15-سبتمبر-2023
حفل زفاف في المنوفية

(Getty) حفل زفاف في المنوفية

ربما لا يختلف أحد معي في أن مواقع التواصل الاجتماعي قد أتاحت لنا مشاهدة لحظات لم نكن لنشاهدها قبل ظهورها، فتلك المواقع تجعلك بينما تمسك بهاتفك الصغير تشارك العالم أفراحه وأتراحه، حتى وإن كنت في بلاد العرب وكانوا في حارات بوينس آيرس. حتى لحظات الميلاد والموت، وكل اللحظات ذات الخصوصية التي كانت تطوى بين جدران البيوت صارت مشاعًا بظهور تلك المواقع، ومن اللحظات التي صادفت فتاة جميلة تسأل عن إحساسها يوم خطبتها بمن تحب فتجيب بأعراض مرضية.

على عكس الصورة الزائفة التي يتخيلها من لم يجمعهم القدر بمن يحبون، فأيام الخطبة والزفاف تكون مدعاة للتوتر والقلق أكثر منها للفرح. فكرة أن يجمع القدر بينك وبين من تحب هي فكرة بهيجة تنشد لها الأهازيج، ولكن تعاطي أجسادنا مع هذه الفرحة قد يظهر بصورة عكسية، لفرط المعاناة التي تكبدناها بغاية الوصول إلى تلك اللحظة، وللخوف من أي كدر قد يعكر صفو اليوم الحالم.

هي الحياة ذات الوجهين فلا حزن كامل ولا فرح دائم، بين هذا وذاك نتقلب، من حزن إلى فرح، ومن عناء إلى راحة، ولكن لا شيء في هذه الحياة جميل كأن يجمع القدر بينك وبين من تحب

في إحدى الجولات اليومية بعالم الإنترنت، ولحسن حظي ظهرت لي صورة لشاب وفتاة في مقتبل العمر وهما يحتفلان بمراسم خطبتهما. الحب ليس كالأوراق الرسمية، لأنه لا يعرف التزوير، وهو ما تراءى لي من أول نظرة إلى الصور التي تجمع بينهم، إذ رأيت الحب ينهمر من أعينهما كالمياه من الشلال إلى الجداول في خفة غنّاء. الفتاة جميلة بحق، بملامحها البسيطة والحادة في آن، والشاب هو أسعد رجل في العالم اليوم كما تخبر قسمات وجهه، يبدوان في منتصف العشرينات، عمر مناسب جدًا للحب والأحلام.

عقب ظهور الصور التي يقفان فيها أمام مقعد العروسين المزخرف، ظهر مقطع صغير لا يتعدى ثوانٍ عشر ربما، صديقة للعروس تسألها عن إحساسها، فتجيب بأن بطنها تؤلمها للحد الذي يجعلها ترغب في القيء، وعينها تفيض بالدمع، وجسدها يرتعش، وليست قادرة على الوقوف، ليظهر من كلامها الصادق الوجه الآخر للحب، الوجه الذي يجعلنا نحب العالم ونهابه في ذات اللحظة، تلك فتاة منا ونحن منها.

الفتيات في بلادنا المأزومة يخفن من كل شيء، حتى الحب يخيفهن. تلك المرأة الجميلة التي تحب وفي طريقها للزواج بك قد تواجه العالم بجسارة الأسود بينما تختبئ في غرفتها آخر الليل لتذرف كمًا هائلًا من الدموع. تلك العروس البهية كانت فرحة بالطبع، لكن أجساد النساء قادرة على تحويل الفرح إلى حزن ودموع، ولهن في ذلك قدرة عجيبة لا ينافسهن فيها أحد.

التوتر الذي سيطر على الفتاة ربما يكون منبعه خوفها من أن كل العيون تترقبها بينما تجلس على مقعد العروس، وقد يكون ما أصابها نابعًا من رغبتها في أن يمر اليوم بسلام، وقد يكون رعبًا من الحياة ذات المسؤولية التي ستنقلها إلى راعية منزل، ستكون مسؤولة فيه عن كل التفاصيل.

الجميل في الأمر أن المشاعر ها هنا صادقة، هذه فتاة منا ونحن منها، تمشي في شوارعنا وتأكل مما نأكل، من أسرة كأسرنا تحتل مقعدًا في الطبقة الوسطى المتآكلة، ابنه مدينة من مدننا المزدحمة ذات الغبار والجمال المختبئ خلف عبق المباني التاريخية والمقاهي القديمة، على عكس أولئك الأغنياء الذين تظهر أفراحهم كأنها حفلات نهاية العالم. تمت الخطبة بأقل التكاليف في منزلها، ولكنها تحمل من الصدق والحب ما لا يقدر جناة الأموال على ثمنه.

هي الحياة ذات الوجهين فلا حزن كامل ولا فرح دائم، بين هذا وذاك نتقلب، من حزن إلى فرح، ومن عناء إلى راحة، ولكن لا شيء في هذه الحياة جميل كأن يجمع القدر بينك وبين من تحب.

بائسون أولئك الذين لا يجدون حضنًا بطعم الحب يكتنفهم آخر كل يوم.