أغلق المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن إذن، وما كان يعد مستحيلًا أصبح الآن حقيقية جاثمة فوق صدور "غير المرخصين" الذين أظنهم في هذا الوقت يلقون التهم على كل الأطراف، ابتداء من الدولة وانتهاء بعبد المجيد ذنيبات صاحب فكرة تقسيم الإخوان، بإنشاء جمعية مرخصة باركتها دوائر صنع القرار في آذار/مارس من العام الماضي.
لا يمكن تجاهل أثر الربيع العربي على واقع الإخوان واللعبة السياسية في الداخل الأردني
لعل الإخوان "القدامى" بانشغالهم عن مراجعة أسباب الخلل الكامن في مشروعهم الذي بات لا يتضمن إلا المعارضة الورقية الكلامية، دون برنامج سياسي اجتماعي اقتصادي يذكر، يعيدون إنتاج خطاب المظلومية الذي يضمن لهم أصوات المواطنين في محافل النقابات والبرلمان، وفقًا بالطبع للعاطفة الدينية التي تجمع الكثيرين من حولهم.
اقرأ/ي أيضًا: مقابر من طين
إلا أن هؤلاء وعلى دراية بعض قيادتهم باتوا مقتنعين بأن ثمة جملة من الأسباب والنتائج التي أعقبت ما يسمى بالربيع العربي والثورة المضادة التي أطاحت بإخوانهم في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، لا يمكن تجاهل أثرها على واقع الإخوان واللعبة السياسية في الداخل الأردني، فكيف سيعالجون هذا الموقف الحرج؟ وما هو السبيل للخروج من هذا المأزق؟
دعونا أولًا نلخص ما حدث اليوم فيما يخص إغلاق المقر "غير المرخص"، إذ يمثل ما حصل حلقة هامة في مسلسل الاستقطاب بين الجماعة من جهة والنظام، ولعل دوائر صنع القرار ضربت عصفورين بحجر واحد، فمن جهة سيدفع هذا القرار الإخوان إلى التوجه الى حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يمثل غطاء سياسيًا "شرعيًا" لهم لممارسة نشاطاتهم، ومن جهة أخرى الضغط على الصقور لحسم رأيهم بشأن الدخول في الانتخابات البرلمانية.
أما عن أبعاد هذه الخطوة على الصعيد الخارجي، هو التقاط صانع القرار إشارات هامة من خطوة السعودية الأخيرة التي اتجهت إلى مصر بكل ثقلها، وهذا يعني بالتأكيد دعمها للسياسية السيسي وحرس مبارك القديم في الداخل، ومن ضمنها علاقته بالإخوان، أضف إلى ذلك ما تناقلته وكالات الأنباء عن اتفاق إماراتي أردني لبناء 50 ألف وحدة سكنية في الجنوب السوري لتهدئة الأوضاع هناك، وحل الفصائل المسلحة والإبقاء على فصيل موالٍ لهم يضمن استقرار الحدود الأردنية والإسرائيلية، ومثل هذه الخطوة تمثل رسائل هامة للحليف الإماراتي "المهتم بنا حديثًا"، والعدو الأكبر للإخوان في المنطقة العربية بنهج المملكة المتمثل بتضيق الخناق عليهم "ظاهريًا".
ما فعله النظام الأردني هو عملية حض الإخوان على المشاركة في الاستحقاقات القادمة من انتخابات بلدية ونيابية
لطالما كانت جماعة الاخوان المسلمين حليفًا وثيقًا للنظام، ابتداء من خمسينيات القرن المنصرم وأزمة الشيوعيين، مرورًا بالتحول الديموقراطي في نهاية الثمانينات، وصولًا الى استحقاق الربيع العربي الذي طمأنت فيه الجماعة القصر بخطوط الربيع الأردني الأحمر الذي لن يمسهم، وهذا يقودنا بطبيعة الحال إلى استبعاد وأد هذا التنظيم داخل المملكة الأردنية، أو الحديث عن ما بعد مرحلة الإخوان.
أظن أن ما فعله النظام اليوم هو عملية حض الإخوان على المشاركة في الاستحقاقات القادمة من انتخابات بلدية ونيابية، وتوضيح نقطة هامة هي أن عصر تداخل الجماعة "التي وجدت أصلًا لتقديم الخدمات الاجتماعية بداية" مع العمل السياسي قد ولى، وأن حزب جبهة العمل الإسلامي هو المكان الوحيد لذلك.
اقرأ/ي أيضًا: