مات أكرم بالسكتة القلبية بعد تبليغه من وزارة الهجرة سحب إقامته، وقد أنهى العقد الرابع من عمره الآن. هرب أكرم من سوريا ولجأ إلى الدنمارك قبل خمس سنوات، لكن وزارة الهجرة الدنماركية قررت ترحيله إلى دمشق "الآمنة" بزعم الوزارة، هو و130 شخصًا آخر سُحبت إقاماتهم حتى الآن.
سحب الإقامة والوضع في حالة الترحيل من الدنمارك طال ثمانين لاجئًا سوريًا هو قرار ظالم إنسانيًا بالعموم، وأعور كما هي العدالة هذه الايام
طبعًا تقييم وزارة اللجوء خاطئ، فدمشق ليست آمنة باعتراف الأمم المتحدة التي راجعت وزارة الهجرة الدنماركية في تقييمها هذا.
اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في الدنمارك نحو إعادة قسرية بالجملة
أكرم بطحيش -ضحية وزارة الهجرة الدنماركية- لم يكن معارضًا للنظام، وربما ليس مواليًا له، بل يمكن القول إنه من "حزب الرماديين" الذين يُشكلون ما نسبته 30 أو 40 بالمئة من السوريين، وعلى الرغم من أن أكرم حصل على لجوئه في الدنمارك على خلفية هربه من داعش، أو خوفًا على حياته من التنظيمات الإسلامية، فإنه لم يكن ليرغب بالعودة إلى دمشق "الآمنة" رغم خلوّها من داعش والتنظيمات الإسلامية، إنما يحكمها تنظيم النظام السوري فقط، وهذا سبب كاف ليمنع أكرم وملايين السوريين من العودة.
لسنتين خلتا، في 2019، تواصل معي صديق لاجئ في الدنمارك ليخبرني أن السلطات الدنماركية سحبت إقامات عدد من اللاجئين السوريين وقررت ترحيلهم طوعًا إلى سوريا. وأن كثيرًا من اللاجئين تلقوا رسائل من الجهات المعنية تطلب فيها مثولهم أمامها لإعادة التحقيق في ملفات لجوئهم.
كان الرجل مرعوبًا تمامًا ولم أستطع أن أفعل شيئًا له سوى أنني حاولت طمأنته ورحت أبحث عن التفاصيل عبر الإنترنت، لكنه عاد بعد عدة أيام بأخبار تؤكد ما أخبرني به سابقًا، عندها شجعته على اللجوء إلى منظمات إنسانية، أو اللجوء إلى محامٍ لإيقاف قرار الترحيل في حال صدوره أو في حال سحب الإقامة منه.
سحب الإقامة والوضع في حالة الترحيل من الدنمارك طال ثمانين لاجئًا سوريًا هو قرار ظالم إنسانيًا بالعموم، وأعور كما هي العدالة هذه الأيام. والحمد لله فالعدالة الدنماركية ليست عمياء القلب تمامًا بحيث أنها لا تطال اللاجئين السوريين كلهم.
وزارة الهجرة قالت إن 900 شخص قدّموا من محافظة دمشق سيتم إعادة تقييم وضعهم من قبل دائرة الهجرة، ومن المتوقع البت في معظم هذه الحالات الـ900 خلال هذه السنة 2021.
هذا القرار يقولون إن له مبررًا قانونيًا يستند إلى انتفاء أسباب لجوء هؤلاء اللاجئين الثمانين. وهذا السبب ينحصر في داعش التي كانت تشكل خطرًا عليهم في أماكن سكنهم في سوريا. داعش التي انحسر خطرها في السنتين الأخيرتين من سوريا وإن لم ينتف هذا الخطر تمامًا، ويستند ثانيًا إلى توقيع صاحب اللاجئ على وثيقة يتعهد بها بالعودة إلى وطنه في حال عودة الاوضاع إلى طبيعتها؟
من جهته، وزير الهجرة والاندماج يقول إن: "خمسة أشخاص من محافظة دمشق لا يحق لهم الحصول على حماية مؤقتة لأن الظروف في المنطقة قد تحسنت"، وفي حال سحبت الإقامة من هؤلاء الخمسة فإن أكثر من 4500 لاجئ حاصلين على الإقامة المؤقتة في الدنمارك من بين 19 ألف لاجئ سوري قد تسحب منهم إقاماتهم أيضًا.
المنظمات غير الحكومية الدنماركية نبهّت من جهتها الحكومة إلى أن "العودة حاليًا إلى سوريا غير ممكنة"
لكن ما هو التحسن الذي طرأ على أوضاع محافظة دمشق؟ توقفت الأعمال الحربية. لكن المليشيات ما زالت موجودة كما أن الاعتقالات وملاحقة الناس لم تتوقف لأسباب سياسية، أو حتى لمجرد التعبير عن آرائهم، أو حتى بسبب كتابة بوست في صفحاتهم الشخصية على الفيسبوك. والاعتقالات آخذة في التصاعد وقد طالت صحفيين وإعلاميين ينتمون الى وزارة الإعلام الحكومية مثل الإعلامية هالة الجرف والصحفي كنعان وقاف وآخرين.
اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في أوروبا.. إلى تركيا
هل يمكن مراجعة القرار الدنماركي أو دحضه سياسيًا وقانونيًا؟ من الناحية السياسية والأمنية، داعش لم تنته بدليل المؤتمر الدولي لمحاربة داعش الذي تريد الولايات المتحدة عقده قريبًا. هذه ثغرة تنال من القرار الدنماركي.
والثغرة الثانية توجد في حالة التوقيع على وثيقة العودة المشروطة. فاللاجئ الذي وقع عليها حتمًا لا يعرف الدنماركية وغالبًا لا يعرف الإنجليزية. وهو يريد تقوية حظوظ حصوله على الإقامة بأي وسيلة، فلا يدقق في الاوراق كحال الهارب المفزوع من الحرب والموت، فهو سيوقع على أي شيء حتى لو كانت وثيقة يقر بها بمسؤوليته عن قصف هيروشيما بالقنبلة الذرية والغوطة بالسلاح الكيماوي.. تحت تأثير الخوف وبفعل جهله للغة الأوراق التي يوقع عليها، وربما في هذه الحالة من الخوف وتوتر الرجاء والرغبة بالخلاص، لن يفقه أي شيء يقرأه حتى في لغته الأم نفسها.
المنظمات غير الحكومية الدنماركية نبهّت من جهتها الحكومة إلى أن "العودة حاليًا إلى سوريا غير ممكنة، كما أن العودة يجب أن تكون بشروط هي الأمان والكرامة والطوعية".
وإذا ما تحقق أمن اللاجئين العائدين إلى سوريا، وهو أمر لا يمكن إلا بشرط تخليهم عن كرامتهم، فالثورة السورية تفجرت في وجه النظام المخابراتي بسبب انتهاك كرامة السوريين، وكرامة السوريين وأمنهم لا يمكن أن يتحققا دون إلغاء فروع المخابرات والأمن الحالية، أو إعادة هيكلتها على أسس إنسانية وأخلاقية وموضوعية، فطالما أن عنصر أمن واحد مستمر في عمله فهذا يعني أنه يمكن أن ينتهك كرامة أي سوري أو سورية، دون حساب لأحد لأن القوانين الأسدية تحمي رجال الأمن من المساءلة والملاحقة أيًا كانت الجرائم والارتكابات التي يقوم بها .
الكرامة والأمان بالطبع شروط غير متوافرة نهائيًا في سوريا حاليًا، وليس متوقعًا توافرها في المدى المنظور، كما أن وزير الهجرة الدنماركي لم يأخذها بعين الاعتبار وربما هي لا تهمه.
محامٍ دانماركي ربط القرارات الحكومية الأخيرة بمحاولة للضغط على اللاجئين للعودة إلى بلدهم بشكل طوعي، فهناك أموال خصصتها الحكومة الدنماركية تحت اسم أموال العودة، وهو حق لمن يضمن عودة آمنة إلى سوريا على مسؤوليته، مع إغفال مسألة الكرامة، ويطمح للحصول على مساعدة من الحكومة الدنماركية، وبالفعل فقد عاد هذا العام 64 سوريًا بشكل طوعي بحسب مصادر، دون معرفة مصير هؤلاء العائدين، وفيما اذا تم استدعاؤهم من قبل الأجهزة الامنية للتحقيق معهم أو اعتقالهم ومساومتهم على جزء من أموال العودة مقابل إطلاق سراحهم، كما هو معهود عن بعض أجهزة الأمن السورية وربما كلها.
الكرامة والأمان بالطبع شروط غير متوافرة نهائيًا في سوريا حاليًا، وليس متوقعًا توافرها في المدى المنظور
على الرغم من وجود نسبة لا بأس بها من الموالين للنظام في صفوف اللاجئين في أوروبا، أو على الاقل غير معارضين للنظام ولا معادين له، وعلى الأغلب فجمهور الرماديين يشكّل النسبة الأكبر بينهم، فمعظمهم يرفض العودة إلى أحضان النظام أو العودة إلى دمشق "الآمنة"، او إلى أي مدينة سورية "آمنة" تحكمها مخابرات الأسد أو قسد أو الجولاني التي ستعيد العائدين من الدنمارك إلى السجون بعد نهب أموالهم، أو تدفنهم بعد تعذيبهم في مقابر خاصة تابعة لجهات حكومية أو شبه حكومية. ودمشق تحديدًا، إضافة لثلثي سوريا، يحكمها النظام المتهم بجرائم الكيماوي وغاز السارين، وبقتل مليون مدني على الأقل.
لا نتمنى تكرار ما حدث لأكرم، لكن سحب اللجوء وترحيل أي لاجئ سوري من هؤلاء الـ900 إلى دمشق، أو أي مكان في سوريا هو بمثابة شروع في جريمة قتل وإصرار على تكرار المأساة.
اقرأ/ي أيضًا:
اللاجئون السوريون وإثبات حسن النيّة
ريما حسن: المخيّمات ليست مشكلة هجرة بل فشل في سياسات استقبال اللاجئين