16-يوليو-2024
اعتقال راشد الغنوشي

(Getty) أنصار حركة النهضة ينددون باعتقال رئيسها راشد الغنوشي

تتعرّض "حركة النهضة" التونسية لعملية تفكيك، وفق متابعين للمشهد السياسي التونسي. وتعززت هذه القناعة أكثر إثر الاعتقالات الأخيرة التي طالت الأمين العام للحركة، العجمي الوريمي، وعضو مجلس شورى الحركة، محمد الغنودي، بالإضافة لمصعب الغربي.

واعتبر حزب "حركة النهضة"، في بيان، أنّ هذه الاعتقالات تمثّل: "مواصلةً لاستهداف الهيكل التسييري للحزب وتغذية الفراغ التنظيمي داخل الحركة عبر تفكيك النواة القيادية بالاعتقالات وإغلاق المقار وعمليات التضييق".

وكانت السلطات التونسية، في ظل حكم الرئيس قيس سعيّد، قد أوقفت العديد من قيادات الحركة، حيث يوجد في السجون التونسية كل من قائد الحركة وزعيمها راشد الغنوشي، ورئيس الحركة بالنيابة منذر الونيسي، ونائبيْ الرئيس وزير الداخلية الأسبق علي العريّض، ونور الدين البحيري (وزير عدل سابق)، ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، والسيد الفرجاني عضو  مجلس الشورى.

كما طالت الاعتقالات قياديين آخرين في الحركة، أبرزهم: الصادق شورو، والحبيب اللوز، ومحمد بن سالم، والصحبي عتيق. علاوة على قياديين في المكتب التنفيذي ووزراء سابقين وبرلمانيين، من بينهم الوزير رياض بالطيب، والنائبان السابقان أحمد المشرقي ومحمد فريخة، بالإضافة إلى القيادي المستقيل من النهضة عبد الحميد الجلاصي.

تتجهّز تونس لانتخابات رئاسية في السادس من تشرين الأول/أكتوبر المقبل، لكن العديد من المرشحين المحتملين لمواجهة الرئيس الحالي، إما تمّ الزج بهم في السجن، أو جرى التحقيق معهم وتم منعهم من السفر والظهور الإعلامي

وبحسب مصادر من الحركة ومصادر أخرى حقوقية، فإن حركة النهضة: "تتصدر قائمة أكثر الأحزاب التي طاولت الاعتقالات قياداتها ورموزها ونشطاءها في المستوى المركزي والجهوي والشباب". ويشار إلى أن الاعتقالات الجديدة تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

محاولة لشلّ الحزب؟

وتعليقًا على أحدث الاعتقالات في صفوفها، قالت "حركة النهضة" في بيانٍ نشرته الأحد، إن إيقاف القياديين الثلاثة، وخاصةً العجمي الوريمي، الأمين العام للحركة، ومصعب الغربي: "جاء رغم عدم وجود أي قضية أو أوامر تفتيش متعلقة بهما".

وأضاف البيان: "إنهما ليسا محل أي تتبع قضائي ما يوجب قانونًا عدم تقييد حريتهما تحت أي عنوان"، فيما أكّد البيان: "مفاجأة الجميع بإبلاغ محمد الغنودي بأنه محل تفتيش، ما يستوجب نقله إلى الفرقة الأمنية المعنية لتسوية وضعيته القانونية".

واعتبرت الحركة أنه: "في مخالفة للإجراءات القانونية وللحقوق والحريات، نُقل الجميع إلى مركز الحرس ببرج العامري، ثم فرقة الأبحاث والتفتيش بطبربة، وبعد إحالة الغنودي على ثكنة العوينة لتسوية وضعيته القانونية، تم الإبقاء على الوريمي والغربي محتجزين دون إذن قانوني ودون توجيه أي تهمة لهما ومنع المحامين الموجودين في المكان من لقائهما ومعرفة أسباب احتجازهما إلى حدود فجر صباح يوم الأحد، حين تم إعلام الجميع بقرار الاحتفاظ بهما ومنع لقاء المحامين مدة 48 ساعة دون إعلام أي منهما بالتهم الموجهة لهما إن وجدت".

وتابع بيان الحركة: "قبل انتهاء المدة المذكورة، وبعد 8 ساعات فقط من الاحتفاظ، نُقل العجمي الوريمي ومصعب الغربي إلى قطب مكافحة الإرهاب، ثم إلى ثكنة العوينة، وتم طلب التحاق المحامين بهما. وبمجرد وصول المحامين، أعلموهم بتواصل قرار المنع".

وعبّرت "حركة النهضة" عن إدانتها الاحتجاز الذي وصفته بغير القانوني للعجمي الوريمي ومصعب الغربي، مؤكدةً أن: "توجيه أي تهم لهما هي تهم لاحقة لاحتجازهما ومعدة تحت الطلب". أما في ما يخص محمد الغنودي، فقالت الحركة إن تواصل احتجازه يأتي على الرغم من أن الأمر يتعلق بـ"تسوية وضعية".

ويرى متابعون أنّ مسلسل الاستهدافات المستمرة للحركة وقادتها لن ينتهي إلا بحظر الحركة، التي تتعرض لاتهامات بالعلاقة مع الإرهاب وتلقي التمويل غير المشروع.

وسبق للأمين العام للحركة، العجمي الوريمي، أن علّق على ما توصف بمحاولات "تقويض الحركة وشلّها" بالقول: "إنه ليست هناك قوة قادرة على شل النهضة" وفق تعبيره.

كما سبق لرئيس الحركة، راشد الغنوشي، أن صرّح قبيل اعتقاله، في 15 نيسان/أبريل من العام الماضي، بأنّ: "تونس بلا نهضة أو إسلام سياسي ولا يسار ولا أي مكون آخر مشروع حرب أهلية"، وهو التصريح الذي اعتقل على إثره، حيث أمر النائب العام بتوقيفه وتفتيش منزله وإحضاره للاستجواب.

وبعد ذلك أغلقت السلطات، في 18 نيسان/أبريل، مقرات "حركة النهضة" و"جبهة الخلاص"، وهذه الأخيرة عبارةٌ عن ائتلاف معارض بارز للرئيس قيس سعيّد، يضم النهضة وأحزابًا ونشطاء. كما قامت السلطات بحجز المعدات والوثائق في المقر المركزي للحركة، وحظرت الاجتماعات والنشاطات فيها، ولم تستعد النهضة مقارّها حتى اليوم برغم انتهاء عمليات التفتيش والأعمال القضائية فيها، بحسب ما تؤكده قيادة الحزب.

سياق الانتخابات الرئاسية

تتجهز تونس لانتخابات رئاسية في السادس من تشرين الأول/أكتوبر المقبل، لكن العديد من المرشحين المحتملين لمواجهة، قيس سعيّد، إما تمّ الزج بهم في السجن أو جرى التحقيق معهم وتم منعهم من السفر والظهور الإعلامي، والمعنيون هم الأمين العام لـ"حزب العمل والإنجاز"، والقيادي المستقيل من النهضة عبد اللطيف المكي، والأمين العام لـ"حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري" لطفي المرايحي الذي تم توقيفه والاحتفاظ به في السجن بشبهة تبييض الأموال.

وبينما من المفروض، حسب حزب "حركة النهضة"، أن تتم: "تهيئة المناخ السياسي بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين مع قرب الانتخابات الرئاسية العامة، إلا أن عملية الاعتقال هذه (لقادة الجهاز التسييري للحركة) تأتي لتؤكد المخاوف بأن هذه الانتخابات لن تكون ديمقراطيةً ولا علاقة لها بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة". كما أكد بيان الحركة تمسكها بـ: "الموقف الديمقراطي في معارضة الانقلاب ومقاومته والحرص على استعادة المسار الديمقراطي بكل الوسائل السلمية الديمقراطية".

فيما قالت القيادية في "حركة النهضة"، يمينة الزغلامي، في تصريحٍ إعلامي، إن: "حركة النهضة منذ اعتقال رئيس الحزب وقادتها وإغلاق مقارها وهي مستهدفة، برغم أنها الآن غير معنية، لا في السر ولا في العلن، بالانتخابات الرئاسية".

قيادية في حركة النهضة: الثورة منحت النهضة وغيرها من أحزاب وإعلاميين ونخب وعموم المواطنات والمواطنين حرية وديمقراطية لا تنازل عنها

وأبدت استغرابها من: "احتجاز الأمين العام العجمي الوريمي الذي منذ انتخابه لهذه المهمة، وهو يسعى للتهدئة والحوار، تمسكًا بالديمقراطية والحريات". مضيفةً أنّ: "هذا الاعتقال يؤكد مرة أخرى أنه لا حرص على توفير المناخ السياسي لانتخابات تتساوى فيها الفرص للجميع من دون هرسلة وتضييق" وفق قولها.

وشددت القيادية في "النهضة" على أن الحركة: "معنية بالدفاع عن الحريات وإطلاق سراح قادتها وحقها في النشاط السياسي السلمي"، مؤكدةً أن: "النهضة ملتزمة بقرار جبهة الخلاص، وهو عدم المشاركة (في الانتخابات) إلا في حال توفرت الشروط التي أعلن عنها رئيسها، نجيب الشابي، منذ مدة في ندوة صحافية، فلا مشاركة للنهضة حتى بالتزكيات، ومؤسسات الحركة شاركت في قرار الجبهة وملتزمة به ولا مجال للفوضى أو التراجع، فلا تزكيات ولا مساندة لأي مترشح".

واستبعدت الزغلامي خشية السلطة من وزن النهضة الانتخابي، قائلةً: "لمَ الانزعاج من النهضة، وكيف الخشية من حزب رئيسُه وقادته في المعتقلات ومقاره مغلقة؟" معتبرة أن: "النهضة للأسف فقدت الآلاف من ثقلها الانتخابي، ولم تنجز الحركة مؤتمرها بسبب إغلاق مقراتها". وقالت إن: "حزب النهضة تَحمّل وإلى الآن يتحمل تبعات حكم شاركت فيه أحزاب عدة لكن النهضة تُحمل المسؤولية عن كل إخفاقات عشرية الانتقال الديمقراطي".

وشددت الزغلامي على أن: "ما بقي اليوم من النهضة المناضلات والمناضلون المستميتون في الدفاع عن الحريات"، مشيرةً إلى أن: "الثورة منحت النهضة وغيرها من أحزاب وإعلاميين ونخب وعموم المواطنات والمواطنين حرية وديمقراطية لا تنازل عنها".