14-ديسمبر-2017

بوابة عشتار متحف برلين

في ظل رفض بعض المتاحف الرئيسية في العالم إعادة الأعمال الفنية النادرة إلى الدول التي تعرضت للنهب التاريخي، والتي لم تتوقف عن المطالبة باستعادة تراثها، وما يزال هناك بصيص أمل بحدوث ذلك. 


يتشارك تاريخ الفن في جزءٍ كبير منه مع تاريخ النهب. وقد قام محاربو الفايكنغ، والغُزاة، ونابليون، والقوى الاستعمارية، وهتلر، بنهب الأعمال الفنية على نطاقٍ واسع. وقد ساعد الجيش الاستعماري الفرنسي على نقل أطنانٍ من الأعمال الفنية المصرية إلى أوروبا.  وفي نفس الوقت تقريبًا، نقل البريطانيون عن طريق السفن منحوتاتٍ رخاميةٍ يونانية من معبد البارثينون.

يرتبط تاريخ الفن في العالم في جزءٍ كبير منه مع تاريخ من النهب

وفي وقتٍ لاحق، كجُزء من بعثة بنن عام 1897، نهبت القوات البريطانية جميع الأعمال الفنية من قُصور المملكة الأفريقية، بما في ذلك مجموعة بنن البرونزية، وهي مجموعةٌ من أكثر من ألف لوحة معدنية تذكارية ومنحوتات زينت القصر الملكي لمملكة بنين في العصر الحديث في نيجيريا. وقد تم إثراء المجموعات الفنية في متحف اللوفر في باريس، والمتحف البريطاني في لندن، ومتحف برلين الجديد، بهذه الكنوز المنهوبة.

اقرأ/ي أيضًا: متحف الشمع.. التاريخ اللبناني يتراكض بين الغرف

لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. تطالب الدول، سواء كانت مناطق قد تعرَّضت للغزو، أو مستعمراتٍ سابقة، بإعادة كنوزها وهويتها المتمثلة في إرثها الفني إليها. على سبيل المثال، طالبت تركيا منذ عام 1934، متحف بيرغامون في برلين، بإعادة اثنين من تماثيل أبو الهول التي أُخِذت من المدينة القديمة حتوساس عاصمة الإمبراطورية الحثية. وبعد محاولاتٍ غير مجدية من الحكومة التركية لأكثر من 80 عامًا، أنشأت لجنة لتتبع إرثها المسروق.

تواجه حكومة منطقة أرغون، وحكومة إقليم كتالونيا، في إسبانيا، نزاعًا مماثلًا على كنوز دير سانت ماريا دي سيجيان، الذي يقع في مدينة هواسكا، من القرن الثاني عشر. كما تعرضت إسبانيا لهجوم من دولٍ، مثل كولومبيا، والتي طالبت بعودة كنوز كويمبايا، وهي مجموعة من 122 قطعة ذهبية، أهداها الرئيس كارلوس هولجين الى البلاد في عام 1893.

نعيش في الوقت الذي تقوم فيه المتاحف الغربية العظيمة بحماية تراثها بشكلٍ كبير مع عدم التفكير ولو قليلًا حول رد هذه الكنوز، مُدّعِين بأنهم يقدمون عنايةً أفضل لتلك الأعمال الفنية. تقول غابرييل فينالدي، مديرة المتحف الوطني في لندن: "عندما تكون الأعمال جاهزة للعرض ويمكن للجمهور الوصول إليها، فإن ذلك يُبدد الأسئلة حول الملكية لأن المهم هو أن يتمكن عدد كبير من الناس من رؤيتها".

هذا التفكير ينسجم مع فكرة أن الفن يجب أن يعرض هناك؛ لأن المزيد من الناس يمكنهم الاستمتاع به. ولكن هناك جانب آخر من الحجة، يقول عالم الآثار سام هاردي: "إن التداول الأخلاقي والقانوني للسلع الثقافية يعود بالنفع على البلد الأصلي الذي جاءت منه". ويضيف: "إن الاستيلاء على الآثار التي سرقت أثناء الحملات العقابية، هو استمرار لا يطاق للعنف الاستعماري". ويبدو أنه من المستحيل على هذين الجانبين العثور على حلٍ يُرضي الطرفين.

يوجد في متحف كواي برانلي- جاك شيراك في باريس، 70,000 قطعة من الأعمال الفنية من جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا

وفي الوقت نفسه، ما تزال اليونان تنتظر عودة المنحوتات الرخامية من معبد البارثينون إلى أثينا. وقد تم بناء متحف لاحتواء الأعمال بالفعل، وعلى الرغم من أن الشعب البريطاني يؤيد ذلك الموقف، إلا أنه لا يُحدِث فرقًا. وقد أغلق المتحف البريطاني باب المناقشة، يقول توم فلين، عضو اللجنة البريطانية لإعادة منحوتات رخام البارثينون: "إلا أن يغير المتحف مجلسه، الذين يأتون جميعًا من (المؤسسة)، فمن غير المحتمل أن نرى موقفًا مختلفًا".

اقرأ/ي أيضًا: المتحف الفلسطيني.. صوت الضحية الغائب

لكن مازال هناك بَصِيصٌ من الأمل. أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذا الأسبوع أنه سيعمل على مدى السنوات الخمس المقبلة، على تهيئة الظروف اللازمة لإعادة الإرث الأفريقي المأخوذ من المستعمرات الفرنسية السابقة (بشكلٍ مؤقت أو دائم). حيث يوجد في متحف كواي برانلي- جاك شيراك في باريس، 70,000 قطعة من الأعمال الفنية من جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

يعتقد البعض أن ذلك قد يُشجع الدول الأخرى للمطالبة باستعادة تراثها المسروق. يقول إيف بيرنارد ديبي، وهو محامٍ متخصص في الممتلكات الثقافية: "أن تلك المبادرة ترسل إشارةً خطيرة إلى جميع الدول التي تشمل المستعمرات السابقة بالإضافة أيضًا إلى اليونان ومصر، والتي لديها أعمال فنية تراثية يعتقدون أنها قد أُخِذت بشكلٍ غير قانوني، وأنه أصبح يمكنهم الآن استعادتها". ولكن قبل أن يتمكن ماكرون من تنفيذ هذه الخطة، ينبغي عليه تغيير القانون، لأن هذه المجموعات الفرنسية تعتبر ملكية عامة وهي (غير قابلة للتصرف) ولا يمكن التخلي عنها. تمامًا كما هو الحال في إسبانيا. يقول أندريس أوبيدا، المدير المساعد للحفظ والاستقصاء في متحف ديل برادو في مدريد: "نحن محظوظون حقًا، لأننا لا نتأثر بالنقطتين الأكثر إثارة للجدل: وهما النهب الاستعماري والنازي".

الملكية مقابل الوصاية

وأصبحت الدول، في الوقت الحالي، أكثر إصرارًا على استعادة تراثها الثقافي. ربما كان ذلك بسبب تجدُد النزعة القومية، أو ارتفاع القيمة المادية للعمل الفني. ولكن التأكيد على الملكية يُضعِف ما هو ثمينٌ في الفن.  يقول مانويل بورجا-فيليل، مدير متحف رينا صوفيا في مدريد: "تعتبر الفنون مظهر من مظاهر الشعوب، فهي ليست خاصة أو عامة. إنما هي مثل الماء، أو الغابات"، وأضاف: "إننا بحاجة إلى استبدال مفهوم الملكية بمفهوم الوصاية".

أصبحت الدول، في الوقت الحالي، أكثر إصرارًا على استعادة تراثها الثقافي، وربما يعود ذلك إلى تجدُد النزعة القومية

يزداد العالم وعيًا بأهمية المحافظة على كنوزه وثرواته الفنية. تطالب إيطاليا بضرورة الحصول على تصريحٍ قبل تصدير الأعمال التي يزيد عمرها عن 50 عامًا، وتفرض صقلية رسوم على أولئك الذين يرغبون في اقتراض لوحات مايكل انجلو، الملقب ب كارافاجيو، وتُطالب ألمانيا بإصدار تصاريح خاصة قبل السماح للوحات الفنية، التي تبلغ قيمتها أكثر من 150 ألف يورو، أن تُعرَض خارج الاتحاد الأوروبي. وأصبحت سياسة الحمائية الاقتصادية جزءًا من عالم الفن والتي أدت إلى طُرقٍ جديدة لامتلاكه.

اقرأ/ي أيضًا: أجمل عشرة متاحف حول العالم

يقول جيسون فيليش، وهو خبير في تجارة التحف: "القطع الفنية النادرة وروائع العالم القديم تنتمي إلى الجميع. ولكن في ثقافة تقوم على الملكية بدلًا من الحقوق المشتركة، نجد أن هناك نزاعات لا نهاية لها على الملكية"، ربما يجب أن نتذكر أن المتاحف الكبيرة تحتفظ بحوالي 90% من الأعمال الفنية في المخازن. يقول ميغيل زوغازا، مدير متحف بلباو للفنون الجميلة في إسبانيا: "إن العثور على قصصٍ جديدة في مقتنيات المتحف، وتوضيح رؤية ما هو خفي ومنسي في تلك الأعمال الفنية هو نوع مختلف جدًا من الملكية، يمكن وصفه بأنه أقل ماديةً وأكثر شاعريةً". تبدو هذه الكلمات اليوم، وكأنها لحنٌ مجهول توقف عن العزف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقارير دولية: آثار مصر تباع بالقطعة للإمارات لتستقر في لوفر أبوظبي

هل يمهد هولاند لـ"امتلاك" آثار العراق وسوريا؟