باراك أوباما هو رجل ملهم ولعلّه آخر الأيقونات التي حملها العالم لقصة ريادة... هكذا؟ نعم.
لعلّه يهمّ في البداية التأكيد بأن الموقف من أوباما ومن أي سياسي عمومًا يتحدّد بضبط مدى المواءمة مع القناعات المبدئية من جهة ومدى التقاطع مع الغايات المصلحية لتحقيق مشروع سياسي ما. وبالتالي فمواقف شاب ليبرالي عربي أو قومي ألماني أو يساري لاتيني أو محافظ أمريكي حول أوباما تختلف بالضرورة باختلاف زاوية التقدير حسب هذين العنصرين.
الصورة النموذجية هي أن تدعم سياسيًا يكون متوائمًا مع قناعاتك المبدئية ومتقاطعًا في نفس الوقت مع المشروع السياسي الذي تتبناه، أو على الأقل لا يوجد فارق شاسع بين العنصرين، أما الصورة غير النموذجية هو التحديد بغلبة عنصر على حساب آخر بطريقة غير متوازنة. ومثال ذلك يمكن أن تكون عربيًا مقاومًا ولكنك ابتهجت في وقت ما لفوز اليمين المتطرف في إسرائيل، فقط بهدف تيسير إنهاء المفاوضات السياسية غير المُجدية بين السلطة الفلسطينية والصهاينة "المعتدلين" عبر صعود المتطرفين منهم، الذين يرفضون حتى الحدّ الأدنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي ذلك تغليب عنصر المصلحة على عنصر المبدئية في التقدير، ولعلّه في ذلك يجيء الحديث بأن الغاية تبرّر الوسيلة أحيانًا.
باراك أوباما هو رجل ملهم ولعلّه آخر الأيقونات التي حملها العالم لقصة ريادة
أما لو نتجاوز العنصر الثاني المتعلق بتقدير المصلحة والاكتفاء بالعنصر الأول المتعلق بالمواءمة مع القناعات الشخصية المبدئية، فأوباما هو السياسي النموذج للشباب في العالم على الأقل الليبراليين منهم. وخلاف ذلك، فمشوار صعوده إلى البيت الأبيض قد يبين كمشوار بطولة ولعلّه يتقاطع ذلك مع شعاره الانتخابي "نعم نستطيع".
اقرأ/ي أيضًا: بعد أوباما.. ترامب "بشرة خير" لبعض ساسة العراق!
شاب أسود من أصول مسلمة فجمع بين أقليتين، وينحدر من عائلة متوسطة وعصامي، حيث لم يقم بخلاص مصاريف جامعته إلا قبيل دخوله للانتخابات، وجامعي مرموق في اختصاصه مع زوجة غير متصنّعة وذكيّة ومحبوبة. عائلة أوباما هي عائلة شبابية صغيرة، وهي نموذج للعائلة التقليدية من الطبقة المتوسطة ليس في أمريكا فقط بل في العالم الذي مثل التعليم العالي كمصعد اجتماعي لها. ومن هذه الزاوية، أوباما هو ملهم لمسيرة الريادة لكل شاب في العالم. لو نضيّق ونقدر من زاوية شاب ليبرالي أمريكي، فأوباما هو النموذج الحُلم قطعًا.
تميّز بقدرته الاتصالية الفائقة والتي باتت مرجعًا خاصة في الحملات الانتخابية، وهذه الميزة هي عنصر حاسم في التحشيد. وطيلة عهدتيه، لم تلحق به فضيحة أو عادة كريهة كشفتها الكواليس، فكان كمن يحسب خطواته بدقّة في كل قول وفعل. ولذلك يغادر البيت الأبيض مع نسبة عالية من الرضا بين الأمريكيين على خلاف غالبية الرؤساء السابقين وسيظلّ العالم يلاحقه كرجل ذي ثقل رمزي في العالم بعد مغادرته للرئاسة، خاصة وأنه استطاع تكوين خزان شعبي في الداخل الأمريكي سيجعله ضمن الرؤساء القادة والذين لا يذكر منهم الأمريكان إلا روزفلت وكينيدي، وقد يُضاف إليهم كلينتون وذلك في القرن الماضي.
عائلة أوباما عائلة شبابية صغيرة، وهي نموذج لعائلة من الطبقة المتوسطة مثل التعليم العالي كمصعد اجتماعي لها
الحديث عن أوباما كرجل ملهم لمشوار سياسي ناجح بالنهاية، يستدعي الحديث عن غياب هذه النوعية من السياسيين طيلة السنوات الأخيرة في الدول الكبرى، مثلا في المملكة المتحدة مع بلير وكاميرون، وفي فرنسا مع ساركوزي وهولاند، وجميعهم غادروا أو بصدد الاستعداد لمغادرته ليس من الباب الكبير، خاصة وأنهم لحقتهم خسائر سياسية قاسية.
من المهمّ أن ننظر لأوباما من هذه الزاوية غير السياسية كقصة كفاح وريادة خاصة وأننا بتنا نفتقد لهذه القصص المحفّزة من حولنا في عالمنا العربي وفي العالم إجمالًا، وكأننا في زمن بليد بات يستحيل فيه الصمود.
أما حينما نقيّم سنوات أوباما من منظور قضايانا العربية، سيختلف التقدير قطعًا خاصة وأنه من منطلق مصلحي بحت، كنا بحاجة في عديد المناسبات طيلة سنوات رئاسته لرئيس صدامي.
اقرأ/ي أيضًا:
انتصار ترامب.. صفعة في وجه العقلانية السياسية
هل يتخلى الرئيس الجديد عن "ترامبيته"؟