تحوّل إريك زمور في وقتٍ قياسيٍ من مجرّد معلّقٍ تلفزيونيٍ مسعورٍ وكاتبٍ يمينٍي متطرّفٍ مغمورٍ يُعادي الهاجرين إلى ظاهرةٍ سياسيةٍ بعثرت أوراق المترشحين لانتخابات الرئاسة الفرنسية المزمع تنظيمها مطلع شهر نيسان/إبريل 2022. فإريك زموز الذي لم يُعلن بعد ترشّحه بصفة رسمية، أصبح المؤثر والموجّه الرئيسي للنقاشات التي تسبق الانتخابات في فرنسا، بل إن البعض يبالغ بالقول إنه بات يفرض المواضيع التي يتم تناولها، وهي مواضيع تدور أساسًا حول الهجرة، والإسلام والهوية في فرنسا الحالية المهددة من وجهة نظر إريك زمور بالموت والأفول.
تحوّل إريك زمور في وقتٍ قياسيٍ من مجرّد معلّقٍ تلفزيونيٍ مسعورٍ وكاتبٍ يمينٍي متطرّفٍ مغمورٍ يُعادي الهاجرين إلى ظاهرةٍ سياسيةٍ بعثرت أوراق المترشحين لانتخابات الرئاسة الفرنسية
يقدم المرشح المحتمل لرئاسيات فرنسا 2022 نفسه للجمهور الفرنسي كمنقذٍ وطني لفرنسا ومدافعٍ عن "نظرية الاستبدال الكبير" التي تفترض إبدال الأوروبيين البيض بمهاجرين، ولذلك يدعو إلى إنهاء الهجرة النظامية وغير النظامية، المسؤولة في نظره عن تخريب فرنسا وجعل مناطق واسعة منها جيبًا لإسلاميين أجانب.
ومن هذا المنطلق يتضح أن خطاب زمو يقوم على ثنائيات تختزل الصراع في فرنسا إلى معركة بين المهاجرين الوافدين والفرنسيين الأصليين، بين التقاليد المسيحية في فرنسا، وثقافة وافدين مسلمين جدد، نَعَتَهم في إحدى المرات بأنهم "مستعمِرون".
حظوظ متصاعدة في الاستطلاعات
تشير آخر الاستطلاعات في فرنسا إلى أن المرشح المحتمل لرئاسيات فرنسا إريك زمور أصبح منافسًا قويًا لإيمانويل ماكرون وزعيمة اليمين مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية، فقد وضع استطلاعان حديثان للرأي زمور في المرتبة الثانية خلف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متقدما على زعيمة اليمين المتطرف لوبان. كما أظهر استطلاع للرأي أعده معهد "هاريس إنترأكتيف" لمجلة "شالانج"، أن زمور سيحصل على 17% من الأصوات في الدورة الأولى، متقدماً على لوبان التي حازت على ترشيح 15%، مقابل 24% لماكرون، الذي من المتوقع أن يهزم زمور في الدورة الثانية، بنسبة 55% مقابل 45%، بحسب الاستطلاع.
بدورها أكدت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية أن الاستطلاعات لا ترجّح مشاركة لوبان أمام ماكرون في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2013، منبهةً أي، لوفيغارو، إلى ما وصفتها بـ"الديناميكية المبهرة" لإريك زمور، والتي تجعله في صدارة المرشحين المحتملين لمواجهة ماكرون في الدورة الثانية.
إريك زمور تفاعل مع حظوظه المتصاعدة في الاستطلاعات بالقول إنها "مشجّعة لأقصى حد"، مستدركاً القول لكن "ليس من مصلحتي إعلان ترشيحي الآن، فعلى المرء أن يختار اللحظة المناسبة لذلك".
مضيفًا في ذات السياق: "أعتقد بأن كثيرين من الفرنسيين كانوا ينتظرون هذه الرسالة، أن هناك مَن يتحدث إليهم عن فرنسا، وعمّا يشعرون به من أن البلد أمام خطر الموت، بعدما خربته موجة من الهجرة تُعتبر سابقة، بحيث تحوّلت مناطق بأكملها من البلاد إلى جيوب لإسلاميين أجانب".
يشار إلى أن إريك زمور سيقوم خلال الأسبوع الجاري بجولة خارجية ستقوده إلى العاصمة البريطانية لندن، في حملة مبكّرة، تهدف، حسب الصحافة الفرنسية، ترمي إلى حشد الدعم لحملته الانتخابية، حيث سيعقد خلال زيارته القصيرة إلى بريطانيا، عدة لقاءات مع المواطنين الفرنسيين الذي يقيمون في العاصمة البريطانية لندن.
في سياق متصل رصدت بلومبيرغ تشكل ما وصفته بجيش رقمي ومنظومة رقمية متكاملة حول إريك زمور الذي أصبح أكثر المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية في فرنسا حضوراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولفتت بلومبرغ النظر إلى أن هذه المنظومة تعمل بطريقة مشابهة لتحالف المصالح على مواقع التواصل الاجتماعي الذي دَعَم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.
وذكرت "بلومبيرغ" أن حملة التأييد الرقمية لصالح إريك زمور تتجلى بشكل واضح على موقع "فيسبوك"، حيث "ارتفعت شعبية إريك زمور إلى مستويات قياسية خلال الأشهر الـ18 الأخيرة".
زمور يحسم التنافس في معسكر اليمين الفرنسي
في تشرين الأول/أكتوبر أدلت زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان بتصريح قالت فيه إنها لا ترى "القيمة المضافة التي يجلبها إريك زيمور"، في محاولة لطمأنة فريقها وأنصارها المتخوفين من تراجع أسهمها الانتخابية مع صعود الوافد الجديد إلى الساحة السياسية بمزيج من خطاب اليمين المتطرف والشعبوية السياسية تماما على غرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الذي يحبذ زمور تشبيهه به، ويكيل له الثناء كلما سنحت له الفرصة بذلك حتى غدا يوصف ب "ترمب فرنسا".
لم تكن تطمينات لوبان ولا توقعاتها صائبة فاستطلاعات الرأي المختلفة أكدت اليوم أكثر من أي وقت مضى أن إريك زموز في طريقه لإزاحتها من زعامتها التي استمرت زهاء 20 عامًا في قيادة اليمين الكلاسيكي والمتطرف. ففي الوقت الذي حاولت فيه لوبان تنظيف صورة حزبها كمعاد للأجانب وإبعاده عن جذوره، أعاد زمور "البريق" لمقولات اليمين المتطرف ممزوجة بشعبوية فجّة. فاقتراحات إريك زمور حسب لوفيغارو تُقارَن بالبرامج التي ينفذها مرشحو اليمين الليبرالي منذ عقد، بما في ذلك معاشات التقاعد وخفض الضرائب، وهو يتميّز عن اليمين التقليدي، بتذكيره بأن معدل البطالة لدى الأجانب يبلغ ضعف ذلك للفرنسيين، داعياً إلى "إنهاء الهجرة، الشرعية وغير الشرعية"، من أجل توفير المال.
مكنت هذه الخلطة الفكرية إريك زمور من الوصول إلى ناخبي البرجوازية الكاثوليكية المتطرفة والناخبين من الطبقة العاملة، في ذات الوقت، كما قادت إليه قطاعات يمينية مختلفة طالما شعرت بالخيبة من لوبان، في حين يظل المرشحون المفضلون لدى جمهور يمين الوسط هم على التوالي: خافيير برتراند رئيس منطقة أعالي فرنسا، وفاليري بيكريس رئيسة منطقة باريس، وميشيل بارنييه المفاوض السابق في البريكيست.
ترى مجلة لوفيغارو أن صعود إريك زمور هو تأكيد جديد على ضعف الأحزاب السياسية الفرنسية، بالرغم من أن صعوده قد يكون ظرفيا ومجرد سحابة صيف سرعان ما تنقشع، لكن الفرنسيين، حسب المجلة، لم يعودوا يعرفون أنفسهم من خلال الأحزاب القديمة سواء من اليمين أو اليسار، هذا إن كانت ما تزال موجودة أصلا، حيث لم يحصل مرشح الاشتراكيين بينوا هامون في انتخابات عام 2017 إلا على نسبة 6% من الأصوات.
بعض مواقف زمور المنثورة في مقابلاته وبعض كتبه
تعهّد زمور في مقالاته وخطبه الكثيرة بوقف تدفق المهاجرين إلى فرنسا، وحول مواقفه من الإسلام يعتبر زمور أن الإسلام ليس دينًا بل سياسة، وأن المسلمين ليسوا مهتمين بالعقيدة بل بالنظام الاجتماعي"، ووصل به الأمر في الآونة الأخيرة إلى حد المطالبة بحظر الأسماء الشرقية، وبتغيير الأسماء الإسلامية إلى أسماء فرنسية.
وفي كتبه العديدة يظهر زمور متشائما إزاء مستقبل ما يسميها ب“الحضارة الفرنسية” مع استمرار سياسات الهجرة الحالية.
على صعيد السياسة الخارجية أيد زمور فكرة ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وقال على الهواء: "استولى بوتين على شبه الجزيرة بنفس الطريقة التي استولت بها كاترين الثانية على الممتلكات، روسيا هي ضميرنا، الدولة الأوروبية الوحيدة التي تقول لا لأمريكا".
كما دأب زمور على انتقاد حلف شمال الأطلسي، حاثًّا الفرنسيين على مغادرته، قائلا إنه:"كان ينبغي حل الناتو في عام 1990، عندما انهار الاتحاد السوفييتي وكتلة وارسو، لأنه تحول بعدها إلى آلة لخدمة مصالح الولايات المتحدة".
تهم بالتحرش الجنسي والعنصرية تلاحق زمور
تلاحق إريك زمور تهم كثيرة بالعنصرية والتحرش الجنسي، فقد سبق وأن أُدين من قبل المحاكم الفرنسية أكثر من مرة بتهمة العنصرية، ومؤخرا فقط اتُهم من طرف 7 سيدات بالاعتداء الجنسي عليهن، حسب ما ورد في شهادات أدلين بها لصحيفة ميديا بارت.
على قناة "فرنسا2" روت إحدى السيدات تجربتها مع الكاتب والصحفي الشهير بتصريحاته العنصرية ضد الإسلام والمهاجرين.
حيث قالت "آن" التي ظهرت بوجه مخفي خوفًا من ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها التقت زمور سنة 2005، وكانت حديثة التخرج من شعبة الصحافة وحلمت بالعمل في صحيفة “لوفيغارو".
أضافت "آن" البالغة من العمر آنذاك 26 سنة أنها تواصلت مع إريك زمور الذي كان يعمل في هيئة تحرير الصحيفة و"خلال أول لقاء بينهما بدأ الكاتب يتحرش بها وشرع في الاعتداء عليها"، وفق ما وثقته الشابة في يومياتها، مشيرة إلى أنها رفضت محاولات زمور بحزم ليخبرها أنه "سيصعب عليها إيجاد عمل".
وتعليلا لتأخرها في رفع شكواها أوضحت آن أنه في 2005 لم يمكن هنالك وجود لحركة "أنا_أيضًا" (MeToo) العالمية التي سلطت الضوء على التحرش ولم تكن تعلم أنها يمكن أن توجه له تهمة "الاعتداء جنسي".
أريك زمور ينحدر من عائلة يهودية جزائرية هاجرت إلى فرنسا منتصف القرن الماضي وحصلت على الجنسية الفرنسية
وتفاعلًا مع تهم التحرش الجنسي أدلى محامي إريك زمور بتصريحات نفى فيها وجود أي قضية تحرش مرفوعة ضد موكّله، معتبرًا أن هذه الادعاءات تأتي في إطار المنافسة الانتخابية للإضرار بالسمعة.
يشار في الأخير إلى أن أريك زمور ينحدر من عائلة يهودية جزائرية هاجرت إلى فرنسا منتصف القرن الماضي وحصلت على الجنسية الفرنسية.
اقرأ/ي أيضًا:
أزمة بين لندن وباريس.. تصعيد مستمر واحتمالات بمراجعة إمدادات الطاقة
في خطوة مفاجئة.. ماكرون يقيل كبير مبتعثي الخارجية إلى منطقة الشرق الأوسط