أقرَّ المجلس الوطني الفلسطيني خلال دورته العادية في 17 نيسان/إبريل من عام 1974 هذا التاريخ يومًا وطنيًا للوفاء للأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، فقد شكلت الحركة الأسيرة ركنًا أساسيًا في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني وكانت منذ انطلاقتها، في مواجهة مستمرة مع الاحتلال فقد اعتبرت قضية الأٍسرى من القضايا الأكثر حساسية عند الشعب الفلسطيني، حيث شكلت تجارب صمودهم وخطواتهم النضالية وإضراباتهم عن الطعام نماذج فريدة ومميزة في الوعي الجمعي الفلسطيني.
شكّلت تجارب الأسرى الفلسطينيين وخطواتهم النضالية وإضراباتهم عن الطعام نماذج فريدة ومميزة في الوعي الجمعي الفلسطيني
مؤخرًا، وعلى فترات متقطعة، شهدنا إطلاق سراح للعديد من الاسرى من سجون الاحتلال بعد أن قضوا محكومياتهم، وكان القاسم المشترك بين جميع هؤلاء انهم من أصحاب المحكومات العالية، وإن كانت الفرحة بتحريرهم هي السمة البارزة في هذا الحدث لكن لا يمكننا أن نتجاوز حقيقة مؤلمة أنه لا توجد أية جهة سياسية، وتحديدًا السلطة الوطنية باعتبارها الكيان السياسي المعترف به دوليًا، قد لعبت دورًا أو استطاعت التقليل من سنوات احتجاز هؤلاء الأسرى ولو يومًا واحدًا.
اقرأ/ي أيضًا: حسن.. ابن الأسير والحرية
ليس الأسرى مجرد أرقام مغيبة في السجون، بل هم مناضلون ضحوا وأفنوا شبابهم خلف القضبان، وكما نعتبر حق العودة حقًا ثابتًا ومقدسًا فتحرير الأسرى هو واجب وطني وضرورة نضالية.
كان لاتفاق أوسلو وتداعياته نتائج كارثية على الحركة الوطنية الأسيرة، إذ اعتبرت أحد أكبر المتضررين من هذا الاتفاق، فكل التفاهمات والاتفاقات التي أبرمت من أجل الإفراج عنهم ضمن صفقات سياسية أو وفق خطوات ما كانت تسمى بناء الثقة بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي طيلة محطات مفاوضات أوسلو تنصلت في الغالبية منها إسرائيل، من أبرزها اتفاق القاهرة الذي لم يذكر في أي بند من بنوده الإفراج عن جميع الأسرى وفق جدول زمني محدد، وما حدث هو إطلاق سراح حوالي 5 آلاف أسير غالبيتهم من أصحاب الأحكام المخففة والتي قاربت على الانتهاء، بالإضافة للسجناء الجنائيين، واستثنت إسرائيل الجزء الأهم من الأسرى أصحاب الأحكام العالية المتهمين بالقيام بعمليات مسلحة ضدها باعتبار "أياديهم ملطخة بالدماء".
ما يدفعنا للسؤال عن الدور الذي توليه السلطة الفلسطينية لهذا الملف وأين يقع في سلم أولوياتها، هو استمرار تلك المعاناة وبشكل يومي. ومن مجريات الأحداث ومتابعة الشأن الفلسطيني يتضح أن هناك تقصيرًا واضحًا في هذا الملف، وإعطاء ملفات اخرى أولوية خاصة فيما يتعلق بالشق السياسي المرتبط بأداء السلطة الفلسطينية، هذا الأداء السياسي الضعيف انعكس بشكل سلبي على هذا الملف، فقد اعتمد الاحتلال على المساومة واستعمله أداة ضغط على الجانب الفلسطيني مع تعثر وغياب أي أفق للحل أو تسوية سياسية، تحمل الأسرى تبعات هذا التعثر وأصبحوا رهائن إجراءات الاحتلال التعسفية وممارسته القمعية داخل السجون.
معايير وسياسات إسرائيل لم تتغير عن تلك التي مارستها منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في 1967، ولم تأخذ بالاعتبار الاتفاقيات المبرمة، وواصلت أعلى درجات الصلف والغطرسة في القضايا التي تتصل بالتعامل مع ملف الأسرى في سجون الاحتلال، فقد دفع الأسرى ثمنًا باهضًا جراء تلك السياسات مع غياب سياسة واضحة المعالم وتراجع الاداء الفلسطيني الرسمي وبحسب نادي الأسير الفلسطيني "بلغ عدد الأسرى داخل السجون في العام 2020، حوالي 5 آلاف معتقل ومن بين إجمالي الأسرى نحو 130 طفلًا، ويبلغ عدد الأسيرات في السجون الإسرائيلية 41 سيدة، بينهم 7 جريحات، فيما بلغ عدد الأسرى المرضى قرابة 700 أسير بينهم 300 حالة مرضية مزمنة بحاجة لعلاج مستمر، فيما تستمر إسرائيل في اعتقال 26 فلسطينيًا منذ قبل اتفاق أوسلو، أو يطلق عليهم "قدامى الأسرى"، وتعتقل إسرائيل 51 أسيرًا منذ ما يزيد عن 20 عامًا بشكل متواصل، وهم ما يعرفون بـ"عمداء الأسرى".
ومن بين المعتقلين هناك 541 معتقلًا محكومون بالسّجن المؤبد لمرة واحدة أو لعدة مرات.
وتشير المعطيات التي وثقها نادي الأسير الفلسطيني إلى استشهاد 222 فلسطينيًا في السجون الإسرائيلية منذ عام 1967، بينهم 73 بسبب التعذيب، و67 جراء الإهمال الطبي، و75 بالقتل العمد، و7 بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من قبل جنود الاحتلال، ومنذ مطلع 2019، استشهد 5 أسرى جراء سياسات إسرائيلية ممنهجة وأبرزها الإهمال الطبي المتعمد.
أمام هذا الوضع الصعب وبالاستناد للشواهد السابقة نجد أن عمليات الإفراج عن الأسرى لم تخضع لاتفاق سياسي، بل جرت وفق عمليات مبادلة مع فصائل المقاومة، لذا تحاول الفصائل استثمار ورقة الجنود الإسرائيليين الذين استطاعت أسرهم خلال حرب غزة عام 2014، من أجل الإفراج عن أكبر عدد من الأسرى والمعتقلين.
قضية الأسرى أولوية وطنية وإنسانية، وعنوان رئيسي يرتبط بصورة وثيقة باستمرار النضال لفرض معادلة الحل العادل والشامل لإنهاء الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال
لكن بالموازاة مع العمل على إجبار الاحتلال على تحرير الأسرى بصفقات التبادل يجب عدم إهمال أي مسعي حقوقي وقانوني ضاغط ومؤثر، يدفع المحكمة الجنائية الدولية، التي اعتبرت الأراضي الفلسطينية تقع ضمن دائرة اختصاصها، في البدء بفتح تحقيق في الجرائم التي اقترفت بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ/ي أيضًا: أنيس دولة.. جريمة حرب إسرائيلية
قضية الأسرى أولوية وطنية وإنسانية، وعنوان رئيسي يرتبط بصورة وثيقة باستمرار النضال لفرض معادلة الحل العادل والشامل لإنهاء الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال، فالجميع معني بهذا التحدي الكبير لإنهاء هذا الملف وغلقه.
اقرأ/ي أيضًا: