السيرة الذاتية أم السيرة الشخصية؟
لم تزل تسمية "السيرة الذاتية" قائمة ومتداولة في الأوساط الأدبية كدلالة عن تلك الروايات التي يتحدث كاتبها عن شخصيته، وتتحرك هذه الشخصية وفقًا لتلك التحركات الخاصة به في زمان ومكان محددين، حسب معطيات السرد والحدث وبقية الشخصيات وما يريد قوله.
لنسمّي رواية السيرة الذاتية برواية السيرة الشخصية، كي لا ننفي الذات عن الرواية التي لا تتحدث عن صاحبها
بينما الرواية التي يكون الروائي خارج تلك الأحداث فلا يمكن أنْ نُطلق عليها تسمية السيرة الذاتية حسب ما هو شائع في الأوساط كما أسلفنا، وبذلك نستطيع تقسيم الرواية في هذا الشأن إلى رواية ذاتية ورواية غير ذاتية. وهنا نستطيع أنْ نتساءل عن الفرق بينهما من خلال التسمية، وسنجد أنّ الأمر يتعلق أولًا بما هو ذاتي وغير ذاتي، و إذا اعتبرنا أنَّ التسمية صحيحة فيما يخص تسمية "رواية السيرة الذاتية"، فماذا نستطيع أنْ نقول عن الرواية التي ليست رواية سيرة ذاتية؟
معظم الفلاسفة عرفوا الذات بأنها تقوم على التفكير والحس الداخلي العميق، والرواية بطبيعة الحال تقوم على هذين العنصرين، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الأدوات الفنية الخاصة ببناء الرواية بقسميها.
الذات هي التي يحاول صاحبها الوصول بها إلى ما يصبو إليه من خلال الرواية، وما يجب أن يكون عليه، بينما الشخصية هي مجموعة عوامل أقرب إلى الحياة وظروفها، لذلك يمكننا تسمية الرواية التي تتحدث عن كاتبها "السيرة الشخصية" بدلًا من "السيرة الذاتية" وذلك لسبب جوهري يتعلق بالنوع الآخر من الرواية التي لا تتحدث عن كاتبها، والتي تسُمى "رواية غير ذاتية"، والحقيقة أنّ الروايتين تقومان على الذات، سيما النوع الآخر الذي لا يتحدث عن كاتبها، فالذات حاضرة في الحالتين، لذلك نستطيع القول إن رواية السيرة الذاتية هي رواية السيرة الشخصية، كي لا ننفي الذات في النوع الآخر من الرواية التي لا تتحدث عن صاحبها، لكن ذاته حاضرة وهي التي تقود الرواية سواء كانت ذاتية أو غير ذاتية.
مبررات الكاتب بين الشخصية والقارئ
تقوم شخصية روائية بفعل ما، ويقوم الكاتب بتقديم المبررات بعبارة ما أو سرد ما كي يوضح هذا الفعل، وقد يصل الأمر بالكاتب إلى الشرح من خلال حيلة فنية قد لا تخفى على القاريء، و بهذا الأمر يحطم الكاتب جوهر الفعل الذي قامت به الشخصية، فالعبرة لا تتعلق بالتبرير بقدر ما يتعلق الأمر بالفعل نفسه، فالكاتب أمام خيارين، إمّا أن يكون هذا الفعل يتوافق مع الشخصية أو لا، وفي الحالتين لن يجدي التبرير أو الشرح نفعًا لهذا الفعل، وقد يلجأ الكاتب لهذا التبرير لسبب آخر يتعلق بالسرد وبنقل الفعل إلى فعل آخر كي يحظى ببناء درامي للشخصية، ولكن العنصر الجمالي يبدو حاضرًا حين يكون السرد ما بين الفعل وطبيعة الشخصية متوافقين، ويكون هذا السرد سبرًا أو رؤية خاصة بعين الكاتب لهذا الفعل، وهنا تبدو ذاتية الكاتب حاضرة.
الذات ما صاحبها الوصول بها إلى ما يصبو إليه من خلال الرواية، بينما الشخصية هي مجموعة عوامل أقرب إلى الحياة وظروفها
من جهة أخرى نستطيع أنْ نترك تلك المبررات للقارئ، كي نترك مساحة يُطلق عليها أغلب الناس مصطلح "ما بين السطور" وكذلك مساحة خيال القاريء في الأمور الصعبة، وبديهيات الأمور في الأشياء السهلة.
الحيوانات في الرواية
تكاد لا تخلو رواية من وجود بعض الحيوانات الأليفة بين طياتها، كلاب أو قطط أو أحصنة، ويقوم الروائي عادةً بطرح بعض أسرار وعوالم شخصياته مستندًا على علاقة الشخصية بحيوان ما، وبهذه اللعبة الفنية يتخلص الروائي من شخصية غير مكتوبة، وكأنه قتل شخصية كان من الممكن أنْ تكون حاضرة لهذه الوظيفة بدلًا من الحيوانات، ولكن الإشكالية تكمن في رصد أفعال هذه الشخصية فيما لو كانت بدلًا من الحيوان، ومن جهة أخرى ساعد وجود الحيوانات في فن الرواية لخلق مونولوجات عديدة، قد تكون صوتية أو سلوكية أو صامتة، ولقد خلقت الحيوانات مساحات فنية للروائي يمرر من خلالها بعض ما تقتضيه الشخصية أو ما يقتضيه حدث ما.
اقرأ/ي أيضًا: