إلى بضع سنوات قليلة ماضية، كان الحديث عن التغير المناخي بالنسبة إلى كثيرين منا هو مؤامرة أمريكية جديدة، وبالنسبة إلى آخرين (أكبر عقلًا) هو تهويمات علماء يشطحون بخيالهم، فيتحدثون تارة عن انطفاء الشمس بعد بضع ملايين من السنين، وتارة أخرى عن نيزك عملاق قد يضرب الأرض ويتسبب في انقراضنا، كما فعل نيزك آخر منذ زمن بعيد بالديناصورات التي كانت مثلما نحن اليوم: سادة الأرض.
ولأننا خالدون، لأننا نعتقد بأننا خالدون، فقد كان هذا مجرد ضرب من "العلم المرح"، حيث يتسلى العلماء، ويسلوننا معهم، بافتراضات خيالية يعرفون، ونعرف، بأنها لا يمكن أن تحدث، فالشمس ستظل تشرق علينا ونحن أحياء نرزق إلى أبد الآبدين.
صار من غير النادر أن تصعد إلى تاكسي، وتفتح الحديث المعتاد عن الطقس، عن هذا الحر اللاهب، أو هذا الشتاء الذي بلا شتاء، فيرد السائق بحسم: "إنه التغير المناخي"!
وفقط منذ أربع أو خمس سنوات بدأنا نصغي بشيء من الجدية، مع أصياف كأنها قطع من جهنم، وانحباس عنيد للأمطار، وجفاف متسارع، وشح في المياه، وحرائق صارت تقليدًا صيفيًا سنويًا، وصار من غير النادر أن تصعد إلى تاكسي، وتفتح الحديث المعتاد عن الطقس، عن هذا الحر اللاهب، أو هذا الشتاء الذي بلا شتاء، فيرد السائق بحسم: "إنه التغير المناخي"!
يتحدث عالم المناخ الشهير يوهان روكستروم عن نهاية وشيكة لـ "عصر الهولوسين".
فلقد عرفت البشرية عصورًا غير موائمة، قاسية وعنيفة، إما لاهبة إلى درجة جهنمية وإما صقيعية تجمد الأنفاس، وهذا ما جعل أسلافنا يبقون طويلًا في حالة من البدائية، كسكان كهوف، حيوانات بائسة في جحورها، وفقط منذ نحو 11 ألف عام تغير هذا، ودخلت الأرض في عصر لطيف وحنون، حيث التوازن الدقيق بين حرارة مقبولة وبرودة قابلة للاحتمال، عناصر مثالية لحياة بشر يريدون صناعة حضارة، وهذا هو ما يسمى بـ"عصر الهولوسين". ويقول روكستروم إن التطور المتسارع للحضارة الصناعية، وأفعال الإنسان قصيرة النظر وغير المسؤولة، جعلتنا نقف على حافة هذا العصر، وقريبًا، قريبًا جدًا، سندخل عصرًا آخر لا نعرف عنه شيئًا، وعلى الأرجح لا قبل لنا في تكييفه ليلائم حضارتنا، ما يعني أن الحضارة البشرية باتت مهددة بالزوال، بل ربما البشر أنفسهم أيضًا.
بات هذا كلامًا معقولًا بالنسبة لكثيرين منا، نحن سكان هذه البلاد، ولكن هل نستسلم هكذا ببساطة؟ لا بالطبع، فهنا أيضًا نستطيع اشتقاق فرع جديد من نظرية المؤامرة، إذ تعلو أصوات تقول إننا مجرد ضحايا للدول المتقدمة، فهي، لا نحن، التي لوثت الأرض والسماء بغاز ثاني أوكسيد الكربون.
هذا صحيح إلى حد بعيد، فمساهمتنا في انبعاث هذا الغاز الكارثي تكاد لا تذكر، ولكن ليس لأن شعبية حزب الخضر كاسحة في أوساطنا، بل لأننا قليلو الحيلة ولم نمتلك صناعة أو مصانع حقيقية.
ومع ذلك فقد كان لنا نصيبنا من تخريب العالم، وقد أدينا دورنا المتواضع على أكمل وجه. لقد أزلنا الواحات الخضراء، القليلة عندنا أصلًا، وأنشأنا مكانها كتلًا إسمنتية قبيحة، وجففنا البحيرات، وحولنا الأنهار إلى مجارير للصرف الصحي، وأنجزنا بسرعة قياسية صحراء شاسعة بحجم بلادنا.
والأدهى أننا نواجه هذا الدمار القيامي الوشيك بإقبال متزايد على الحياة، فنضخ إلى الحياة ملايين الأطفال كل عام. ربما لأننا نعتقد أن الكوارث القادمة سوف تجعل العالم أكثر تشويقًا وحماسًا، فلا يجوز أن نحرم فلذات أكبادنا من مغامرة مثيرة كهذه، أو ربما أننا نواجه خطر الانقراض بأكثر الوسائل عفوية وبدائية: التكاثر!