اختتمت أمس، الأحد 1 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أعمال ورشة "الهجرة القسرية في البلدان العربية: الإشكاليات والقضايا"، التي نظمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، والتي شهدت عبر يومي انعقادها اهتمامًا كبيرًا وتراكمًا معرفيًا لافتًا في موضوع الهجرة واللاجئين. وقد هدف منظمو الورشة إلى أن تكون ساحة لتبادل الرؤى ووجهات النظر بين الأكاديميين والباحثين من جهة، وبين الخبراء العرب حول الظاهرة وما تحمله في ثناياها من عوامل وفواعل وتبعات.
آليات تكيف اللاجئين العرب واندماجهم في أوروبا وتركيا
استأنفت الورشة أعمالها في اليوم الثاني بجلسة تناولت واقع اللاجئين العرب في أوروبا وتركيا، ترأسها مروان خواجة، رئيس قسم الإحصاء السكاني والاجتماعي في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا). وقدّم الباحث هاشم نعمة فياض مداخلةً بعنوان: "اللاجئون العراقيون في أوروبا بين إكراهات اللجوء وآفاق الاندماج: هولندا نموذجًا" بحث فيها الدوافع القسرية التي تدفع العراقيين إلى طلب اللجوء في أوروبا عمومًا وهولندا خصوصًا، وتطور أعدادهم على مستوى أوروبا وهولندا، وتحليل سماتهم الاجتماعية والاقتصادية في هولندا (البنية العمرية والجنسية والعائلية والتعليمية والإثنية والدينية، والخصوبة السكانية، والسكان النشطون اقتصاديًا، والبطالة، ومستوى الدخل، وازدواج الجنسية، وسياسة الهجرة، والاندماج في المجتمع الهولندي)، إضافة إلى المراحل التي مر بها هذا النمط من الهجرة.
كانت ورشة الهجرة القسرية ساحة لتبادل الرؤى ووجهات النظر حول الظاهرة وما تحمله في ثناياها من عوامل وفواعل
بينما افترض الباحث حميد الهاشمي في مداخلته "المهاجرون السوريون في بريطانيا بين تحدّي الاندماج وآفاق العودة"، أن هجرة السوريين باتت خيارًا وحيدًا، كما يبدو، للخلاص من أوضاعهم الصعبة التي يعانونها منذ سنوات؛ بسبب اندلاع الثورة السورية، وما رافقها من ظروف سيئة، فتكت بأرواح مئات الآلاف وشردت أضعافهم في موجات نزوح داخلي وهجرة خارجية، كلها اكتسبت الطابع القسري، متحديةً مشاقّ التنقل وتكاليفه المادية والنفسية والاجتماعية، فضلًا عن تلك التي لحقت أرواح الكثير منهم.
اقرأ/ي أيضًا: انطلاق الدورة الـ 12 من مهرجان "بيروت ترنّم"
بينما قدمت منى هداية مداخلةً بعنوان "آليات التكيّف الاقتصادي لدى اللاجئات السوريات المُعيلات في إسطنبول (2011-2018): نظرة في سُبُلِ العيش"، تطرقت فيها إلى إلقاء المهمة المتعلقة بإعالة كثير من الأسر السورية اللاجئة، بعد أن فقدت معيلها التقليدي تحت وطأة الحرب القائمة، على كواهل النساء اللواتي لجأن إلى أنماطٍ مختلفة من آليات التكيّف الاقتصادي للوفاء باحتياجات أسرهنّ، كما عالجت كيفيّة قيامهن بذلك في مدينة إسطنبول خلال الفترة 2011-2018، وكذا أنماط تكيّفهن، وطبيعة العوامل ذات العلاقة به أو المؤثّرة فيه. كما سعت من خلال مداخلتها لإزالة الضبابية التي تكتنف ملامح حياة اللاجئين الحضريين، ولا سيما الفئات الضعيفة منهم، بهدف الاستفادة من الدروس المستخلصة في تصميم التدخلات الإنسانية.
الاستجابة الأوروبية لظاهرة اللجوء من البلدان العربية
خصصت الورشة جلسةً لبحث سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه ظاهرة الهجرة من البلدان العربية، ترأسها مروان قبلان، الباحث في المركز العربي ومدير وحدة الدراسات السياسية فيه. استهل الجلسة الباحث في المركز العربي أحمد قاسم حسين بمداخلة بعنوان "الاتحاد الأوروبي والهجرة غير النظامية في ليبيا: دراسة في السياسات والآليات"، أكد فيها أن هناك زيادة في تدفقات المهاجرين من الدول العربية إلى دول الاتحاد الأوروبي بعد الانتفاضات الشعبية العربية في عام 2011، الأمر الذي ألزم دول الاتحاد البحث على نحو جاد وفعال عن نهج أوروبي مشترك يقلل من الآثار الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للهجرة، مع تركيزه على دراسة الحالة الليبية والأسباب التي جعلت منها دولة مصدّرة للمهاجرين، والآليات والسياسات الأوروبية المشتركة في الحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية، حيث عرج على المراحل التي تطورت خلالها سياسات الهجرة التي اتبعها الاتحاد في مواجهة الهجرة غير النظامية.
أما الباحث ياسر جزائرلي، الأستاذ في كلية العلوم الإنسانية بجامعة فيتشبورغ بالولايات المتحدة الأميركية، فتناول في مداخلته "اللجوء السوري في ألمانيا وإعادة السجال على سياسات الهجرة"، بالتحليل مشهد الاندماج في دول الغرب، مركّزًا على ألمانيا، مبيّنًا أن هناك لاعبين أساسيين في سياسة الاندماج والموقف تجاهها. فمن ناحية هناك الفاعل، وهو خطة الاندماج التي تتبعها الحكومة الألمانية المبنية على التعليم، وسوق العمل، والاندماج الاجتماعي، وموقف الشعب تجاه الهجرة، ومواجهة جرائم المهاجرين والاعتداءات عليهم. ومن ناحية أخرى، أكد أن سياسة الاندماج في ألمانيا لا ترتكز فقط على الدراسات التي تقدمها مراكز الأبحاث والمكاتب الحكومية المسؤولة عن الهجرة والاندماج، بل أيضًا على الدروس التي تعلمتها من موجة الهجرة التي حدثت في ستينيات القرن الماضي. أما منير مباركية فقدّم مداخلةً بعنوان "برامج التعاون غير الحكومي الأوروبية – العربية بوصفها آلية استجابة للهجرة القسرية" عالج فيها القدرة التأطيرية لبرامج التعاون اللامركزي الأوروبي - العربي واستجابتها في مجال تسيير أزمة اللجوء الحالية، وذلك انطلاقًا من فهمٍ وتوضيح لخصائص هجرة اللجوء (المتأصلة والناشئة) والتي تدفع بها لتكون موضوعًا للتعاون اللامركزي، ونوعية المساهمات التي يقدمها هذا الشكل من التعاون نظريًا وعمليًا.
الحماية الدولية للمهجرين قسريًا من منظور القانون الدولي
أما الجلسة السابعة والأخيرة من أعمال الورشة فخُصصت لحماية اللاجئين وفق القانون الدولي، ترأستها أستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، روضة القدري. قدّم فيها الباحث عمر روابحي، أستاذ حقوق الإنسان بكلية الحقوق في جامعة البويرة (الجزائر)، مداخلةً بعنوان "حماية حقوق اللاجئين: الصكوك والآليات الدولية والإقليمية"، عمد فيها إلى ضبط مفهوم اللاجئ، وهل هو مقبول ومتداول من منظور القانون الدولي؟ كما عرض أهم الصكوك الدولية السارية المفعول المتعلقة باللجوء، مع التركيز على نحوٍ خاص على مدى تصديق الدول العربية الخمس (سورية، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان) عليها. وشرح آليات حماية حقوق اللاجئين، سواء ما تعلق منها بالجانب التعاهدي أو غير التعاهدي على مستوى نظام الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان وكذلك الآليات الإقليمية المتاحة.
أما الباحثة حورية آيت قاسي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة مولود معمري في الجزائر، فتطرقت إلى واقع الحماية الدولية للأشخاص النازحين داخليًا، بين الدوافع الإنسانية التي ترمي إلى تقديم المساعدة لهؤلاء الأشخاص وتكريس مركز قانوني يحميهم كي لا يضطروا إلى طلب الحماية خارج بلدانهم، وبين مصالح الدول في إبقائهم داخل بلدانهم حمايةً لحدودها. وركزت في مداخلتها على تحليل النصوص الدولية ذات الصلة وتطبيقها على واقع الحماية الدولية للنازحين داخليًا، وقدمت توصيات ترمي إلى ترقية حماية الأشخاص النازحين داخل بلدانهم الأصلية، مع الحفاظ على إمكانية الفرار خارج الحدود، والتماس الملجأ في حالة فشل المقاربة الوقائية.
هجرة السوريين باتت خيارًا وحيدًا للخلاص من أوضاعهم الصعبة التي يعانونها منذ سنوات بسبب اندلاع الثورة، وما رافقها من ظروف سيئة
أما الباحث فرج سليمان، أستاذ القانون الخاص بكلية القانون بجامعة طرابلس في ليبيا، فركّز على حماية حقوق المهاجرين القسريين في ضوء دراسة عقود نقلهم، من منظور أن الهجرة القسرية تثير إشكاليات كثيرة، ليس أقلّها أهمية تلك الخاصة بنقل المهاجرين القسريين؛ فأغلب التشريعات لا تقيم وزنًا للتفرقة بين المهاجر القسري الذي يدخل البلاد أو يُنقل إليها تحت وطأة أزمات أمنية أو كوارث بيئية تهدد حياته أو حريته، والمهاجر غير الشرعي الذي ينتقل إليها بمحض إرادته وبصفة غير قانونية.
اقرأ/ي أيضًا: وقف الهجرة أم وقف الحروب؟
اختتمت الورشة العلمية بطاولة مستديرة نقاشية كان موضوعها الرئيس "العمل الإنساني في مناطق النزوح القسري: التحديات والممكنات"، أدارها الباحث دارم البصام، المختص في سياسات وتخطيط التنمية، عُرضت خلالها عديد التعليقات والأفكار والتوصيات حول ظاهرة الهجرة القسرية في البلدان العربية.
اقرأ/ي أيضًا:
الهجرة على ضفاف المتوسط.. جحيم هنا وهناك!
في إشكاليات إنتاج المعرفة.. عن مقال "الداخلي" لجون بيار دي ساردون