من أجمل السلاسل الجبلية وأغناها بالتنوع النباتي والحيواني، تحتل سلسلة جبال الآبالاش الصدارة، وذلك لامتدادها الشاسع، وتنوع أراضيها الجغرافي والبيئي والمناخي، مما يعني وجود بيئة بيولوجية تحمل تنوعًا بديعًا، وهذه السلسلة كذلك رغم أنها ليست الأعلى في العالم، إلا أنها من بين أقدم الجبال في الكوكب عمرًا، وقد استوطنها البشر منذ الماضي السحيق، وعاشوا بمعزل عن بقية العالم، حتى امتدت إليها يد المستكشفين الأوروبيين، وسطوا على أراضي القارة الشمالية شيئًا فشيئًا، وصاروا يسكنونها مع ما بقي من شعبها الأصليين. فما هي سلسلة جبال الآبالاش؟ وما أهم المعلومات عنها، وما الذي يميزها؟
هذه السلسلة الجبلية تبلغ من الاتساع ما يجعلها تحتل 15 ولاية في الولايات المتحدة
أين تقع جبال الأبالاش؟
تمتد جبال الأبالاش شمالًا عند الحدود البحرية الكندية، بينما ينتهي طرفها الجنوبي عند سفوح شمال شرق ألاباما. وتقع جبال الآبالاش على طول المنطقة الشرقية من الولايات المتحدة ويبلغ طول السلسلة الجبلية حوالي 1500 ميل. وتمتد بموازاة الساحل الشرقي من مقاطعة نيوفاوندلاند الكندية إلى ألاباما في الولايات المتحدة. وهذه السلسلة الجبلية تبلغ من الاتساع ما يجعلها تحتل 15 ولاية في الولايات المتحدة. هذه الولايات هي: مين، نيو هامبشاير، فيرمونت، ماساتشوستس، كونيتيكت، نيويورك، بنسلفانيا، ميريلاند، فيرجينيا الغربية، فيرجينيا، كنتاكي، نورث كارولينا، تينيسي، جورجيا، وألاباما.
يقسم النطاق الجبلي إلى 3 أقسام: الشمالية والوسطى والجنوبية بناءً على موقعها الجغرافي وخصائصها المميزة.
- القسم الشمالي: يمتد القسم الشمالي عبر شمال شرق الولايات المتحدة. وتشمل ولايات مين ونيو هامبشاير وفيرمونت وماساتشوستس وكونيتيكت ونيويورك. ومما يميز هذه المنطقة وجود التضاريس الوعرة، ولا سيما غابات ماين والجبال البيضاء في نيو هامبشاير. كما يمثل جبل كاتاهدين، في متنزه باكستر الحكومي في ولاية ماين، المحطة الشمالية لمسار أبالاتشي. وهذه المنطقة معروفة بمساراتها الصعبة وغاباتها العميقة ومناظرها الخلابة.
- القسم المركزي: أو الأوسط ويشمل ولايات بنسلفانيا وماريلاند وفيرجينيا ووست فرجينيا. ويتميز بهضبة الآبالاش الرائعة التي تشمل جبال كاتسكيل وبوكونو. وتشتهر بمناظرها الطبيعية المتنوعة، بما في ذلك المناطق المشجرة والتلال ووديان الأنهار. كما أن للمنطقة أيضًا أهمية ثقافية نظرًا لتاريخ تعدين الفحم والثقافة الشعبية لسكان الأبالاش.
- القسم الجنوبي: ويشمل القسم الجنوبي من جبال الآبالاش ولايات فرجينيا، وكارولينا الشمالية والجنوبية، وتينيسي، وجورجيا، وألاباما. ويضم هذا القسم جبال غريت سموكي ومتنزه شيناندواه الوطني، وجبال بلو ريدج المعروفة بتنوعها البيولوجي وأوراق الشجر المتساقطة والجمال الخلاب. وتضم المنطقة أعلى قمة في السلسلة، ألا وهي جبل ميتشل في ولاية كارولينا الشمالية.
تعكس الفنون والحرف اليدوية في منطقة الأبالاش، مثل خياطة اللحف وصناعة السلال، التراث الثقافي الفريد للمنطقة
أهم المعلومات عن جبال الأبالاش
منطقة بهذا الامتداد لا بد أنها ذات تاريخ عريق وبيئة جمالية متنوعة، في ما يأتي أهم المعلومات عن سلسلة جبال الأبالاش
-
سكان جبال الأبالاش
تنتشر جبال الأبالاش في منطقة واسعة احتلها البشر منذ آلاف السنين. فقبل وصول المستكشفين الأوروبيين، كانت المنطقة مأهولة بمجموعات هندية مختلفة من شرق الغابات. ومما ساعد على تحجيم التوسع الأوروبي مباشرة في المنطقة أنها بطبيعتها وعرة التضاريس التي تشمل شبكة الأنهار والجداول، بالإضافة إلى نقص الممرات الطبيعية، مما جعل السلسلة حاجزًا طبيعيًا أمام المستوطنين والمستكشفين الأوائل. وبحلول عام 1539، أصبح المستكشف الأسباني هيرناندو دي سوتو أول أوروبي يزور جنوب الأبالاش. وبعد قرابة 200 عام قاد حاكم ولاية فيرجينيا ألكسندر سبوتسوود في عام 1716 أول مجموعة منظمة من المستعمرين الإنجليز عبر جبال بلو ريدج في القسم الجنوبي أيضًا. أما منطقة شمال الأبالاش فقد استكشفها مجموعة من المستكشفين، أبرزهم المستكشف الفرنسي صامويل دي شامبلين، وتيموثي ناش، والسير ويليام لوغان، وآخرين.
أما حاليًا؛ فتتكون جبال الأبالاش من 423 مقاطعة عبر 13 ولاية وتمتد على مساحة 206000 ميل مربع، تضم المنطقة 3 مجتمعات قبلية أمريكية أصلية معترف بها على المستوى الفيدرالي وخمس مجتمعات قبلية أمريكية أصلية معترف بها على مستوى الولاية، مع كيانات قبلية في أبالاش ألاباما وجورجيا وميسيسيبي ونيويورك ونورث كارولينا. وتعكس الفنون والحرف اليدوية في منطقة الأبالاش، مثل خياطة اللحف وصناعة السلال والأعمال الخشبية، التراث الثقافي الفريد للمنطقة. كما أن اللهجات المتعددة والعادات المميزة للمنطقة تسلط الضوء على أهميتها الثقافية.
-
السمات الجيولوجية لجبال الأبالاش
تعتبر جبال الآبالاش أقدم نظام لسلاسل الجبال على هذا الكوكب. ويعتقد أنها تشكلت منذ حوالي 480 مليون سنة خلال العصر الأوردوفيشي. في هذا الوقت، بدأت الصفيحة المحيطية القديمة الإفريقية بالاندساس تحت صفيحة أمريكا الشمالية، مما أدى إلى فترة من بناء الجبال وتكوينها. وعلى مدار الـ 250 مليون سنة التالية، شهدت المنطقة سلسلة من أنشطة بناء الجبال بما في ذلك جبال أليغينيان، وأكاديان، وكالدونيان، وأواتشيتا، وهيرسينيان. إذ كانت الأجزاء الشمالية من النطاق جليدية خلال عصر البليستوسين. كما يُعتقد أن ارتفاع جبال الأبالاش في البداية كان يبلع ارتفاع جبال الألب وجبال روكي، لكن التغييرات المناخية سبب انخفاض ارتفاع الجبال. أما المناطق الجنوبية والوسطى من جبال الأبالاش فتشتهر بوجود رواسب الفحم، خاصة الفحم البيتوميني والأنثراسايت. كما تم العثور مؤخرًا على رواسب من النفط والغاز الطبيعي والمعادن مثل الحديد والزنك. كما تتميز المنطقة بأنها تضم عدة متنزهات وغابات وممرات للمشي والمغامرات والرحلات الجبلية لمحبي المغامرة والتسلق.
-
النظام الحيوي لجبال الأبالاش
تشتهر جبال الأبالاش بتنوعها البيولوجي المذهل وجمالها الأخاذ. المنطقتان الوسطى والجنوبية تشكلان جزءًا من منطقة غابات أبالاتشي-بلو ريدج البيئية التي تغطي مساحة تبلغ حوالي 159000 كيلومتر مربع في شرق الولايات المتحدة. وتتنوع الأشجار في الغطاء النباتي الذي يكسو مساحات شاسعة من الجبال كالتنوب الأسود والعادي، والشوكران الشرقي، والصنوبر الأبيض الشرقي، وقيقب السكر، وغيرها.
وفيما يتعلق بالأنواع الحيوانية الموجودة في جبال الأبالاش، فتشمل:
- الحيوانات: السناجب بأنواعها المتعددة كالسنجاب الرمادي الشرقي، والسنجاب الثعلب، والسنجاب الطائر الجنوبي، والسنجاب الأحمر، والسنجاب الطائر الشمالي، والأرنب القطني الشرقي، والأرنب الثلجي، والغزال ذو الذيل الأبيض، والموظ، والأيائل، والوعل، والقنادس، والدب الأسود، والراكون، والثعلب الرمادي.
- الطيور بما في ذلك الديك الرومي البري، والغراب الشائع، والحمام الحداد، والبومة ذات القرون الكبيرة، والبط الخشبي، والباز الشمالي، والعديد من الطيور المغردة.
- البرمائيات فمنها يوجد أيضًا السلمندر، والنيوت المرقط الأحمر، والضفدع الخشبي، وغيرها
- الزواحف مثل الثعابين بأنواعها، والسلاحف كالسلحفاة النهاشة الشائعة، والسلحفاة الصندوقية الشرقية.
- الأسماك: توجد أسماك المياه العذبة مثل البلم، والسهام، والسلمون المرقط، وغيرها العديد.
منذ القدم، وتحديدًا من حوالي 16 1 الف عام، استوطنت الشعوب الأصلية - بما فيها الشيروكي والهاودينوسوني والبوهاتان والشوني- وعاشت في مناطق جبال الأبالاش وتعايشت مع طبيعة المكان وكل ما ينبت أو يعيش فيه، وحافظوا على هذه المناظر الطبيعية. حتى توارثتها الأجيال.. واليوم، يعيش ما لا يقل عن 22 مليون شخص في المنطقة، ويعتمد ملايين آخرون على وفرتها الطبيعية في الصحة وسبل العيش والترفيه. ولكن في الحقيقة فإن هناك العديد مما يهدد وفرة المنطقة الغنية، فالتهديدات المتزايدة الناجمة عن النشاط البشري الحديث من التنمية الحضرية والتعدين والزراعة والغابات غير المستدامة والتجزئة الناجمة عن السدود والطرق؛ تعرض الصحة العامة والاقتصادية والبيئية في المنطقة للخطر.
وليس النشاط الحضري هو التهديد الوحيد، فمن ناحية أخرى يبدو أن جهود المحافظة على التنوع البيئي لا تواكب الأضرار المتسارعة؛ فهناك 26% فقط من هذه المناظر الطبيعية ذات الأهمية العالمية محمية. ناهيك عن أن تغير المناخ من ناحية ثالثة يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات؛ إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة إلى تغيير وتدمير الموائل، مما يتسبب في تغيير النباتات والحيوانات لنطاقاتها شمالًا وإلى ارتفاعات أعلى. وهذا بدوره ينذر بالخطر على المنطقة وعلى أهلها من البشر والكائنات الأخرى.
