كان القرن العشرين مهمًا في شيوع ودراسة تاريخ الألعاب، ففي هذا القرن افتتحت مدينة ديزني لاند، كما اهتم علماء النفس باللعب، إذ تم نشر كتب عدة منها "نظرية الألعاب" و"سيكولوجية اللعب"، وفي عام 1938 أصدر يوهان هوتسينغا دراسته المتفردة القيمة "ديناميكية اللعب في الحضارات والثقافات الإنسانية".
درجة اللعب وشدته تقل في الحياة السهلة الخاملة الساكنة، وتزداد في الحياة المضطربة المزعجة والبائسة
لقد مثّل هذا التحول مقاربات مختلفة في تاريخ دراسة اللعب، لم تكن أي منها جديدة كل الجدة، مقاربة اجتماعية وأخرى نفسانية وثالثة تاريخية. أما المقاربة الوحيدة وهي الفسيولوجية، فلم تجر المحاولة لإخراجها إلا بعد مضي بعض السنوات على هذا التاريخ. غير أن علماء النفس ما زالوا يطبقون مناهج جديدة بالفعل، ويدعون الوصول إلى نتائج أثبت وأبقى من تلك التي وصل إليها العلماء في الماضي. والجدير بالذكر، أن أيًا من علماء النفس، باستثناء بعضهم، لم يكونوا يشتغلون على دراسة اللعب الخطر. رغم ذلك فقد كانت لنظرياتهم دور كبير في سلوك الأطفال. ومع أننا لا نجد إلا قلة ضئيلة من المهتمين باللعب ممن يعتمدون على علم النفس، فإن علماء النفس، قد ساهموا مساهمة كبرى في ثقافة اللعب الذي يشهده الجيل الحالي.
اقرأ/ي أيضًا: نظرية الألعاب كتفسير لداعش
لوحظ أن اللعب يتشكّل من وجود مجموعة من الصراعات والأحداث المؤلمة التي يتم توسيعها والتحكم بها عن طريق "التخيل" لجعلها ملائمة لمطالب الوجدان والعاطفة. حيث يهتم الإنسان دائمًا بشغل أوقات فراغه بالصور الخيالية، أو اللُّعَب التي تحقق له الشعور بالمتعة والإشباع. سبق اللعبُ العملَ في السلوك الإنساني. يرى ستانلي هول أن في أصل اللعب، كما في الأحلام، إسقاط غريزي يلخص ماضي الفرد. كان هول قد لاحظ في دراسته أن نشاطات اللعب تتسم بأنها أولًا حرة، وثانيًا إرادة تلقائية، لا ترغم الشخص على أدائها أية عوامل نفسية أو بيئية.
وحسمًا لهذه المسألة، كانت الأفكار والمقترحات التي تنتج حول الألعاب تحاول ترسيخ كون اللعب وسيلة لنمو الطفل جسديًا وفكريًا، وكونه أفضل منهج للتعليم. وقد اقترح بعض علماء النفس تمييز نشاطات الفراغ والإزاحة عن اللعب الحقيقي، لأن نشاط اللعب لا يرتبط بأهداف نوعية أو بضرورات بيولوجية، لكنه يحدث فقط حينما تكون هذه النشاطات قد أصبحت منفصلة عن الهدف الرئيس الضروري. فبعض النشاطات، التي عادة ما تسمى لعبًا، لها بعض علامات السلوك الضروري من الوجهة البيولوجية التي تحدث خارج سياق مفهوم اللعب.
حين يتحرر اللعب من الارتباط بأوقات الفراغ ولا يعود مقيدًا بوقائع العالم المادي الممل والتافه. تغدو الأشياء التي يعتمد عليها اللعب لإعادة تشكيل المتعة والمرح، لا وجود لها في الواقع وغير مستمدة منه.
لوحظ أن درجة اللعب وشدته تقل في الحياة السهلة الخاملة الساكنة، وتزداد في الحياة المضطربة المزعجة والبائسة. يسعى اللعب إلى تشكيل صورة مناقضة لحالة الفرد في الواقع. ونستطيع عن طريق معرفة الخصائص المميزة للعب فرد ما معرفة رغباته الخفية التي لم يشبعها ولم يستطع تحقيقها، حيث تصبح الإخفاقات المخيبة للآمال في اللعب إنجازات وانتصارات. وتتحول الجوانب السلبية في الواقع إلى جوانب إيجابية في اللعب، ويصبح ما يسبب الانزعاج في سلوك الفرد شيئًا مثاليًا في اللعب عن طريق عملية التعويض.
يصعب تحديد وإيجاد تفسير منطقي للشعور بالمتعة الذي يصاحب اللعب. أما بالنسبة إليه كمفهوم فلا يمكن اختزاله، فهو مفهوم غامض تمامًا، كما أنه مفهوم غير مفيد من الوجهة العلمية، إذ أنه يضم ألوانًا عديدة من السلوك التي ينبغي أن يدّرس كل منها منفردًا. فعلى سبيل المثال -وهو موضوعنا في الحقيقة- تجربة الرعب الذي غالبًا ما يكون مفجعًا ومحدثًا للصدمات، وقد يتسبب أحيانًا في أعراض خطيرة طويلة الأمد.
بالنسبة لهذه التجربة، هناك عدد متزايد من الأشكال التي يمكن للفرد أن يحفّزها، إلى الحد أننا نحتاج إلى تحديد المفهوم الكامل للعب ومصادره ومنابته. التقنيات الجديدة، في مجال الألعاب، تسمح بهذه التجربة، فهي تسهم في ترسيخ أن المتعة تكمن في الخطر أو الإحساس بالخوف.
ثمة استعمال آخر لهذا اللفظ -اللعب- أكثر تحديدًا، يوضع فيه مقابل ضروب أخرى من كيفيات اللعب، فيكون اللعب على النقيض من المرح والضحك أو التسلية، ولو أننا حكمنا على الأمور بالرجوع إلى نتائجها لكان في وسعنا القول إن هذه التفرقة غير موفقة على الإطلاق، بل تميل إلى إيقاع أصحابها في تلاعب بالمفاهيم بدلًا من أن تساعدنا على الإذعان للموضوع أو الاستسلام له، فلا نلبث أن نقصر التجربة على الإدراك الجزئي للمفهوم الكلي. ولو أننا فحصنا الحالات التي تستعمل فيها هذه الكلمة عادةً، بغض النظر عن المعنى العاطفي المباشر الذي سيق إلينا نجد أن من بين الدلالات الذي يشير إليها هذا اللفظ هو توافر النقائض بين معاني هذا المفهوم، على الرغم من وجود الإحساس نفسه وهو المتعة.
استحال مفهوم اللعب إلى العنف، وهكذا أصبح لفظ اللعب يستعمل لأغراض مختلفة، تشكل عائقًا في تحديد هذا المفهوم. ومن الأفضل أننا حين نستخدم هذا اللفظ في مجال التحليل أو التفسير أو للإشارة إلى السلوك الحيواني أو الإنساني، فإنه من الأفضل أن نواجه السلوك ذاته، أو أن نتعامل من التجربة نفسها.
يوجد اللعب حين يكون في الإمكان الاستمتاع به، كما أن في الإمكان تجربة ما هو جديد. ومعنى هذا أن التجربة والمتعة شيء لا غنى عنه
يوجد اللعب حين يكون في الإمكان الاستمتاع به، كما أن في الإمكان تجربة ما هو جديد. ومعنى هذا أن التجربة والمتعة شيء لا غنى عنه. والواقع، أن المادة التي يتركب منها اللعب، تنتمي إلى العالم المشترك، أكثر مما تنتمي إلى الذات الفردية.
اقرأ/ي أيضًا: الطفل الجزائري يتساءل: "أين حقي في اللعب؟"
في فيلم Funny Games تناول هانيكه موضوع العنف في أفلام الرعب. حين شدّد في الفيلم على تواطؤنا كجمهور، من خلال تفتيح أعيننا على حقيقة أننا نشاهد أحد العروض المقززة والمنفرة، لا لغرض سوى المتعة. هذا إذًا هو معنى تجربة الألعاب الخطرة والموجودة في مدن الملاهي الكبرى والمتمثلة بالديسكفري والأفعوانية وما شابههما. فالفيلم إنما يشير إلى طريقة مختلفة في النظر إلى أفلام الرعب والاستمتاع بها. واللعب الخطر هو المادة التي شُكلت على صورة حركية. ونجد ذلك جلياً في فيلم Final Destination 3، والذي يصور طالبة ورفاقها في مدينة الملاهي، حيث ينتهي اللعب بهم إلى خروج سكة الأفعوانية عن مسارها، وبالنتيجةإلى الموت. وهنا يجب أن أذكر، ليس هناك أية حالة يمكن أن تكون مثل درجة اتزان وسكون الموت، ففرويد افترض، بالإضافة إلى غريزة البقاء أو الحياة، غريزة أخرى تدفع الكائن نحو الموت والتدمير، وأن اللعب الخطر هو مظهر للتكرار الإجباري أو التكرار القهري.
اقرأ/ي أيضًا: