أن تسمع كلمات السائح الفرنسي من أصول إفريقية، "باديا بامانا بانتو"، وهو يشرح بمنتهى الصراحة والصدق ما صادفه في شوارع مدينة "العرائش" المغربية وهو من دأب على زيارتها بشكل متواصل منذ خمس سنوات، فعليك أن تطرح سؤالًا موجعًا وتمعن وتدقق النظر في ثناياه، هل نحن عنصريون؟
ماذا عن الآخرين الذين ينحدرون من أصول إفريقية ولا جواز سفر أجنبيًّا يحميهم من الاعتداءات والعنصرية؟
سؤال يستوجب الكثير من المعطيات قبل الإجابة عنه، لكنه سيكون حتمًا أول ما يتبادر إلى ذهنك حين تسمع "باديا" يروي تفاصيل الاعتداء الشنيع عليه من قبل شباب مغاربة لا يمكن أن يخرجوا عن الإطار الذي نتحدث عنه، وبالأخص حين نعلم أن الهجوم على الشخص الأعزل بدأ بكلمات من قبيل "إيبولا.. إيبولا"، فضمن أي إطار إذًا يمكننا أن نصنف ما حصل لهذا الشخص؟
ما يلفت الأنظار في قضية "باديا"، أنها تفضح وجهنا البشع الذي نتغاضى عن رؤيته أو بالأحرى نرفض رفضًا مطلقًا النظر إليه، والدليل أن القصة لم تنته عند حدود الضرب والاعتداء بل تواصلت عند نقل السائح للعلاج في المستشفى وكيف تمت معاملته هناك، كل هذا بسبب لون بشرته، طلب منه دفع 100 درهم قبل أن يراه الطبيب لمعاينة آثار إصابته، التي نقلتها وسائل إعلام عديدة من خلال صور يندى لها الجبين، ليتواصل مسلسل "العار" برفض أحد أقسام الأمن بالمدينة النظر في شكواه إلا في اليوم الموالي.
هنا لابد أن نتوقف عند معطى هام ورئيسي في الموضوع وهو أن الجميع ابتداءً بالمعتدين ووصولاً إلى العاملين بالمستشفى ثم قسم الشرطة لم يخطر ببالهم أن الشخص الماثل أمامهم "مواطن فرنسي من أصول إفريقية"، ذلك أنهم حكموا عليه فورًا من خلال لون بشرته، وهنا كانت المفاجأة بعد أن استظهر عند رجال الأمن بجوازه الفرنسي لتتغير الصورة مئة وثمانين درجة، ويتم استقبال نفس الشخص بالقهوة والعصير، أليست عنصرية؟
اختيار هذه القصة ليس اعتباطيًا ذلك أنها مليئة وغنية بالعبر، والكارثي أنها أضرت بصورة المغرب خارجيًا بشكل كبير لأن هذا السائح لم يلزم الصمت بل استند إلى وسائل الإعلام الأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي نقلت صورته والدماء تغطي وجهه وملابسه، رفض السكوت والخنوع دون أن يأخذ حقه المسلوب.
"باديا بامانا بانتو" مُصر على الجهر بما حصل معه، لكن ماذا عن الآخرين الذين ينحدرون من أصول إفريقية ولا جواز سفر أجنبيا يحميهم من الاعتداءات والعنصرية؟ من المنطقي أن تستنفر الجمعيات الحقوقية للذود عن حقوق هؤلاء والوقوف في خندقهم سعيًا لمحو "الصورة المسيئة" التي تخلفها مثل هذه الأحداث العنصرية، كما أن الدولة مطالبة بالتدخل لوقف هذه السلوكيات وردع المتسببين فيها رغم أن الواقع الحالي مخيف.
اقرأ/ي أيضًا:
العنصرية في السودان.. قبائل بهويات تائهة