البحث عن المركزيات واحد من أكبر أوهام الثقافة العراقية في زمن أصبح فيه كل شيء سائلًا؛ العلاقات العاطفية والشعر والأكلات الشعبية حتى.
خراب مركب الثقافة والمثقف لهم دور في الخراب هذه حقيقة، وانتهى دورهم الريادي، انتهى إلى الأبد
حتى الآن يطالب الأديب العراقي بمؤسسات رسمية مركزية وضخمة مؤسسات تراقب وأخرى تنشر الشعر والمجاز. يبدو أننا نبحث عن أرضية ثقافية صلبة في زمن تجاوز العالم حتى السيولة.
اقرأ/ي أيضًا: المكتبات العامة في العراق.. من احتكار الاستبداد إلى إهمال المحاصصة
هناك مزاج عالمي جديد تجاوز أطروحات زيجمونت باومان، والعراقي الذي يملك فيسبوك وتويتر قطع شوطًا في هذا المزاج. لم تعد الشؤون الثقافية أهم من صفحة في فيسبوك، لم تعد الجامعة المستنصرية أكثر أهمية من دورات يمكن أخذها عن بعد في أفضل جامعات العالم، لم يعد اتحاد الادباء ذا شأن ازاء منصات اليوتيوب وغيرها.
تشعر في بعض الأحيان أننا ثقبنا الزمن وتسربنا من عصر قديم، تشعر أن البعض مستعد أن يموت من أجل جملة أو عبارة تتشابه هنا أو هناك، البعض مستعد للتضحية بكل ما يملك من أجل مهرجان أو شيء أقل من هذا، بالنهاية ما هو دور هذه المؤسسات البالية في معالجة خطاب الكراهية، ما هو دور وزارة الثقافة في زمن السلاح المنفلت؟
الحنين لثقافة السيتينيات والخمسينيات هو المزاج الثقافي المسيطر، لذا أصبحنا خارج الصندوق! وخير دليل على ذلك لم يخرج أي كاتب أو مثقف عراقي بورقة تشير لحدوس ثقافية يمكنها ان تصبح أنموذجًا.
من يقول لي ما هو أهم عمل نقدي ناقش بعمق مسألة الثقافة والدين أو عالج ببحث نقدي توغل الدين بالسياسة العراقية؟ أو حاول أن يشير لدور النجف على سبيل المثال في عراق ما بعد 2003؟ ما هو الدواء الذي يمكن أن تقدمه مؤسسات كل أهميتها أنها تملك قاعة ومنصة وتعيد وتصقل بالأهازيج والبيوت الشعرية القديمة؟
بصاق على منصة على خشب هو ما ننتظره من هذه المؤسسات العريقة، مؤسسات اشتراكية تعمل بإيقاع لا ينتمي للزمن، مؤسسات تشكل ذاكرة عن البعض.. ونموذج للنسيان عن البعض الآخر.
خراب مركب الثقافة والمثقف لهم دور في الخراب هذه حقيقة، وانتهى دورهم الريادي، انتهى إلى الأبد.. تارة فارس التي كتبنا ضدها في فترة ما أثرت في المزاج المدني أكثر من أي مثقف علماني! مليارات تصرف على مهرجانات تقام قرب مياه آسنة دور ثقافية قرب شوارع قذرة.
ماذا تصنع!
أدباء سكارى في فندق.. هذه أهمية المهرجانات ويجب ألا نخجل من ذلك نادي الأدباء أكثر شهرة من الاتحاد الكل يعرف ذلك! الفرق بين بار الاتحاد والكافتيريا - قبل أن تبنى قاعة زها حديد - يوضح كل شيء. هايكو قرب مزبلة ياللأسى، هايكو في البصرة.. قرب حقل نفط تتقاتل عليه المليشيات.
هذه هي ثقافتنا! لذا يجب ألا ننفعل.. يجب أن نتواصل مع الحاضر لا مع الماضي، لم يعد مناسبًا أن ننتظر مجلاتنا العريقة ومؤسساتنا العتيقة أن تستعيد دورها الريادي في تأسيس الخطاب العقلاني والإنساني، نحن الآن في عصر الميديا والمدونين. المدون الوزير، حكومة المدونين، حكومة الإعلاميين، حكومة الصحفي!
لم يعد ثمة وزير يتحسس مسدسه حين يمر المثقف. نحن في عصر يمكن أن تكتب فيه على حسابك ما تشاء ثم تنسى، دون أن تحسب النتائج
لم يعد ثمة وزير يتحسس مسدسه حين يمر المثقف. نحن في عصر يمكن أن تكتب فيه على حسابك ما تشاء ثم تنسى، دون أن تحسب النتائج، عصر تكمن فيه أهمية المثقف أنه يعرف يكتب في العربية الفصحى، علينا نتلقى الحاضر أن نضع الماضي في سياقه التاريخي.
اقرأ/ي أيضًا: العراق ثورة
الشاعر ليس نبيًا. اكتب وامضِ... غير ذلك زوائد. فنحن آخر جيل يفكر بشكل تقليدي. هناك فتيان الآن أكثر حيوية منا حتى نحن الشباب، لم يعد مهمًا أن تصبح شاعرًا أو فنانًا، المهم الآن كيف تفكر، كيف ترى الحياة، النص ليس مهمًا، علينا أن نعترف قبل أن نتشاجر على الكتب والرفوف، فهذه معارك تنتهي ما ان تخرج رأسك من المكتبة، فيما خسرنا معركة الحياة، أمام جيل عنيف يحب العيش بشكل مفرط.
لا نريد أن نستسلم لكننا نريد أن نغير الأدوات، حتى نحن نتمسك بشوارب نيتشه ونبحث عن أرقام السيارة التي دهست رولان بارت، لا توجد عملة تغيير ما لم تتغير معها أساليب الاشتغال الثقافي لا توجد سينما لا توجد دراما.. حتى الآن نحن نكتب فحسب كتب صديق ما قبل فترة: "هل تحققت مطالبك بالأمن والصحة والتعليم كي تطالب بثقافة؟"
هل ثمة خطأ في الاولويات
كلنا ننام تحت صوت المتنبي، وعندما نخرج نجد أنَّ الشمس قد تغيرت؛ لذا نعود ثانية تحت القماش القديم، فمتى تضربنا شمس الحاضر؟!
للإنصاف الوقع مربك، تبعًا لذلك ترتبك الثقافة، اجتماعيًا وسياسيًا الأمور هلامية ومحبطة فلا ننتظر من الثقافة أن تقفز فوق ذلك، أي مطالب ثقافية الآن تبدو ضربًا من الخيال، ينبغي أنَّ نكون واضحين، لا توجد ثقافة في ظل هذه الظروف.
الثقافة صناعة، ونحن غير مؤهلين بسبب طرق التفكير، وبسبب الوضع أيضًا.
هذه إشارات، إشارات وحسب، وينبغي أن نستعيد شيء من الصدق لنرى الأشياء بشكلها الأصيل فالأوهام ستبقى أوهاماً مهما حاولنا أن نصنع من حولها حقائق كارتونية.
اقرأ/ي أيضًا: