أكثر من أربعين مليون ألمانيّ لم يصوتوا لحماية المناخ من التلوث، في الانتخابات الألمانية (انتخابات البوندستاغ أو البرلمان الاتحادي) الأخيرة التي جرت في شهر أيلول/سبتمبر الفائت. أربعون مليون ألماني صوتوا عمليًّا لصالح المزيد من التلوث وانبعاث الغازات السامة التي تدمر الأرض وتدمر البشرية. خطورة ذلك تتأتى من كون ألمانيا تحتل المرتبة الرابعة عالميًا في تلويث الهواء بعد الصين وامريكا وبريطانيا.
أربعون مليون ألماني صوتوا عمليًّا لصالح المزيد من التلوث وانبعاث الغازات السامة التي تدمر الأرض وتدمر البشرية في الانتخابات الألمانية الأخيرة
إلى جانب ذلك فقد منح أربعة ملايين ألماني اصواتهم لأخطر حزب في أوروبا والعالم "البديل من أجل ألمانيا" حزب معادٍ للسامية وللمهاجرين، ربما على خلفية كون أغلب المهاجرين هم عرب ومسلمين وهم محسوبين على الساميين، بل هم ساميين مئة بالمئة. وإضافة لهذا الحزب هناك الحزب الليبرالي "إف. دي. بي" المعادي للعمال واللاجئين وتأتي البيئة في آخر اهتماماته، لأن أغلب داعميه هم رجال أعمال وأصحاب مصانع، أي أن داعمي الحزب الليبرالي هم أكثر المتسببين بتلويث الهواء في ألمانيا وأوروبا.
اقرأ/ي أيضًا: موقف: اللاسامية الألمانية تغسل نفسها في فلسطين المحتلّة
لا شك أن العمل مهم لتحصيل المال الكافي للعيش. لكن إذا لم يكن لدينا مزيد من الأكسجين فأي إمكانية للحياة أو للعمل؟ سنضع كل ما نجنيه من مال على صحتنا وندفعه عند الأطباء للعلاج وفي الصيدليات لشراء الأدوية، وفوق ذلك سنزيد في تلوث الهواء!!
فهل تصبح معادلة "عمل أكثر - مال أكثر - أكسجين أقل" صحيحة؟
الأمر المزعج حقًا هو أننا نعمل أكثر كي نضع أموالنا في البنوك، وحين تتضخم المبالغ المالية في البنوك يبحث أصحاب البنوك عن مستودعات جديدة لتخزين المبالغ الزائدة عن طاقة مستودعاتها؟ هل نقوم نحن البشر في أوروبا بمزيد من الأعمال لنحظى بمزيد من الإرهاق الجسدي والهجران الأسري فنخسر السعادة بإرادتنا ونلوث الهواء لأجل تخزين مزيد من الأموال؟ لكن ماذا تفعل الاموال في المستودعات؟ لماذا لا تمنح قروض سهله طويلة الأَجل للفقراء في ألمانيا لتشجيعهم على العمل الذي يحمي البيئة مثلًا، أو ترسل على شكل منح وقروض ميسرة إلى فقراء العالم الثالث، لا سيما العالم العربي وأفغانستان وإيران، لتساعدهم على إقامة مشاريع صغيرة تجعلهم مستقرين في بلادهم وتوفر عليهم وعلى أوروبا عناء مأساة الهجرة واللجوء؟ هل يوجد في ألمانيا من يفكر بهذه الطريقة؟ بلا شك يوجد كثيرون. لكن لماذا لا تترجم هكذا أفكار على الأرض؟
لكن الحقيقة تفرض نفسها بقوة فنقف أمامها عاجزين، فأن يتحدث علماء الأرصاد الجوية عن هجوم الصقيع على شمال الكرة الارضية بحيث أن الدول الإسكندنافية لن تصبح قابلة للحياة البشرية خلال ثمانين عامًا، ويتحتم على سكانها النزوح إلى الجنوب، وأن تسرّب مواقع صحفية معلومات عن عجز ثلاثة ملايين عامل فقير في أوروبا عن تأمين التدفئة لأنفسهم شتاء هذا العام 2021، بسبب ارتفاع أسعار غاز التدفئة المنزلية خمسة أضعاف.. هو أمر كارثي.
سيقول البعض إن رفع أسعار الغاز أمر سياسي، قد يكون هذا صحيحًا، لكنه أساسًا أمر إداري، يعزى لتعرض حقول الغاز في النرويج لمشاكل أوقفتها عن العمل، لكنه أيضًا قرار روسي يحاول ابتزاز أوروبا. والسؤال دوما لماذا لم تهتم الحكومات الأوروبية بتوفير المصادر البديلة للطاقة (الرياح، الأمواج، الأشعة الشمسية، ومصادر أكثر تجددًا لم تدخل حيز الاستخدام بعد) والجواب هو أنه ما يزال يهيمن على الحكومات الغربية النمط الكلاسيكي في التفكير، الذي تغذيه بطبيعة الحال "لوبيات" شركات البترول والغاز، وحين تشارك أحزاب لا يعنيها حماية المناخ من الاحتباس الحراري أو هو في آخر اهتماماتها، أي أحزاب مدعومة من الشركات ورجال الأعمال، حين تشارك هكذا أحزاب في الحكومات الأوروبية فعلينا أن نعرف مسبقًا ألّا حل قريب لأزمات المناخ، وأن الفرص التي تمنحها الطبيعة ستَنفَذ في يوم قريب وستظهر على شكل انفجارات غاضبة غير مسبوقة ..فهل ينتصر العقل على شهوة الربح؟
اقرأ/ي أيضًا: مكابدة المنتصرين على الإمبراطورية الأمريكية
يجب أن نتذكر دومًا أن حماية البيئة-الطبيعة هو قرارنا بأن يستمر أحفادنا من بعدنا في حياة مستقرة، لا تشوبها الصراعات والهجرة والحروب والفقر.
وعسى ألّا تكون الفرصة الاخيرة قد ضاعت حقًا.
اقرأ/ي أيضًا:
النفط والسيليكون والحرب العالمية الثالثة
ألمانيا تحتاج 400 ألف مهاجر سنويًا.. كيف ستلبّي هذه الحاجة ومن ستستقطب؟