"يوميات رجل ميت" (مؤسّسة ترجمان للترجمة والنشر، 2018) رواية مسرحيّة للروائيّ الروسيّ الشهير ميخائيل بولغاكوف (1891 – 1940)، تشارك في ترجمتها كلٍّ من عياد عيد وتحسين رازق عزيز.
في "يوميات رجل ميت"، يضعنا ميخائيل بولغاكوف إزاء حكاية روائيّ ترفض المجلّات ودور النشر نشر مخطوطته
رواية "يوميات رجل ميت" التي أخذت عناوين مختلفة منذ بدأ ميخائيل بولغاكوف بكتابتها وحتّى انتهائه منها، أخذت شكلًا أدبيًا قريبًا من السيرة الذاتيّة. ولذا، جاءت أحداثها على شكل مذكّرات ورسائل متسلسلة، عنونها ميخائيل بولغاكوف بدايةً بـ "رسائل إلى صديقتي السريّة". وفي هذه الرسائل، يسرد صاحب "المعلّم ومرغريتا" تفاصيل وأجزاء من حياته الشخصيّة، ولا سيما تلك المتعلّقة بحياته الأدبيّة، إذ أخذ يشرح بإسهاب الكيفية التي نجح عبرها في أن يكون كاتبًا مسرحيًا، مٌسلّطًا بذلك الضوء على محطّات ذات أهميّة في حياته.
أضاف ميخائيل بولغاكوف لاحقًا إلى رواية "يوميات رجل ميت" قصّة جديدة حملت الرواية آنذاك عنوانها "يوميات رجل ميت". هنا، يكتب صاحب "مورفين" كما لو أنّه يكتب عن نفسه، إذ إنّ شخصيّة "ماكسودوف" تبدو قريبةً من شخصيّة الكاتب نفسه، أي بولغاكوف. ويبدو ذلك جليًّا بعض الشيء في يوميات ماكسودوف التي نهضت عليها "يوميات رجل ميت". وفي هذه اليوميّات، يضعنا ميخائيل بولغاكوف إزاء حكاية روائيّ تُرفض المجلّات ودور النشر نشر مخطوطته، ليعترف إلى نفسه بالنهاية بأنّه كاتب فاشلٌ ولا يستطيع أن يتقن فنّ كتابة الرواية. سوف يقوده اعترافه هذا إلى التفكير جديًّا بالانتحار ليضع حدًّا لفشله، وذلك عبر بندقية صوّب فوهتها إلى جبهته، قبل أن ينقذه ناشر طرق باب منزله من أجل مخطوطته تلك.
اقرأ/ي أيضًا: الشيطان مرّ بموسكو
تضمّنت رواية "يوميات رجل ميت" نقدًا مبطنًا للسلطات الشيوعيّة. كما تضمّنت أيضًا تفاصيل عن الرقابة المفرطة التي كان يتعرّض لها بولغاكوف، والتي حظرت غالبيّة أعمالها ومنعت نشرها. عدا عن أنّها ضمّت أيضًا قصصًا مختلفة، كـ "نار الخان" و"ذكرى" و"في المقهى"، والتي جاءت جميعها على ذكر ما كابده الشعب الروسيّ بفعل الثورات والحروب الأهليّة والمتغيّرات الاجتماعيّة.
جدير بالذكر أنّ ميخائيل بولغاكوف واحدًا من روّاد الرواية الروسيّة، وقد لاقت أعماله الأدبيّة والمسرحيّة رواجًا وحفاوةً في الأوساط الأدبيّة الروسيّة قبل أن تحظر السلطات السوفياتيّة غالبية أعماله بفعل ما طالها من سخرية ونقدٍ لاذعين اتّسمت بهما أعمال ميخائيل بولغاكوف، ولا سيما عمله الأوّل "الحرس الأبيض" الذي صدر سنة 1925.
مقطع من قصّة "ذكرى"
تجولت خلال يومين في جميع أنحاء موسكو، وتخيلوا، وجدت مكانًا للسكن. ولم يكن رائعًا بالخصوص، ولكنه أيضًا ليس أسوأ من الأماكن الأخرى: كما إني تسلمتُ أيضًا جريشًا وحصلتُ على راتب كذلك في كانون الأول/ ديسمبر عن شهر آب/ أغسطس. وبدأت أشتغل بالوظيفة. وهنا برزت أمامي مسألة بأقبح صورها حول الغرفة، الإنسان يحتاج إلى غرفة. ومن دون غرفة لا يمكن للإنسان أن يعيش. حصلت بدلًا عن معطفي الجلدي على معطف ولحاف وغطاء مائدة وسرير. لكنه لم يمنحني بديلًا عنه غرفةً، وكذلك الحقيبة. فالحقيبة كانت صغيرة جدًا. إضافة إلى أنها لا يمكن أن تُدَفِّئ. ومع ذلك بدا لي أن ليس من اللائق لشخص موظف أن يعيش في حقيبة.
توجهت إلى قسم الإسكان ووقفت في الدور ست ساعات. في بداية الساعة السابعة دخلت، في طابور من الناس المشابهين لي، إلى المكتب حيث قيل لي أني أستطيع استلام الغرفة بعد شهرين. وبما أنّ في الشهرين ستين ليلة تقريبًا، فقد انشغلتُ بمسألة أين سأقضي تلك الليالي. خمس من هذه الليالي، على كل حال، كان يمكن إسقاطها: فلديَّ خمس عائلات من المعارف في موسكو. نمتُ مرتين على أريكة في الدهليز، ومرتين على الكراسي، ومرة على موقد الغاز. وفي الليلة السادسة ذهبت للمبيت في شارع بريتشيستينسكي المشجر. فالشارع هذا جميل جدًا، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن لا يمكن المبيت فيه أكثر من ليلة واحدة في هذا الوقت.
اقرأ/ي أيضًا: