بعد الحرب على "أوبر" في عدد من بلدان الشرق الأوسط وأوروبا، يأتي الدور على المغرب، حيث افتُتحت هناك جبهة جديدة مع الشركة المثيرة للجدل حول العالم، إذ دشن سائقو سيارات الأجرة التقليدية "التاكسي" في الآونة الأخيرة حملة شعواء ضد "أوبر" وعامليها، بعد تزايد الإقبال عليها من قبل المواطنين المغاربة.
لم تكن أوبر في بداياتها تثير حفيظة سائقي سيارات التاكسي حتى بدا جليًا تزايد انتشارها والإقبال عليها وأصبحت مطلبًا من الكثيرين
وانطلقت شركة أوبر في أولى بداياتها سنة 2009 بفرانسيسيكو الأمريكية، حين ابتكرت منظومة نقل جديدة، أحدثت تغييرًا جذريًا في النقل، حيث يقوم تطبيق ذكي "Uber" بإدارة العملية برمتها، بدءًا من طلب الراكب خدمة النقل، ليلبي طلبه أحد السائقين المنخرطين مع شركة أوبر، والذي يمكن أن يكون أي مواطن حامل لرخصة قيادة عادية، ثم الدفع للشركة عبر البطاقة الائتمانية، بالمقابل يحصل الأفراد السائقين على نسبة تعريفية من الأرباح لقاء الرحلة، وكل ذلك يتم إلكترونيًا من خلال التطبيق.
اقرأ/ي أيضًا: أول "تاكسي طائر" قريبًا.. مع "أوبر" أو "إير باص"؟
أوبر توفر فرص شغل للشباب
بدأت خدمات شركة "أوبر" في المغرب منذ شهر تموز/ يوليو 2015، لكنها ظلت مقتصرة على مدينة الدار البيضاء إلى أن وسّعت رقعة خدماتها مؤخرًا لتصل مدينة الرباط، ولم تكن في البداية تثير حفيظة سائقي سيارات الأجرة التقليدية، حتى بدا جليًا تزايد انتشارها والإقبال عليها وأصبحت مطلبًا من الكثيرين.
وكشفت "أوبر" خلال ندوة لها أن عدد المغاربة العاملين في نقل الركاب عبر تطبيق "أوبر" بلغ 12 ألف سائق في المغرب، منهم 500 سائق يعملون لديها بشكل دائم، والبقية تنتهز فرصة الاشتغال بين الحين والآخر، ولفتت الشركة إلى وجود 280 سائق تاكسي تقليدي ضمن العاملين معها، بينهم 70 سائق تاكسي ملتزمون بالعمل مع الشركة بشكل دائم.
تقول الشركة إن سائقيها يتقاضون ما بين 4000 و6000 درهم أسبوعيًا في عملهم بمدينة الدار البيضاء، ويرتفع الرقم عند وجود طلبيات إضافية لبعض الوجهات الخاصة، مثل مطار محمد الخامس الدولي. وتحصل الشركة على %25 من الأرباح عن كل رحلة ليستأثر السائق بالنسبة الباقية.
ومن المثير أن معظم السائقين المتعاملين مع شركة "أوبر" هم شباب يتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 سنة، ما يشير إلى أن هذه المنظومة الذكية في النقل توفر فرص شغل للكثير من الشباب، كما حققت الشركة انتشارًا واسعًا رغم أن مساحة خدماتها محدودة حتى الساعة، حيث وصل عدد زبناء الشركة المسجلين في تطبيقها إلى أزيد من 140 ألف راكب.
حققت أوبر انتشارًا واسعًا في المغرب رغم أن مساحة خدماتها محدودة حيث وصل عدد زبناء الشركة المسجلين في تطبيقها أزيد من 140 ألف راكب
اقرأ/ي أيضًا: ضغوط أمنية على أوبر وكريم في مصر..إما بيانات العملاء وإما الحظر
سائقو التاكسي يطاردون سائقي أوبر
الإقبال المتزايد على "أوبر" في المغرب أشعل غضب سائقي سيارات الأجرة التقليدية، إذ يعتبرون هذه التكنولوجيا الخدماتية تهديدًا لمورد قوتهم اليومي، مما دفعهم إلى حث السلطات على حظر خدمات الشركة في البلد، من خلال نقابات سائقي الأجرة التي أطلقت موجة احتجاجات طلبًا للتدخل لوقف "أوبر"، بحجة أن العاملين لديها يشتغلون في إطار غير قانوني وينقلون المسافرين بشكل غير شرعي.
وعلى غرار ما حصل في مصر، تعمد مجموعات "التاكسي" التقليدية في المغرب إلى مطاردة سائقي "أوبر" والإيقاع بهم، ليقوموا بعد ذلك بالاعتداء عليهم واقتيادهم إلى مراكز الأمن، بدعوى أنهم يشتغلون في سياقة الأجرة دون رخصة مهنية، وقد سجلت حالات مصورة في هذا الشأن.
في المقابل، رحب كثير من المواطنين المغاربة خاصة من الشباب بخدمات "أوبر" في البلد، حيث يجدونها أكثر مرونة ونظافة وأريحية من سيارات الأجرة التقليدية، علاوة على درجة الأمان التي تمتاز بها خدمات النقل لدى "أوبر"، حيث تحتفظ الشركة بسجلات المعلومات الخاصة بالسائقين العاملين معها.
تعتبر نقابات سائقي الأجرة في المغرب أن العاملين في أوبر يشتغلون في إطار غير قانوني وينقلون المسافرين بشكل غير شرعي
أوبر وحربها المستمرة
منذ أن بدأت شركة "أوبر" كانت تعي جيدًا أنها ستُشن ضدها حربًا بلا هوادة كونها بصدد تغيير منظومة النقل بطريقة جذرية، وهو ما ليس في صالح نقابات سائقي التاكسي حول العالم، ولذلك أوصى ذات مرة مديرها التنفيذي السابق ترافيس كالانيك موظفيه قائلًا: "التزموا بمبادئكم وتصالحوا مع المواجهة، القليل من الناس هكذا، وعندما يأتي أصحاب الخطوط الحمراء، سيُصبح الأمر تفاوضًا".
ورغم أن الشركة اليوم تعمل في أكثر من 600 مدينة في أرجاء المعمورة، إلا أنها دفعت ثمنًا باهظًا يقدر بعشرات مليارات الدولارات مفضلة عدم الاستسلام، حيث كبدتها المحاكم الأمريكية أكثر من 30 مليون دولار بتهم تتعلق بعدم التدقيق في بيانات السائقين، فيما أثقل القضاء الفرنسي شركة "أوبر" بغرامة مالية قدرها800 ألف يورو بحجة تقديمها خدمة بطريقة غير قانونية، بينما تخوض الشركة معركة شرسة للاستمرار في إسبانيا والمكسيك وكولومبيا والهند والبرازيل.
وتلقت "أوبر" حديثًا ضربة جديدة بعد رفض سلطات العاصمة لندن تجديد رخصة الشركة للعمل في المدينة، لتخسر بذلك 40 ألف سائق يعملون مع أوبر في لندن، بالإضافة إلى ثلاثة ونصف مليون زبون راكب بالمدينة. لكن يبدو أن المدير الجديد لأوبر، دارا خسروشاهي، والذي لم يمض على منصبه سوى شهر تقريبًا، عازم على استمرار تجربة أوبر رغم كل الجبهات المفتوحة ضدها في كل مدن العالم، إذ خاطب موظفيه محدثًا "من أجل أن نمضي قدمًا، فمن المهم للغاية أن نعمل بنزاهة في كل ما نقوم به، وأن نتعلم كيف نكون شريكًا أفضل لكل مدينة نتواجد فيها".
وتحاول شركة أوبر من أجل امتصاص الغضب المشتعل حولها طمأنة السلطات والركاب بكونها تلتزم بأمان وراحة زبنائها من جهة أولى، حيث تتحقق من الأوراق الثبوتية للسائقين وسجلهم الأمني وإلزامهم بالتوفر على سيارات سياحية لا يتجاوز عمرها عشر سنوات، ومن جهة أخرى تسعى إلى إدماج قسم من سائقي سيارات الأجرة التقليدية ضمن مجموعتها مع منحهم امتيازات خاصة، مثلما تتمدد في أي بلد بشكل تدريجي، لتحضير المجتمع لاستيعاب خدماتها الجديدة برضى.
وتندرج صنف منظومة "أوبر" للنقل ضمن ما يسميه الباحثون بـ"الاقتصاد التشاركي"، حيث يصبح كل المواطنين منتجين ومستهلكين في نفس الوقت، اعتمادًا على منصات ذكية تتكفل بإدارة وتنسيق العملية الاقتصادية برمتها، وهو ما يتيح للأفراد فرصًا أكبر في المساهمة في المنظومة الاقتصادية، بدل أن يكونوا مجرد مستهلكين ثابتين.
اقرأ/ي أيضًا: