استخدم عبد الفتاح السيسي ما أطلقت عليه النخب المدنية المؤيدة للعسكري "قوى ناعمة" للشعب المصري، فقد دعا وزير الدفاع وقتئذ عدد من الفنانين محترفي التمثيل والغناء لحضور احتفالية القوات المسلحة بعيد تحرير سيناء في شهر نيسان/أبريل 2013، إلى جانب عدد كبير من الإعلاميين والكتاب، في الوقت الذي اكتفى الإعلاميون بالتصفيق بين حين وآخر، انبرى الفنانون في التنافس المهني لإتقان أدوارهم، بكى المطرب محمد فؤاد مذكرًا السيسي بأخيه الشهيد، ثم بكى المطرب والممثل إدوارد حين هنّأ السيسي أقباط مصر بعيد القيامة، وبين دموع الفنانين وقبلاتهم المرسلة وابتسامات السيسي تولدت الكيمياء بين الجنرال والفنانين.
لعب الفنانون المصريون دورًا مهمًا في اللمسة النهائية على خطة الانقلاب العسكري
بعد عدة أيام من من الاحتفالية تخللتها حوارات إعلامية مع الفنانين عن عظمة السيسي وحنانه، جاءت سريعًا الدعوة الثانية لعدد آخر من الفنانين الأكثر شهرة، على الأخص، لحضور تفتيش حرب على الفرقة "9" مدرعات، للمرة الأولى في تاريخ القوات المسلحة، ليعود الفنانين إلى الإعلام في أحاديث مطولة عن قدرة الجيش الجبارة، وإنبهارهم بالطفرة التي حققها القائد العام خلال عام من توليه وزارة الدفاع، ومجموعة من الصور بين الجنود وفوق دبابات الجيش.
رغم ما بذلته مؤسسات الدولة من مجهودات لإسقاط حكم محمد مرسي، وما قام به الإعلام من تلميع للقوات المسلحة وقائدها العام، إلا أن دور الفنانين كان مهمًا لوضع اللمسة النهائية على خطة الانقلاب العسكري، ورسم الخطوط الأولى في لوحة الزعيم القادم، التي رفعها المتظاهرين في "30 يونيو" وما تلاها، وفي أذهانهم حكايات الشؤون المعنوية بلسان الفنانين عن القائد العلماني المؤمن الشجاع الماكر.
ولكن مع اقتراب الذكرى الثانية لبيان "30 يونيو"، والذكرى الأولى لتولي السيسي رسميًا حكم البلاد، وجد القائد العسكري نفسه وحيدًا بعد أن اكتشف أن الهالة التي أحاط نفسه بها الى زوال، وأدرك شتات دولته وتمزقها الى جزر منعزلة لا تربطها سوى شبكة من المصالح، والحرب دائمة الاشتعال بينهم على مراكز النفوذ وأكوام "الأرز" الخليجي.
صدق الزعيم خطب المدح وقرابين الولاء التي قدمها كل المحيطين به، ثم أدرك متأخرًا أن ولاءهم لمصالحهم فقط، وأن دوره بالنسبة لهم هو مجرد واجهة تتصدر المشهد، وتتحمل العواقب أن اشتعلت الأمور مجددًا، الولاءات المتعددة للنخب السياسية ورجال الأعمال وكبار المسؤولين والإعلاميين، وتقلبهم عليه عدة مرات خلال فترة حكمه أجبرت السيسي على الانغلاق على نفسه داخل القصر بين أصدقائه ممن أخرجهم من الجيش للاستعانة بهم في القصر.
لا يملك السيسي من الرجال إلا ما يمكن أن تحمله سيارة واحدة، حين تُفرض عليه مغادرة القصر
وقد كانت رحلة السيسي الى برلين شاهدة على خواء دائرته المقربة سوى من بعض الأشخاص، وكان استدعاء الرجل للفنانين من جديد ليكونوا "زفة" له خلال الرحلة المهمة، رسالة على عدم ثقته بأي من رجال السياسة، بالإضافة طبعًا الى أمين سره وصديقه الوفي عباس كامل الذي بقي بجانبه في جميع المشاهد، فكان رفيقه في السيارة، وظهر واقفًا إلى جانبه من نافذة حجرته بالفندق، بالرغم من عدم وجود أي صفة رسمية له.
فهناك دلائل شديدة الوضوح على انقسام ولاء المحيطين بالسيسي بين السعودية التي اتخذت منحى مغايرًا لأحلام الجنرال، والإمارات التي تميل إلى نظام مبارك، تواجد سامي عنان رئيس الأركان الأسبق بالسعودية بعد أنباء عن تحديد إقامته في مصر، ونفي أحمد شفيق إلى الإمارات.
وقد ذكر الكاتب المصري وائل عبدالفتاح، في مقال له في جريدة "التحرير"، توقف إصدارها حاليًا"، في تفسير للأزمة المالية التي تمر بها وسائل الإعلام المصرية بأن "المليار" الذي ضخته الإمارات في الإعلام المصري قد تفرق بين جيوب الإعلاميين وحساباتهم البنكية، وأن المليار القادم موجه من السعودية وسوف يحمل توجهًا إعلاميًا مختلفًا وربما، سياسيًا أيضًا.
باختصار لن تقرأ أبدًا مصطلح "رجال السيسي"، كما كان لمبارك رجاله وللسادات وعبد الناصر، وحتى شفيق، فالسيسي لا يملك من الرجال إلا بقدر ما يمكن أن تحمله سيارة واحدة حين تفرض عليه مغادرة القصر.