يصرف السياح المغاربة في إسبانيا أكثر مما يصرفه السياح الإسبان في المغرب. هذا ما يقوله تحقيق موقع "Media 24" المغربي. مرتكزًا على مقارنة آخر الإحصائيات التي أصدرتها وكالات صحفية، تتحدث عن 900 ألف سائح مغربي زار الجارة الأيبيرية السنة الماضية، مقابل 814 ألف إسباني زار المغرب خلال نفس السنة.
زاد السياح المغاربة لإسبانيا في 2018 بنسبة 26% وبلغت مصروفاتهم 540 مليون دولار مقابل 426 مليون صرفها 814 ألف سائح إسباني في المغرب
يُقرأ وقع خبر كهذا في ضوء السياسات الاقتصادية للمغرب، والتي ترتكز بشكل كبير على السياحة الأجنبية بما تجلبه من عملة صعبة وما تخلقه من حركة خدماتية وتجارية بالبلاد. وكذا السياحة الداخلية التي لا يستهان بمساهمتها في ذات الحركية الاقتصادية، إضافة إلى كونها رأسمال سياحيًا مضمونًا للمغرب، وهو يدخل الآن على خط المنافسة من قبلات أخرى أهمها الجارات الشمالية.
اقرأ/ي أيضًا: الإجازة الصيفية عند المغاربة.. المال يحسم الاختيارات
الأمر الذي يدفع إلى طرح سؤال عن تنافسية السياحة المغربية، مع كل القبلات السياحية التي يضمها حوض البحر الأبيض المتوسط. في ما تحيل المقارنات على اختلالات كبيرة ونقائص تشوب العرض السياحي المغربي، نحاول رسم بورتريه كامل لهذا العرض وسط المشهد العام في المنطقة.
إحصائيات ورهانات
تعد إسبانيَا ثاني مصدر، بعد فرنسا، للسياح الذين يأمّون المغرب. كونها لا تبعدُ إلا 13 كيلومترًا بحرًا. كانت دائمًا كفة استقبال السياح ترجح لصالح المغرب، حتى أعلنت السنة الماضية انقلابًا في الرقم، حيث زار المغاربة إسبانيا، أكثر مما زار الإسبان المغرب.
بحسب إحصائيات أطلقتها وكالة EFE للأنباء في شباط/فبراير الماضي، فإن 900 ألف سائح مغربي حلوا بإسبانيا سنة 2018، بزيادة قدرت بـ26% عن السنة التي سبقتها. فيما تفيد حسابات الموقع الفرانكوفوني المغربي، "Media 24"، على أن حجم مصروفات هؤلاء السياح بلغ عتبة 540 مليون دولار. هذا مقابل 426 مليون دولار صرفها السياح الإسبان الـ814 ألف السنة الماضية بالمغرب.
يأتي هذا في وقت ترفع وزارة السياحة الإسبانية في تحدي استقبال مليون سائح مغربي في أفق 2020، وقد سبق وتعهد وزير الخارجية الإسباني في الحكومة المنتهية ولايتها، جوزيب بوريل، بتسهيل إجراءات التأشيرة بالنسبة للمغاربة، مقدمًا اعتذاره للشعب المغربي لما كان يشوب تلك الإجراءات من تأخير واختلالات، وذلك عقب لقاء جمعه بنظيره المغربي ناصر بوريطة شهر حزيران/يونيو الماضي.
منافسة على السياحة الداخلية
900 ألف مغربي زاروا إسبانيا السنة الماضية، ومليون سائح مرتقب في أفق 2020؛ أرقام تحيل على منافسة شرسة تمتد إلى رصيد السياحة الداخلية بالمغرب. هي منافسة مشروعة، لكن تعكس ضعف تنافسية المغرب مع الاختلالات العديدة التي تشوب النموذج السياحي المغربي.
وتتفشى في النموذج السياحي المغربي الفوارق الشاسعة بين السعر وجودة الخدمات، بالإضافة إلى ضعف البنى التحتية واللوجستية الضرورية لتمكين السائح المغربي، فضلًا عن الأجنبي، من فترة اصطياف مريحة. وهذه الملاحظات توجد عند المصطافين الذين عاينوا الوضعين، كما عند المدافعين عن حقوق المستهلك الذين ما فتئوا ينددون بالأمر.
"الأسعار تقريبًا نفسها، لكن الاختلاف الكبير في جودة الخدمات. لكن إذا قارنت القدرة الشرائية للإسبان تجد أن العرض السياحي الداخلي أرخص من العرض الداخلي المغربي". يقول توفيق فاخر لـ"الترا صوت". وفاخر سائح مغربي، زار إسبانيا هذا العام.
ويضيف: "هناك تفاصيل صغيرة إذا تم الاهتمام بها تكون فترة اصطيافك أكثر راحة"، مشيرًا إلى البنى التحتية، ضاربًا المثال بالمرافق الصحية: "هناك المرافق منتشرة في كل مكان: حمامات عمومية، ومشارب مياه مجانية".
في المقابل، تفتقر أكثر الوجهات السياحية في المغرب شهرةً، إلى هذه المرافق، "مجرد قضاء الحاجة يعود همًا كبيرًا وإحراجًا إذا رفض أرباب المقاهي استعمال حماماتهم"، يقول فاخر.
"كلما حل موسم الصيف يلحقه ارتفاع صاروخي لأسعار المواد الغذائية والخدمات اللوجيستية بالوجهات السياحية المغربية المعروفة"، يقول بوعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك لـ"الترا صوت"، مضيفًا: "بل وأكثر من ذلك، هناك تمييزٌ في المعاملة بين السائح المغربي والسائح الأجنبي عند المشتغلين في قطاع السياحة بالمغرب"، وبهذا يعلل خراطي توجه السائح المغربي إلى وجهات أجنبية.
طموحات النموذج السياحي وعثراته
في مشروع نجاعة الأداء لسنة 2018، قدمت وزارة السياحة المغربية برنامجًا يدوم إلى سنة 2020، يهدف إلى تقوية وتدعيم أداء السياحة الوطنية. يعد البرنامج بتطوير الخدمات الفندقية ومضاعفة الطاقة الإيوائية، بإحداث 200 ألف سرير جديد، كما زيادة عدد السياح الوافدين من خلال مضاعفة الحصة من الأسواق الأوروبية الرئيسية، وجذب مليون سائح من الأسواق الأخرى.
هذا بالإضافة إلى إطلاق مخطط "بلادي" الذي يستهدف السياحة الداخلية، والذي سيتم من خلاله "تحسين الجودة والعرض ثماني محطات سياحية، وتقديم منتوج يتلاءم مع عادات السياح المحليين وأنماط استهلاكهم وأساليب سفرهم"، كما يقول نص المشروع.
كل هذه الطموحات ترتطم بجدار الواقع الذي ما زال رهينَ معيقات تحول دون ذلك، وهكذا تبقى السياحة الوطنية دون القوة التنافسية المطلوبة، والتي يربطها رشيد أوراز بسلطة الرأسمال العمومي على السوق الخدمات السياحية المغربية، والذي حسب المحلل الاقتصادي المغربي يقيد هذه السوق أكثر مما ينميها.
يفتتح أوراز حديثه لـ"الترا صوت" بالقول: "ظاهرة خروج المغاربة للسياحة في بلدان أخرى ظاهرة جديدة"، مشيرًا إلى أن جانب من أسبابها هو أن "المغاربة لم يعودوا مقتنعين بما يقدم لهم كمنتج سياحي، جودة النقل والفندقة خصوصًا"، إضافة إلى "أن سبق لهم أن قضوا عطلا في بعض الوجهات السياحية الأجنبية، يعقدون مقارنات ولا يفهمون كيف أن بعض الدول ذات الدخل المرتفع على المغرب، مثل إسبانيا والبرتغال وتركيا، تقدم خدمات بأسعار أقل مما هو موجود في المغرب".
هكذا يجزم أوراز أن السبب راجع إلى "تحرير الاقتصاد وإلى المنافسة الاقتصادية الحرة الموجودة في تلك البلدان، على عكس المغرب الذي تنعدم فيه"، خاتمًا كلامه بأن حل هذه المسألة يكمن في "وجوب خلق تنافسية داخلية بفتح المجال أمام الاستثمار الخاص بكل حرية، في كل القطاعات الاقتصادية ورفع يد الدولة على المجال الاقتصادي".
في وقت تدق الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، على لسان رئيسها بوعزة خراطي، ناقوس الخطر في ما يخص الوضع المتردي للسياحة الداخلية، والذي يدفع ثمنه المستهلك النهائي.
تتفشى في النموذج السياحي المغربي الفوارق الشاسعة بين السعر وجودة الخدمات، بالإضافة إلى ضعف البنى التحتية واللوجستية
ويحمل خراطي المسؤولية للحكومة والقطاع الخاص، اللذان لا يتوفران على رؤية واضحة وشمولية للنهوض بالقطاع بمراعاة حقوق المستهلك والمنعش السياحي على حد سواء. خاتمًا كلامه بالتنديد بـ"الاستغلال الذي يطال المستهلك في السياحة الداخلية، التي هي العمود الفقري لهذا النشاط الاقتصادي في البلاد".
اقرأ/ي أيضًا: