الترا صوت - فريق التحرير
لا تزال قضية "أوراق فيسبوك" تتفاعل حتى اليوم، حيث أشارت وكالة "سي إن إن" إلى أن الأوراق المنشورة والمعلومات التي احتوتها، ستمثّل على الدوام وصمة عار بالنسبة لفيسبوك، الأمر الذي قد يؤدّي إلى المزيد من المطالبات من سياسيين وأصحاب نفوذ في واشنطن، بتفكيك شركة التواصل الاجتماعي العملاقة، التي غيّرت اسمها تحت هذه الضغوط إلى "ميتا"، في محاولة للحدّ من الآثار السلبية المتزايدة على علامتها التجارية، والفصل بين اسم الشركة وبقيّة مشاريعها.
لا تزال قضية "أوراق فيسبوك" تتفاعل حتى اليوم، حيث أشارت وكالة "سي إن إن" إلى أن الأوراق المنشورة والمعلومات التي احتوتها، ستمثّل على الدوام وصمة عار بالنسبة لفيسبوك
ما هي "أوراق فيسبوك Facebook Papers"؟
يعتبر مشروع "أوراق فيسبوك" خلاصة عمل تعاوني فريد من نوعه، بين 17 مؤسسة إخبارية أمريكية كبيرة، حيث نجح العاملون فيه من صحفيين وإعلاميين، في الوصول وتجميع آلاف الصفحات من المستندات الداخلية لفيسبوك، حصلت عليها ونشرتها فرانسيس هوغين مديرة المحتوى السابق في فيسبوك، والمهندسة التي هزّت عالم الاتّصالات بعد انقلابها على شركتها، وإدلائها بمعلوماتها الخطيرة لصحيفة "وال ستريت جورنال" ولاحقًا إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والكونغرس. وقد حدّدت المؤسسات الـ17، فجر الإثنين الـ25 من تشرين الأول\أكتوبر، كمهلة زمنية يصبح خلالها لكلّ مؤسسة منها الحقّ في تحليل الوثائق بشكل كامل، ونشر المحتويات، بعد إعطاء موظفي العلاقات العامة في فيسبوك متّسعًا من الوقت للردّ على الاستفسارات التي أثارتها تلك التقارير، بحسب ما ذكرت وكالة أسوشييتيد بريس، أحد أعضاء اتّحاد المؤسسات الإخبارية الـ17 المذكورة أعلاه.
المرأة التي هزت عرش العالم الأزرق
ذكرت وكالة "بي بي سي" أن فرانسيس هوغين تحدّثت عبر الإنترنت إلى لجنة قانون الأمان في لندن، فقالت إن فرق السلامة في فيسبوك تعاني من نقص في الموارد، وأن الشركة لم تكن مستعدة للتضحية بالقليل من الأرباح المالية، من أجل رفع معايير السلامة، كذلك حذرت من تطبيق انستغرام، المملوك بدوره لشركة فيسبوك، وقالت إنّه يعد أكثر خطورة من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، وأشارت إلى أنها قلقة للغاية لكون إنستغرام غير آمن بالنسبة للأطفال بعمر 14 سنة، وشكّكت بادّعاءات الشركة بأنها قادرة على جعله آمنًا للأطفال في سن العشر سنوات.
ونبّهت هوغين من كون فيسبوك غير قادر على مراقبة المحتويات باللغات المختلفة من الدول حول العالم، فمثلًا اللغة الإنكليزية في المملكة المتّحدة مختلفة بما فيه الكفاية عن اللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة التي يضع فيسبوك قوانينه على أساسها، الأمر الذي ينبغي أن يُقلق المسؤولين في المملكة المتّحدة على حد تعبيرها.
كذلك نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن هوغين قولها إنها فعلت ما فعلته، لأنها أرادت إنقاذ حياة الناس، وخاصةً في النصف الجنوبي من الأرض، لأنها تعتقد أنهم معرّضون للخطر بسبب إعطاء الفيسبوك الأولوية لجني الأرباح، على حساب سلامة الناس، وأكّدت أن هذه المستندات ما كانت لتخرج إلى النور لو لم تقم هي بفعل ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن هوغين انتقلت من سان فرنسيسكو للعيش في بورتو ريكو، حيث لا يعرفها الناس هناك، لأنها تريد تجنّب الضوضاء، فهي لا تبحث عن الاهتمام أوالشهرة، وهدفها الوحيد هو مساعدة الناس.
الصحفية في مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية إيلين كاشينغ، نشرت مقالةً تحت عنوان "فيسبوك يخذل 90 بالمئة من مستخدميه"، وأشارت فيها إلى أن "أوراق فيسبوك" المنشورة، تُظهر بشكل واضح أن التطبيق يساهم في تسهيل خطاب الكراهية في الشرق الأوسط، تعزيز دور الكارتيلات العنيفة في المكسيك، التطهير العرقي في إثيوبيا، الخطاب المتطرف ضد المسلمين في الهند، والاتجار بالجنس في دبي، كما ذكرت أن فيسبوك يدرك تمامًا أن جهوده لمعالجة هذه الأمور غير كافية.
وذكرت كاشنغ مثالًا هامًا يوضح فشل فيسبوك في محاربة خطاب الكراهية، إذ وجدت مجموعة آفاز المدافعة عن حقوق الإنسان في العام 2019، أن المسلمين البنغال في ولاية آسام في الهند، يواجهون حملة كراهية على فيسبوك، حيث انتشرت عشرات آلاف المناشير التي تصف المسلمين بالخنازير، المغتصبين، والإرهابيين، وقد بقيت المناشير فترة طويلة على المنصة، لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي في فيسبوك التي تكشف تلقائيًا عن خطاب الكراهية، لم تكن متوفرة باللغة الأسامية، التي ينطق بها 23 مليون مواطن من مسلمي البنغال.
أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/ يناير من العام 2021، احتلت حيّزًا هامًا من الأوراق المنشورة بالرغم من أن مدير العلاقات في فيسبوك شيريل ساندبرج قلّل في مقابلة أجراها مع وكالة رويترز، بعد أيام قليلة من الاقتحام، من دور المنصة في نشر خطاب الكراهية والتحريض يومها، إذ قال في مقابلة مع وكالة رويترز، إنه يعلم أن الهجوم تمّ التحضير له عبر الإنترنت، لكنّ فيسبوك أزال الكثير من العبارات والمنشورات قبل الاقتحام، منها "Stop The Steal "، بالإضافة إلى المناشير التي كانت تحرّض على العنف في الأيام السابقة. وقد اعترف بأن تطبيق فيسبوك ليس مثاليًا وبحاجة إلى الكثير من التحسينات في مجال ضبط خطاب الكراهية والتحريض على العنف، لكنه يعتقد أن هذه الأحداث تمّ تنظيمها على منصات أخرى لا تتمتّع بقدرات فيسبوك في محاربة خطاب الكراهية.
صحيفة "تايم" نشرت بدورها مقالة تحت عنوان "أبرز خمسة انتهاكات كشفها نشر أوراق فيسبوك"، فرأت أن فيسبوك فشل في تعديل المحتوى الضار في "البلدان النامية"، فمثلًا في الهند حيث توجد 22 لغة رسمية، لم يتمكن فيسبوك من السيطرة على خطاب الكراهية الموجّه ضد المسلمين هناك، كذلك فشل فيسبوك في تحديد المحتوى الخطير بدقة باللغة الإنكليزية.
وبحسب مقالة "تايم"، لم يوقف فيسبوك المعلومات المضلّلة قبل الانتخابات الأمريكية، فهو اكتفى بوصفها بالـ "ضارة"، لكنه لم يحذفها لأنه اعتبر أنها لا تنتهك المعايير التي يضعها، بينما تمثّل الانتهاك الرابع في كون فيسبوك يعلم أن الناس يتسخدمونه للاتجار بالبشر، بدون أن يتخّذ الإجراءات الرادعة اللازمة. تشير المقالة أخيرًا إلى أن فيسبوك ناقش في العام 2019 فكرة إلغاء زر الإعجاب، بحسب ما ظهر في الأوراق المنشورة، ما يشير إلى معرفة فيسبوك بالتأثير السلبي لهذا الزر، وتسبّبه بالضغط والقلق بالنسبة للمتسخدمين الصغار، في حال لم تحصد منشوراتهم الكثير من الإعجابات، وبالتالي يفشل فيسبوك في تخفيف القلق الاجتماعي كما يدّعي.
وقد أثارت "أوراق فيسبوك" المنتشرة عاصفة عارمة في مجال عالم مواقع التواصل الاجتماعي، فبات السؤال حول مصير فيسبوك يُسمع بكثرة اليوم. في أبرز تعليقات أصحاب النفوذ من سياسيين، صحفيين، وصناع محتوى قالت السناتور الأمريكية آمي كلوبيشار إن هناك الكثير من الأمور التي يجب التعمّق بها أكثر في ما يخص "أوراق فيسبوك"، خاصةً فيما يتعلّق بمساهمة فيسبوك في تعزيز التطرّف ونشر خطاب الكراهية، فيما الحد الأدنى مما نُشر يشير إلى أن فيسبوك "كان يعلم".
الصحفي والمحامي الأمريكي المعروف جود ليغوم، أشار إلى أن الأوراق المنشورة، تؤكّد أن فيسبوك قلّل بشكل ممنهج من الاستثمار في الإشراف على المحتوى خارج الولايات المتحدة، وكان ردّ الشركة الاكتفاء بإعادة شراء أسهم بقيمة 50 مليار دولار، لرفع قيمة أسهمها من جديد.
السيناتور إليزابيت وارين اعتبرت أن فيسبوك معجب بخطاب الكراهية، وهو ينشر الأكاذيب، يدمّر المنافسين، ويهدّد الديموقراطية في الولايات المتّحدة، وقالت إن فيسبوك لن يقوم بتنظيف نفسه من تلقاء نفسه، وإنه لا ينبغي لأية شركة خاصة أن تمتلك كلّ هذه القوة.