تخوض ألمانيا غمار مونديال قطر 2022 كأحد المرشحين للفوز بالكأس العالمية، رغم الظهور المخيب لها في روسيا قبل حوالي أربع سنوات، حين ودعت من دور المجموعات، وخروجها المُبكر من يورو 2020 عندما خسرت من إنجلترا بثنائية نظيفة في دور الـ 16.
تمتلك ألمانيا سِجلًا كبيرًا في نهائيات كأس العالم، حيث شاركت في 19 نسخة من أصل 21، وتمكنت من الوصول إلى ثمان نهائيات، حققت اللقب في أربع منها (1954، 1974، 1990، 2014)، وخسرت مثلها (1966، 1982، 1986، 2002) كأكثر منتخب حل وصيفًا في تاريخ البطولة، وأكثر من وصل للمباراة النهائيّة، كما يعتبر "المانشافت" أكثر منتخب وصل لنصف نهائي البطولة بـ 13 مرة، وهو الأكثر خوضًا للمباريات بـ 109 مباراة.
أول المتأهلين إلى مونديال قطر
المنتخب الألماني حجز مقعده في مونديال 2022، كأول المتأهلين بعد قطر البلد المستضيفة، وذلك باحتلاله صدارة المجموعة الثامنة بـ 27 نقطة وبفارق كبير عن مقدونيا الشمالية التي حلت ثانيًا بـ 18، تليها رومانيا ثالثًا بـ 17 نقطة، وأرمينيا رابعًا بـ 12 نقطة، وأيسلندا خامسًا بـ 9 نقاط. ولشتنشتيان سادسًا بنقطة واحدة فقط.
سجلت ألمانيا في التصفيات 36 هدفًا كثاني أقوى خط هجوم بعد إنجلترا (39 هدفًا)، وتلقت شباكِها 4 أهداف فقط كخامس أفضل دفاع خلف سويسرا (هدفان)، إنجلترا (3 أهداف)، الدنمارك (3 أهداف)، فرنسا (3 أهداف)، وهناك كرواتيا أيضًا دخل مرماها 4 أهداف.
أربعة ألقاب عالمية
غابت ألمانيا عن أول نسخة كأس عالم عام 1930 لعدم قدرتها تحمل تكاليف الرحلة البعيدة إلى أوروغواي، لكنها وفي أول مشاركة لها في مونديال 1934 ، حل المنتخب الألماني ثالثًا حيث تخطى كل من، بلجيكا (5ـ2)، السويد (2ـ1)، ثم خسر أمام تشيكوسلوفاكيا (1ـ3)، قبل الفوز على النمسا (3ـ2) في مباراة تحديد صاحب المركز الثالث.
وفي مونديال فرنسا 1938، ودع منتخب ألمانيا البطولة من الدور الأول (خروج المغلوب مباشرة) بعد خسارته من سويسرا بركلات الترجيح، ثم تخلفت عن المشاركة في مونديال 1950 بالبرازيل بسبب الظروف السياسية ومخلفات الحرب العالمية الثانية.
أول ألقاب ألمانيا في كأس العالم تحقق في مونديال سويسرا 1954، حين شاركت للمرة الثالثة في النهائيات ضمن المجموعة الثانية إلى جانب تركيا وكوريا الجنوبية والمجر التي كانت مرشحة للفوز باللقب العالمي، لامتلاكها في ذلك الوقت جيلًا يُعتبر من بين الأقوى في تاريخ الساحرة المستديرة.
المنتخب الألماني فاز في المباراة الافتتاحية على نظيره التركي بأربعة أهداف لواحد، ثم سقط سقوطا مدويًا أمام المجري بثمانية أهداف لثلاثة، وانتصر في الجولة الختامية على كوريا الجنوبية بسبعة أهداف لهدف، ليتأهل إلى دور الـ 16 ويلاقي خصمه اليوغسلافي ويهزمه بهدفين دون مقابل.
في نصف النهائي لعبت ألمانيا مع النمسا وتغلبت عليها دون عناء بستة أهداف لواحد، لتعود وتواجه المجر مرى أخرى لكن في المباراة النهائية التي ظهر بها "الماكينات" بصورة مغايرة ونجحوا في الفوز بثلاثة أهداف لاثنين ورفعوا كأس "جول ريميه" في لحظة صارت تسمى عند الألمان بـ "معجزة بيرن".
شاركت ألمانيا في مونديال السويد 1958 كحاملة للقب وقدمت أداء جيد وصلت به إلى الدور نصف النهائي، لكنها انهزمت أمام صاحبة الأرض بثلاثة أهداف لواحد وودعت البطولة، ثم في مونديال تشيلي 1962، بلغت ربع النهائي وخسرت من يوغسلافيا بهدفٍ دون مقابل.
وبعد أربعة أعوام كانت ألمانيا قريبة من نيل اللقب الثاني لها لولا الانتصار الدراماتيكي لإنجلترا في النهائي، فلا يزال يُحكى عنه الكثير حتى يومنا هذا، نهائي شهد تقدم المنتخب الألماني عبر هيلمت هلر، قبل أن يُدرك الإنجليز التعادل عبر جيوف هيرست، ويقلب اللاعب مارتن بيترز الطاولة لصالح المنتخب المضيف بتسجيله الهدف الثاني قبل النهاية بـ 12 دقيقة، لكن ألمانيا تعادلت في الدقيقة ما قبل الأخيرة عن طريق ولفغانغ ويبر.
وفي الشوط الإضافي الأول سجل هيرست هدفًا لإنجلترا أسال الكثير من الحبر بعد أن ارتطمت الكرة بالعارضة ونزلت على خط المرمى، ليحتسبها الحكم هدفًا رغم اعتراض الألمان الذين رأوا أن الكرة لم تتجاوز الخط، ليأتي الحسم بهدف رابع وقع عليه هيرست الذي أصبح اللاعب الأول والوحيد الذي يُحرز ثلاثة أهداف "هاتريك" في مباراة نهائية بتاريخ كأس العالم.
وسجلت ألمانيا حضورًا آخر مميزًا في مونديال 1970، بعدما بلغت المربع الذهبي الذي واجهت فيه نظيرتها إيطاليا في واحدة من أجمل ليالي كأس العالم إن لم تكن أجملها، والتي حسمها الطليان بأربعة أهداف لثلاثة، ليحصد بعدها المنتخب الألماني المركز الثالث عقب فوزه على خصمه الأوروغوياني.
عام 1974 نظمت ألمانيا نهائيات كأس العالم على أراضيها الأمر الذي استغله رفاق القيصر فرانس بيكنباور، وفازوا باللقب الثاني رغم البداية المقلقة في الدور الأول واحتلال المركز الثاني (4 نقاط) خلف الشقيقة ألمانية الشرقية (6 نقاط)، الانطلاقة الحقيقية للمنتخب الألماني جاءت في الدور الثاني حيث تصدر المجموعة الثانية بـ 6 نقاط وتأهل للنهائي ليوجه المنتخب الهولندي، ويتغلب عليه بهدفي باول برايتنر والراحل غيرد مولر، مقابل هدف أحرزه يوهان نيسكينز للطواحين.
ولم تحقق ألمانيا المنتظر منها في مونديال 1978 بالأرجنتين وخرجت من الدور الثاني، ثم عوضت ذلك في مونديال إسبانيا 1982، ووصلت إلى المباراة النهائية، قبل أن تنهزم أمام إيطاليا باولو روسي بثلاثة أهداف لواحد، وكررت ذات الإنجاز في مونديال المكسيك 1986 الذي خسرته لصالح أرجنتين دييغو أرماندو مارادونا بثلاثة أهداف لاثنين.
وعقب نهائيين مُتتاليين كان من الصعب أن تخسر ألمانيا النهائي الثالث تواليًا، وردت الدين للأرجنتين وتوّجت على الأراضي الإيطالية بلقب مونديال 1990، بعد فوز "المانشافت" على منتخب "التانغو" بهدف حمل توقيع أندرياس بريمه في الدقيقة 85 من علامة الجزاء.
في مونديالي 1994 بالولايات المتحدة الأمريكية و1998 بفرنسا، تأهل المنتخب الألماني إلى الدور ربع النهائي قبل أن يُقصى في الأول على يد بلغاريا التي صنعت الحدث يومها وانتصرت بهدفين لهدف، وفي الثاني أمام كرواتيا التي فاجأت الجميع هي الأخرى واحتلت المركز الثالث.
وكانت ألمانيا أمام فرصة الفوز بلقب عالمي رابع في مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 ومعادلة عدد ألقاب البرازيل، غير أن منتخب "السامبا" كان له رأيًا آخر، وحسم النهائي بهدفين للظاهرة رونالدو.
في عام 2006 احتضنت ألمانيا النهائيات العالمية مرة أخرى، ودخلت المنافسات بآمال كبيرة للظفر بالرابعة، كل الأمور كانت تسير على ما يُرام المنتخب الألماني اجتاز دور المجموعات بالعلامة الكاملة، وفاز على السويد في الدور الـ 16 بهدفين مقابل لا شيء، ثم واجه نظيره الأرجنتيني وتغلب عليه بركلات الترجيح (4ـ2)، ليصل إلى الدور نصف نهائي ويلتقي مع المنتخب الإيطالي الذي مثل له عقدة تاريخية تأكدت صعوبة حلها مرة أخرى على أرض ملعب "سيغنال إيدونا بارك" في دورتموند، حين تمكنت كتيبة مارتشيلو ليبي من إسقاط يورغن كلينسمان ورجاله في عقر دارهم بثنائية نظيفة بإمضاء فابيو غروسو وأليساندرو دل بييرو.
حلم الرابعة عجز عنه الألمان في مونديال جنوب إفريقيا 2010 واكتفوا بالمركز الثالث بعد الهزيمة من إسبانيا حاملة اللقب في تلك النسخة بهدف القائد كارلوس بويول، لكنها استطاعت تحقيقه في البرازيل 2014 عقب تغلبها في النهائي على الأرجنتين بهدفٍ دون رد سجله ماريو غوتزه في الشوط الإضافي الثاني إذ انتهى الوقت الرسمي بالتعادل من دون أهداف في استاد "ماراكانا" الشهير.
مشوار التتويج بالكأس الذهبية الرابعة بدأه المنتخب الألماني برباعية في شباك البرتغال، ثم تعادل مفاجئ مع غانا بهدفين لمثلهما، ثم جاء الفوز على الولايات المتحدة الأمريكية بهدفٍ دون رد ليضمن به الألمان صدارة المجموعة والتأهل إلى دور الـ 16، حيث تغلبوا على الجزائر بهدفين لواحد في مباراة قدم فيها "محاربو الصحراء" مستوى مشرف، ونجحوا في الصمود إلى الأشواط الإضافية التي حُسم فيهما اللقاء بهدفين لواحد لصالح مانويل نوير ورفاقه.
مواجهة ربع النهائي أنهتها ألمانيا منتصرة على فرنسا بهدف من إمضاء المدافع ماتس هوملز، قبل أن تأتي الموقع الكبرى في نصف النهائي أمام البرازيل والتي شهدت أكبر فوز في مباراة نصف نهائي بتاريخ البطولة، عندما أذل المنتخب الألماني خصمه البرازيلي وهزمه بسبعة أهداف لواحد على استاد "مينيراو" في بيلو هوريزونتي.
المشاركة الأخيرة لمنتخب ألمانيا في نهائيات كأس العالم كانت في مونديال روسيا 2018، فيه ودعت ألمانيا المنافسات من دور المجموعات بعد أن قدمت أسوأ أداء لها على الإطلاق في البطولة، حيث خسرت من المكسيك بهدفٍ دون مقابل، وفازت على السويد بهدفين لهدف، قبل أن تنهزم أمام كوريا الجنوبية بهدفين نظيفين.
استعادة الهيبة بعد خيبة 2018
يطمح هانس فليك إلى إعادة منتخب ألمانيا إلى منصات التتويج واستعادة الهيبة التي فقدت في مونديال روسيا الأخير، وما حدث في دوري أمم أوروبا 2020 حين تكبدت ألمانيا خسارة ثقيلة أمام إسبانيا بستة أهداف دون مقابل.
فليك قدم لتولي تدريب المنتخب الألماني على أمل تكرار ما فعله مع نادي بايرن ميونخ الذي قاده في 2020 إلى تحقيق ثلاثية تاريخية بالتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا ولقبي الدوري والكأس المحليتين، وبالفعل عرف أداء "الماكينات" تحسنًا كبيرًا تحت قيادة هانس في الفترة الأخيرة، وهو ما بدا واضحًا في التصفيات المونديالية وأيضَا في منافسات دوري أمم أوروبا وفوزه على إيطاليا (العقدة) بخمسة أهداف لاثنين.
القيمة الفنية لعناصر المنتخب الألماني ليست محل شك على الإطلاق وهذا ما يضع فيلك أمام مسؤولية كبيرة لإيجاد الأسلوب المناسب وتوظيف هذه العناصر بأفضل شكل لتحقيق ما هو مطلوب والذهاب بعيدًا في النهائيات القادمة، خصوصًا وأن التشكيلة التي اعتمد عليها المدرب حتى الآن تضم أسماء تمتلك خبرة كبيرة في المواعيد الكبرى، أمثال، جوشوا كيميش، ليون غوريتسكا، توماس مولر، إلكاي غوندوغان، أنطونيو روديغر، والعملاق مانويل نوير في حراسة المرمى.
ويُضاف إلى أسماء الخبرة مجموعة من العناصر الشابة التي أثبتت تميزها مع أندية كبيرة في أوروبا كالنجم الصاعد مع بايرن ميونخ جمال موسيالا، وكاي هافينز متوسط ميدان تشيلسي، وسيرجي غنابري، وتيمو فيرنير وغيرهم…
أوقعت قرعة مونديال قطر 2022 ألمانيا في المجموعة الخامسة رفقة إسبانيا، حامل لقب مونديال جنوب أفريقيا 2010، إلى جانب اليابان وكوستاريكا، ومن غير المتوقع أن تخرج بطاقتي التأهل إلى دور الـ 16 من أيدي "المانشافت" و"الماتادور"، والمنتظر من المنتخب الألماني هو بلوغ ربع النهائي على أقل تقدير، وربما إلى أبعد من ذلك إذا ما نظرنا إلى تاريخ الألماني في بطولة كأس العالم، فما حدث في مونديال روسيا لا يتعدى كونه كبوة أو "لعنة البطل" التي أصابت أغلب من توجوا بالكأس.
