لم تكد الولايات الساحلية للولايات المتحدة الأمريكية، تلملم خسائرها الفادحة في البنية التحتية جراء إعصار هارفي، حتى جاء إعصار إيرما غير المسبوق، الذي اتجه بكامل قوته صوب فلوريدا الولاية التي تحولت إلى مدينة أشباح بعد أن هرع سكانها إلى المغادرة في سباق مع الرياح العاتية القادمة من خلف المحيط، حتى أُعلنت المدينة على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد ساعات من ضرب الإعصار لها، منطقة كوارث.
يُصنف إعصار إيرما من الفئة الخامسة، وتعني أن الإعصار قادر على اجتثاث الأشجار وخلع أسقف المباني وتخليف دمار هائل في البنية التحتية
إعصار من الفئة الخامسة
يؤكد خبراء الأرصاد الجوية على أن هذا الإعصار الجديد، يُعد من بين الأعاصير الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة. وقال المركز الوطني الأمريكي لمواجهة الأعاصير، إن "اندفاع العاصفة القوي يمكن أن يهدد الحياة، كما أن بعض المناطق الجافة في السواحل ستغرق جراء مياه المد العالي، التي تتحرك نحو الداخل انطلاقًا من الشواطئ"، مُضيفًا أنه من المتوقع أن يبقى إيرما إعصارًا قويا من الفئة الرابعة أو الخامسة على مدار اليومين المقبلين.
يقول أيضا خبراء المركز الأمريكي المعني بمتابعة الأعاصير، إن "إعصار إيرما انخفض للفئة الرابعة لدى عبوره بالأرخبيل صباح السبت الماضي، وهو يحمل رياحًا سرعتها 250 كيلومتر في الساعة، لكنه عاد ثانية لأوج قوته بعد أن ضرب كوبا، ومن المتوقع أن يصل لولاية فلوريدا وهو في الفئة الخامسة محملًا بأمطار غزيرة، بسرعة رياح قد تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، ما قد يتسبب في ارتفاع الأمواج من مترين إلى 4.6 أمتار".
اقرأ/ي أيضًا: أسماك اليمن مصيرها التلف في شواطئ عدن
وتعتبر الفئة الخامسة هي أعلى تصنيف للأعاصير لدى المركز الأمريكي، وهي تعني حرفيًا أن الإعصار قادر على قطع أسلاك الكهرباء وقذف الأشجار واجتثاث أسقف المباني مع تدمير فادح في البنية التحتية.
وكان إعصار إيرما قد ضرب في اليومين الماضيين كل من كوبا وجزر الكارايبي، وخلف دمارًا هائلًا في المساكن، وشرد عشرات الآلاف، قبل أن يتوجه إلى فلوريدا، حيث يتوقع أن تنكسر قوته هناك. وجاءت هذه العاصفة، التي وصفها خبراء الأرصاد الجوية بأنها أقوى عاصفة تضرب فلوريدا، بعد أسبوع من إعصار هارفي الذي اقتحم برياحه الغاشمة وأمطاره الغزيرة ولاية تكساس، مخلفًا خسائر بمليارات الدولارات.
سكان فلوريدا يسابقون الإعصار
وعلى إثر التهديد القادم من المحيط الأطلسي، أعلنت السلطات في ولاية فلوريدا الأمريكية "حالة الإنذار القصوى"، بسبب اقتراب إعصار إيرما التاريخي، وأمرت بإجلاء ما يقارب 6.3 مليون شخص من المناطق المعرضة للخطر، نحو أماكن آمنة. وتنقل وسائل الإعلام التلفزيونية مشاهد قوافل السيارات في الطرقات المزدحمة، وهي تتسابق مع الزمن من أجل مغادرة مناطق الإخلاء في فلوريدا قبل فوات الآوان.
وفي مؤتمر صحفي، قال ريك سكوت، حاكم ولاية فلوريدا، إنّ "ولايتنا لم يسبق أن شهدت أمرًا بهذا الحجم"، مكررًا نداءاته لحض السكان على إجلاء المدينة، قائلًا: "الوقت ينفد، إن كنتم في مناطق الإخلاء فينبغي عليكم الابتعاد الآن"، بينما كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة على تويتر، قائلًا "إنها عاصفة ذات قوة تدميرية تاريخية، وأطلب من جميع الذين يتواجدون في مسار العاصفة اتباع كل تعليمات مسؤولي الحكومة".
ورغم التحذيرات المتوالية عبر وسائل الإعلام من خطورة إعصار إيرما، سواء من قبل السلطات الرسمية أو خبراء الأرصاد الجوية، فإن الآلاف من سكان فلوريدا فضلوا البقاء في أماكنهم وعدم مغادرة بيوتهم، مستخفين بالنداءات التحذيرية التي اعتبروها دعوات مغرضة تبالغ في خطورة الوضع، ما حدا بأنظمة الطوارئ إلى تنبيه الباقين بأنه "لن يأتي أحد لمساعدتهم في حال وصلهم الإعصار".
ومنذ مساء السبت الماضي، أعلنت مدن عدة في ولاية فلوريدا حظر التجوال ليلا، بقصد تخفيف الخسائر البشرية و وتجنب حالة الانفلات الأمني، الذي يستغل عادة في مثل هذه الظروف غير المستقرة، حيث تشيع عمليات سرقات المتاجر والمحلات. فيما تحولت مدن الشطر الساحلي لفلوريد إلى مناطق أشباح بعد أن هجرها سكانها.
أعاصير مدمرة وخسائر محدودة في الأرواح.. فما السبب؟!
كان إعصار هارفي الذي ضرب ولاية تكساس الأمريكية مدمرًا بمعنى الكلمة، فقد خلف خسائر مادية قدرت أضرارها بـ160 مليار دولار، وشرّد حوالي 30 ألف شخص، رغم عمليات الإجلاء الواسعة، فيما كانت الخسائر البشرية 60 شخصًا فقط، ونفس الأمر مع إعصار إيرما الأقوى الذي يضرب هذا الخط من سواحل أمريكا الشمالية، إذ إنه رغم الدمار الهائل الذي خلفه في جزر الكاريبي، لكن ضحاياه لم يتجاوزوا 21 شخصًا.
في المقابل، فإن عواصف مطرية أقل حدة بكثير، في بلدان اُخرى، يُسجّل بسببها خسائر بشرية فادحة، كما يحدث عادة في دول آسيوية وعربية، وهو يثير فضول التساؤل عن السبب في قدرة دول بعينها على احتواء غضب الطبيعة بدرجة ما، وإن كان في أقصاه، بينما تعجز دول أخرى عن مقاومة أدنى الكوارث الطبيعية، وتخلف لديها خسائر في الأرواح بالمئات وأحيانًا بالآلاف.
الباحث في الزلازل والأعاصير، بريان توكر، حاول الإجابة عن هذا السؤال، في ورقة بحثية، نُشرت عام 2013، وأجمَل فيها العوامل المسؤولة في اختلاف الاستجابة للكوارث الطبيعية، في خمسة عناصر:
1. الفقر ونقص التمويل:
يتسبب الفقر المتفشي فيما تُسمى بدول العالم الثالث، في خلق مناطق سكنية واهية أو ما تسمى بالعشوائيات، تكون ضعيفة البناء ومتدنية الجودة، ما يجعلها سهلة وسريعة الانهيار أمام أي زلزال أو فيضان أو إعصار، فتنهار الكثير من الأسقف والأبنية على ساكنيها.
2. فساد الحكومات وضعفها:
من المفترض أن الحكومة تتحمل مسؤولية مواجهة الكوارث الطبيعية، سواءً عبر خطط الوقاية منها، أو أنظمة الطوارئ أثناء التعرض لها، لكن البلدان الفقيرة في العادة تفتقد للنزاهة والكفاءة الحكومية لتستطيع وضع استراتجيات فعالة في مواجهة غضب الطبيعة.
3. عوامل ثقافية:
بعض المجتمعات، كما هي الحال في الدول العربية، تنظر للكوارث الطبيعية بتصور مختلف، فهي تراه "كعقاب أو اختبار إلهي" ينبغي الاستسلام له، حيث لا جدوى في مواجهته أو التهرب منه، كما تعتقد هذه المجتمعات، وهو ما يحُول دون الاستعداد لتجنب أو تخفيف الخسائر، فتتعرض لأفدح الخسائر.
يُعد الفقر أولى الأسباب في أن الكوارث الطبيعية بدول العالم الثالث تخلف عددًا أكبر من الخسائر البشرية عنها في الدول المتقدمة
4. ضعف ثقافة حقوق الإنسان:
في ما تُسمى بالدول المتقدمة، يكون المواطن في أعلى قائمة الأولويات، ويمكن التضحية بكل شيء من أجل إنقاذ حياته، ما يجعل الحكومة تقوم بكل ما يلزم مهما بلغت التكاليف من أجل حماية مواطنيها، عكس بلدان العالم الثالث التي لا تكترث عادة، وتنتظر ببساطة اجتياز المحنة دون فعل شيء جاد.
اقرأ/ي أيضًا: ما لن تراه إلا في المساكن الشعبية
5. دور الإعلام:
تحظى الكوارث الطبيعية في بعض البلدان، قبل وأثناء وبعد حدوثها، بتغطيات معمقة ومباشرة، تجعل الرأي العام مُتنوّرًا بما يجري حوله وعالمًا بالمخاطر مسبقًا وكيف يواجهها، وبالتالي يحصل المواطنون على المعلومات اللازمة التي يمكن أن تنقذ حياتهم، بعكس دول أخرى حيث يترك السكان يواجهون مصيرهم.
اقرأ/ي أيضًا: