستيلاء على المدينة.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أشارت التقارير إلى أن 40 ألف شخص في الفاشر فروا من منازلهم بعد أن داهمت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها القرى الواقعة على المشارف الغربية للمدينة، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا على الأقل. وقد اتُهمت قوات الدعم السريع بالتطهير العرقي، فضلًا عن الاغتصاب وأعمال النهب والعنف ضد قبيلة المساليت في جميع أنحاء دارفور.

وسعى مئات الآلاف من النازحين إلى اللجوء حول الفاشر، مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى التحذير، يوم الإثنين، من العواقب الإنسانية الوخيمة إذا تدهورت الأوضاع أكثر.

واستخدم مركز مرونة المعلومات، وهي هيئة بحثية تمولها الحكومة البريطانية جزئيًا، تقنية ناسا للتعرف على الحرارة لتحديد الحرائق وصور الأقمار الصناعية للكشف عن الدخان والمباني المحترقة. ثم تمت مطابقتها مع الصور من وسائل التواصل الاجتماعي التي تم تحديد موقعها الجغرافي باستخدام الخرائط والصور.

وقال محللون في مركز مرونة المعلومات إن الغارات الجوية التي شنها الجيش السوداني كانت الدافع المحتمل وراء تصاعد الحرائق، حيث أنها تستهدف المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.

وقال ثيونيسن: "في الأشهر القليلة الماضية، شهدنا زيادة في التقارير عبر الإنترنت عن الغارات الجوية على القرى. على الرغم من أننا لم نتمكن من التحقق من هذه الهجمات، فقد أكدنا تزامن الحرائق مع هذه التقارير عن الغارات الجوية، والأضرار التي لحقت بالمنازل والمباني بما يتوافق مع الذخائر الملقاة جوًا". كما ارتفع بشكل حاد عدد "أحداث الحرائق" وهي حرائق منفصلة كبيرة في مكان واحد.

وكان شهر آذار/مارس هو أعلى إجمالي شهري منذ أيار/مايو الماضي، عندما تم تسجيل 39 حريقًا وعندما اتسع نطاق الصراع في السودان بشكل كبير، أشعلت قوات الدعم السريع النار في عدة قرى في دارفور، بما في ذلك تدمير بلدة مستيري، موطن الآلاف من المساليت.

وقال ثيونيسن: "منذ اندلاع النزاع في نيسان/أبريل الماضي، يبدو أن النار أصبحت سلاحًا في الحرب، مما أدى إلى نزوح جماعي. لقد رأينا أكثر من مائة قرية تضررت أو دمرت بسبب الحرائق، بعضها في أكثر من مناسبة".

وكانت إحدى القرى التي تضررت مؤخرًا بسبب النيران، التي يرجح أن تكون ناجمة عن غارة جوية شنها الجيش السوداني، هي مدينة الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور.

وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، تُظهر اللقطات التي تم التحقق منها من قبل مركز مرونة المعلومات من ليلة 20 شباط/فبراير 2024 حرائق في ثلاثة مواقع مختلفة، مع صور في صباح اليوم التالي تشير إلى تأثير الشظايا والجثث المتفحمة. وكانت صحيفة "الغارديان" قد ذكرت سابقًا أن الجيش استهدف الضعين في 20 شباط/فبراير.

ومن بين أحدث الحرائق التي تم التحقق منها من قبل مركز مرونة المعلومات، الحرائق التي اندلعت في ولاية غرب كردفان، وهي ولاية متاخمة لشرق دارفور، حيث أضرمت النيران في خمس قرى خلال الأيام القليلة الأخيرة من الشهر.

ارتفع عدد القرى في السودان التي دمرت أو لحقت بها أضرار جسيمة بسبب الحرائق بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة

وحرائق القرى ليست سوى جانب واحد من حرب طاحنة أجبرت أكثر من 8 ملايين شخص على الفرار من منازلهم، وهي أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم، وملايين آخرين على حافة المجاعة.

وفي وقت سابق، كشفت صحيفة "الغارديان"، إن وزارة الخارجية البريطانية تجري محادثات سرية مع "قوات الدعم السريع".

وأوضحت الصحيفة أن الأخبار التي تفيد بأن الحكومة البريطانية منخرطة في مفاوضات سرية مع "قوات الدعم السريع"، المتهمة بارتكاب جرائم تطهير عرقي في السودان، أثارت مخاوف وتحذيرات من أن تُضفي هذه المحادثات الشرعية على المجموعة المسلحة، وأن "تقوّض مصداقية بريطانيا في المنطقة".

ووصفت إحدى منظمات حقوق الإنسان استعداد لندن للتفاوض مع "الدعم السريع" بأنه "صادم"، نظرًا للجرائم التي ترتكبها الأخيرة وتشمل القتل والاغتصاب والتطهير العرقي ضد الأقليات الأفريقية في السودان، مثل قبيلة المساليت في إقليم دارفور غرب البلاد.