معظمنا في هذه الأيام تحت تأثير شعور جمعي بأننا مدمنون على الهواتف الذكية، متسمّرين أمام إنستغرام أو تيك توك، أو متابعين لسيل التغريدات في تويتر، أو منشغلين بالتقليب بين مقطع فيديو وآخر على فيسبوك، على الرغم من الشعور الدائم بالذنب، وربما القرف من أنفسنا نهاية اليوم حين تحاول حساب الساعات التي أمضيناها أمام الشاشة بلا داع. هذه هي الحالة التي تدلّ على أننا واقعون في شرَك إدمان وسائل التواصل الاجتماعي.
إياك والوقوع في فخّ الشعور بالأهمية الفارغة على وسائل التواصل الاجتماعي
لكن كيف يمكن أن نقيم هذا السلوك بطريقة واعية؟ هل نحن أمام حالة من الإدمان، أم أنها مجرد عادة سيئة يمكن التخلص منها بقليل من التعديلات على سلوكنا ووعينا؟
هل من الدقّة حقًا أن نتحدّث عن حالة "إدمان" على وسائل التواصل الاجتماعي؟ أم أننا نستخدم هذه الكلمة الخطيرة بتجاوز واستخفاف، حتى باتت مفرّغة من معناها الحقيقي، أي المعنى الذي يدلّ على حالة مرضيّة تحتاج علاجًا متخصصًا ومتابعة حثيثة؟
لكن حتى لو نكن في حالة إدمان، فإننا جميعًا نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، وننقر على شاشة الهاتف مئات المرات خلال اليوم بحثًا عن أي تحديثات أو أخبار أو صور جديدة، كما اعتادت أصابعنا على سحب الشاشة إلى الأسفل لمشاهدة مقاطع الفيديو، على تيك توك، وعلى يوتيوب الآن، إضافة بالتأكيد إلى بقية المنصّات، بما فيها تويتر.
نستعرض فيما يلي أربعة مؤشرات عامة قد تساعد في توصيف سلوكك على وسائل التواصل الاجتماعي ومدى اعتمادك عليها، بالإضافة إلى بعض النصائح للحدّ من هذه الاعتماديّة التي قد تتحوّل إلى حالة مرضيّة تعطّل عليك الكثير من الأنشطة الأكثر فائدة مهنيًا واجتماعيًا ونفسيًا، وصحيًا أيضًا.
مؤشّرات عامّة على إدمان وسائل التواصل الاجتماعي
- التصفح القهري لوسائل التواصل الاجتماعي
نحن شديدو التعلق بهواتفنا، لأننا نشعر بأننا ملاحقون من قبل المدير في العمل، أو الزوج، أو الشريك، أو أطفالنا وأفراد العائلة. وفي حال كان الهاتف معنا باستمرار بسبب هذه الدوافع العملية، فإنه من الصعب عدم الإفراط باستخدامه لملء بعض الدقائق الميتة خلال اليوم، عند الانتظار في أي طابور، أو عند الذهاب إلى التواليت، أو السير في الحديقة. فكيف نعرف إن كان سلوكنا قهريًا؟ وما هو الاستخدام القهري للهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي؟
السلوك القهري بحسب المختصين هو الشعور بضرورة القيام بعمل ما على نحو متكرر، حتى لو لن نكن بحاجة إلى ذلك. فلو صار هذا الدافع القهري مؤثرًا بوضوح على قراراتنا السليمة، كأن تتولد لدينا رغبة يصعب التحكم بها بالنظر إلى الهاتف وتصفح السوشال ميديا أثناء قيادة السيارة أو قطع الشارع أو الحديث مع الآخرين، فإن ذلك قد يدل على سلوك إدماني قهري، ويستوجب عليك التنبّه إليه وضبطه. الطريقة الأساسية في التعامل مع عادة مسيطرة علينا، هو استعادة الوعي بشأنها، والانتباه إلى أنك تقوم بها فعلًا دون أن تشعر بذلك. هذه هي الخطوة الأولى الأكثر أهمّية، وهي وضع اليد على الخلل والوعي به.
ينصح المختصون بمتابعة عدد المرات التي تتصفح بها تطبيقات التواصل الاجتماعي يوميًا، وعدد المرات التي تختطف بها النظرة تلو الأخرى إلى الهاتف خلال اليوم. عطّل التنبيهات على الهاتف كي تستعيد جزءًا من تركيزك، فعل خاصية "عدم الإزعاج" على الهاتف، أو فعّل خيار "التركيز" على هاتف الآيفون، والتي ستساعدك على التخلص من التنبيهات خلال ساعات العمل، أو عند قيادة السيارة، أو أثناء القراءة أو استراحة الغداء في العمل.
بعدها اعثر على فكرة لملء دقائق الفراغ بوسيلة ثانية غير الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي. إنها عملية "تخلية وتحلية" من نوع آخر، حيث تتخلص من عادة قديمة وتضع مكانها عادة جديدة أكثر نفعًا، ضمن قرار واعٍ لاختيار حياة أكثر تركيزًا وأقل تشتيتًا.
- استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي يؤثر سلبًا على مجريات حياتك
ثمة تعريف بسيط ومفيد للإدمان، يساعد في التفريق بينه وبين أنماط أخرى من السلوك القهري أو شبه القهري. هذا التعريف يقول إن الإدمان هو "الاستخدام القهري المتكرر لمادة أو سلوك ما على الرغم من الضرر المترتب على ذلك على الذات أو الغير". فلو كنت مثلًا تتصفح إنستغرام لمتابعة بعض الحسابات الرياضية ونصائح اللياقة، كل ليلة قبل النوم، فإن ذلك لن يشكّل نمط سلوك إدماني، ما دمت لا تسبب أذى لنفسك عبر السهر لساعات طويلة في فعل ذلك وعدم النوم بشكل كاف وجيد خلال الليل.
لاحظ استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي وما إذا كان يعود بأثر سلبي عليك شخصيًا أو على علاقاتك مع الآخرين، أو على عملك، أو نومك، أو غير ذلك من الجوانب التي تمس صحتك. في حال استمرّت هذه الحالة رغم ملاحظة العواقب السلبية، فأنت على الأغلب أمام حالة إدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، وعليك التصرف بشأن ذلك دون تأخير.
نصيحة: عليك الصيام عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 24 ساعة. لا حلّ أوليًا أمامك سوى ذلك. عليك أن تنقطع بشكل كليّ عن هذا السلوك، بعد أن تعلم أصدقاءك ومن يتواصلون معك عادة عبر تطبيقات السوشال ميديا بأنك ستفعل ذلك، كي لا تثير أي قلق أو مخاوف لديهم. البشر اليوم موصوفون بأنهم "أمّة الدوبامين"، إذ ثمة بحث لا ينتهي عن هذه اللذة العابرة في العثور على شيء جديد أثناء تصفح تلك التطبيقات، ولا بدّ كخطوة أولى من أن تثبت لنفسك وبشكل واضح أنّك قادر على التخلي عن ذلك. ينصح الخبراء بتجربة هذه الخطوة مع بعض الأصدقاء أو أفراد العائلة.
لاحظ التغير الذي يطرأ عليك أثناء فترة الصيام الرقمي (digital fasting)، وسجّل ما تلاحظه من أعراض، سواء كان ذلك توترًا أو قلقًا أو أفكارًا غريبة تراودك وأنت تحاول أن تفطم نفسك عن الهاتف والتطبيقات التي اعتدت على تصفحها فيه. وأيًا كانت هذه الأعراض، فستلاحظ في نهاية اليوم كيف أنك تأقلمت مع الوضع الجديد وتجاوزتها، وأنّك تشعر أنّك إنسانٌ أفضل، قليلًا، وراغب بالاستمرار بعيدًا عن التشويش الذي تسببه وسائل التواصل الاجتماعي والارتباط الشديد بمتابعة ما يجري عليها.
أما بالنسبة للأشخاص الذي يعانون حقًا من حالة إدمان مرضية على وسائل التواصل الاجتماعي، فينصح المختصون بالصيام عن الهاتف لمدة أطول، تصل إلى 30 يومًا متواصلة أو أكثر. فبحسب الدكتورة آنا لامبك، وهي أستاذة علم النفس والإدمان في كلية الطب في جامعة ستانفورد، فإن الشخص يحتاج إلى شهر أو أكثر من الانقطاع عن عادة إدمانية ما من أجل إعادة ضبط دماغه والتأقلم على إمكانية العيش بدونها.
- النهم المستمر للمزيد من السوشال ميديا
مثل أي نوع من الإدمان، فإن الاستخدام المفرط للسوشال ميديا قد يؤدي إلى التعود المتزايد على آثارها المسببة للمتعة، وهو ما يعني الحاجة إلى زيادة "الجرعة" باستمرار، من أجل استعادة ذلك الشعور وتعزيزه. عليك في هذه الحالة أن تقيّد مدّة استخدامك لهذه التطبيقات، عبر الاستفادة من خاصيّة تقييد وقت الاستخدام لكل تطبيق. جرّب أيضًا هذه الطريقة: اكتب الهدف من استخدام الهاتف قبل أن تصل يدك إليه وتبدأ باستخدامه. وحتى لو كنت ترغب باستخدامه لمجرد التسلية وقتل الوقت، فحاول تحديد هذه المدّة وعدم جعلها مفتوحة.
- لقد أقنعت نفسك أن المتابعين بانتظارك؟
في حال لم تكن أحد المؤثرين، أو المؤثرات (أي شخصًا يجني المال من وجوده على وسائل التواصل الاجتماعي) فإياك والوقوع في هذا الفخّ. لكن لو حصل وشعرت بأنّ أحدًا ينتظر تعليقك على حدث أو قضية ما، أو مشاركة في تريند معين على تطبيقات التواصل، فليس عليك سوى القيام بتجربة صغيرة: تجنّب وضع أي منشور أو تعليق، وانتظر ردّة فعل المتابعين إن كانوا سيشعرون بهذا الغياب. غالبًا لن ينتكش أحد بغيابك، وهذا يعني أنه لا يلزمك بالضرورة أن تسهم في التعليق على الأحداث باستمرار، خاصة إن كان ذلك يؤثر سلبًا على مجريات حياتك الأخرى. يمكنك بدل الكتابة على العام، أن ترسل رسالة بشكل مباشر لصديق تثق به، أو تنشئ مجموعة نقاشية صغيرة مع عدة أصدقاء لو كان هذا خيارًا ممكنًا ومغريًا.